كيف يمكن للآباء إعداد أولادهم لمستقبل يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي؟
مع تحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء لا يتجزأ من التعليم وسوق العمل، على الآباء التدخل وبشكل فعال من أجل إعداد أطفالهم للمستقبل، ففي الوقت الذي يقوم فيه الذكاء الاصطناعي بتبديل أسواق العمل التقليدية، إلا أنه في الوقت عينه يوفر فرصاً للابتكار والنمو، وعليه فإن إعداد طفلك لهذا المستقبل يتطلب تعزيز مهارات أساسية مطلوبة، تجعله أكثر مرونة، وتضمن ازدهاره في عالم معزز بالذكاء الاصطناعي.
النهج الاستباقي سيساعد الجيل القادم على مواجهة التحديات والفرص، في عالم تكنولوجي سريع التغير، بينما يستفيدون في الوقت عينه من إمكانيات الذكاء الاصطناعي للنمو والتطور.
تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل التعليم والوظائف
مع استمرار الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل المشهد التعليمي، فإن الصورة الكاملة لم تتضح بعد، ولكن ما هو مؤكد أن المشهد لم يعد كما كان عليه من قبل. وبطبيعة الحال سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل سوق العمل المستقبلي للأطفال بشكل كبير، مما يخلق تحديات وفرصاً على حد السواء، فكيف سيكون التأثير على كل المستويات؟
- التأثير على التعليم:

مما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي يحدث حالياً ثورة كبيرة في التعليم، ومن المتوقع أنه سيعيد تشكيل كيفية تعليم وتدريس الطلاب على حد السواء.
التعلم المخصص:
نقطة هامة جداً ستعود بالفائدة الكبيرة على الطلاب، إذ يمكن للذكاء أن يوفر تجارب تعليمية مصممة خصيصاً لكل فرد، من خلال تحليل بيانات كل طالب بشكل مستقل، وتكييف المحتوى مع إحتياجاتهم الفردية وسرعتهم في التعلم، ووفق تقرير لـ"اي سكول نيوز E School News"، فإن منصات التعلم التكيفية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تتحدى نموذج "قالب واحد يناسب الجميع"، وتخلق بيئة تعليمية أكثر تخصيصاً وفعالية.
تحسين كفاءة التدريس:
من خلال تسخير أدوات الذكاء يمكن تبسيط المهام الروتينية، كما يمكن أتمتة المهام الإدارية مما يسمح للمعلمين بالتركيز حصراً على التعليم والإرشاد، ووفق وزارة التعليم الأمريكية، فإنه ومن خلال استغلال الذكاء لتبسيط المهام الإدارية، يمكن للمعلمين إعطاء الأولوية لمشاركة الطلاب، كما يمكن ومن خلال الاعتماد على التحليلات التي يوفرها الذكاء تقييم أداء الطلاب بشكل مستمر، وإجراء تعديلات تستند إلى البيانات.

تجارب التعليم الغامرة:
يدمج الذكاء الاصطناعي تقنيات مثل الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR، لجعل التعلم أكثر جاذبية وتفاعلاً، وذلك من خلال إتاحة فرص استكشاف المواقع التاريخية، وإجراء تجارب علمية إفتراضية، والتفاعل مع نماذج ثلاثية الأبعاد.
التعلم مدى الحياة والإعداد لسوق العمل:
يعد الذكاء الاصطناعي الطلاب لسوق عمل متطور متغير، وعليه فإن أدوات التوجيه المهني المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها اقتراح دورات، بناء على احتياجات السوق المتجددة.
التلخيص الذكي والمساعدة في الواجبات المنزلية:
تساعد التطبيقات المدعومة بالذكاء، مثل "Notion AI” و"Otter Ai"، في تلخيص المحاضرات وتنظيم الملاحظات وإنشاء أدلة دراسة، كما تساعد برامج الدردشة والروبوتات التعليمية الطلاب في حل المشكلات، وشرح المفاهيم وتقديم إجابات فورية.
التحديات والمخاوف الأخلاقية:
التحيز في الخوارزميات من المخاوف التي تنسحب على كل المجالات، وحين يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي والتعليم لا يشذ عن القاعدة، حيث الاعتماد على البيانات التاريخية، والتي أظهرت حتى الآن نسبة لا بأس بها من التحيزات، وقد يؤدي ذلك إلى نتائج غير عادلة.
وكذلك فإن الخصوصية وحماية البيانات من التحديات الكبرى، ويقع على عاتق المؤسسات التعليمية ضمان أمن بيانات الطلاب عند استخدام الأدوات، وطبعاً الوصول العادل إلى الذكاء وأدواته صعب التحقيق، وبالتالي سيكون هناك فجوة كبيرة بين الدول، وحتى داخل الدول نفسها.
- التأثير على الوظائف:
إزاحة الوظائف وتحويلها:
من المتوقع أن يؤثر الذكاء الإصطناعي على 40% من الوظائف على مستوى العالم، وعلى 60% في الاقتصادات المتقدمة وفقاً لصندوق النقد الدولي، والعديد من المهام الروتينية التي يتم أتمتتها مما يؤدي إلى إزاحة الوظائف في مختلف القطاعات.
خلق أدوار وظيفية جديدة:
بطبيعة الحال سيكون هناك وظائف وأدوار جديدة، مثل المتخصصين في مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومهندسي تعلم الآلة، ومصممي الواقع الافتراضي، وهذه المناصب تتطلب مهارات لم تكن موجودة قبل بضع سنوات، وبحلول عام 2028 من المتوقع أن يخلق الذكاء الاصطناعي والأتمتة 69 مليون وظيفة جديدة على مستوى العالم.
زيادة الطلب على مهارات الذكاء الاصطناعي:
يتزايد الطلب بشكل مستمر على المهارات المرتبطة بهذا المجال، ووفق تقرير مشترك بين "لينكد إن" و"مايكروسوفت"، فإن نحو 71% من القادة يفضلون المرشحين الأقل خبرة، والذين يملكون مهارات في مجال الذكاء الاصطناعي، على حساب المرشحين الأكثر خبرة، والذين لا يملكون ما يكفي من المهارات.
الحاجة إلى التعلم مدى الحياة:
كي يتمكن العامل من البقاء على إطلاع بكل جديد، خصوصاً في سوق العمل، الذي يعتمد على الذكاء، فإن التعلم المستمر أمر ضروري، والمجال هذا يتطور بشكل مستمر، وبالتالي هناك حاجة للاستمرار في تعلم كل ما هو جديد.
فرص في مجالات الإبداع والابتكار:
الذكاء الاصطناعي يمكنه التعامل مع معالجة البيانات، والمهام المتكررة بكفاءة، ولكن الإبداع البشري والقدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات خصال إنسانية لا يمكن تعويضها، وهذه الصفات باتت أكثر قيمة لأنها تكمل قدرات الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضًا: هل سنتحدث مع الحيوانات قريبًا بفضل الذكاء الاصطناعي؟ (فيديوجراف)
دور الأهل في تحضير أولادهم لمستقبل يهمين عليه الذكاء الاصطناعي
الاباء يلعبون دوراً حاسماً في إعداد أولادهم للمستقبل، وهذا الدور بات أكثر أهمية من ذي قبل، مع تحول المستقبل من واقع مألوف إلى آخر مختلف يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي، ويؤكد الخبراء أن مشاركة الأهل ضرورية لضمان تطوير الأطفال للمهارات والوعي والقدرة على التكيف، اللازمة للازدهار في عالم يعتمد بشكل متزايد على الذكاء، من خلال:
- محو الأمية الرقمية وتعزيز المهارات التقنية:
يجب تثقيف الأطفال حول كيفية عمل الذكاء الاصطناعي، وتطبيقاته وآثاره على الخصوصية وأمن البيانات، بأسلوب يتناسب مع أعمارهم، وهذه المقاربة تساعد على تحضير أطفالك للتنقل في هذا العالم، من خلال القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة.
في المقابل، يجب تشجيع التعلم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM، لبناء أساس قوي لفهم الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة، ويمكن للوالدين تقديم البرمجة من خلال منصات تعلم المنطق مثل "Scratch" أو "Code.org"، التي تقدم هذا العالم للأطفال بأسلوب يشبه الألعاب، ما يزيل الغموض، ويجعله عالماً مألوفاً مرحاً، يدمج التعلم باللعب، ما يمهد للمواظبة على تعلمه.
- تشجيع التفاعل العميق مع التعليم:
في مشهد تعليمي يقوده الذكاء الاصطناعي لم تعد مهارات الحفظ ذات قيمة، وبدلاً من ذلك يجب أن يتفاعل الطلاب مع المحتوى وتحليله وانتقاده وعدم قبوله كما هو، وهذه النقطة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمحو الأمية الرقمية، وتحديداً أمية الذكاء الاصطناعي للطلاب قبل وصولهم إلى الجامعة.

- التصدي لخطر الضمور المعرفي:
واحدة من المسؤوليات الرئيسة للآباء اليوم، هي تشجيع أطفالهم على اكتساب مهارات الذكاء الاصطناعي، ومع تزايد أدواته في مختلف التخصصات، يحتاج الأطفال والطلاب إلى تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي وحل المشكلات، بالإضافة إلى الكفاءة التنقية.
ومؤخراً تزايد القلق بشأن "الضمور المعرفي، وهو مصطلح بدأ يكتسب اهتماماً كبيراً في الأوساط التعليمية، وقد سلط تقرير "تأثير الذكاء الاصطناعي التوليد على التفكير النقدي" الضوء على ذلك، وتطرق إلى مشكلة تراجع قدرة الطلاب على التحليل النقدي والمستقل للمعلومات، بسبب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المهام الذهنية.
ويؤكد بحث الدكتور "مايكل جيرليش"، رئيس مركز الاستشراف الاستراتيجي للشركات في "SBS Swiss Business School"، في كتابه "أدوات الذكاء الاصطناعي في المجتمع: تأثيرات على التفريع المعرفي ومستقبل التفكير النقدي AI Tools in Society: Impacts on Cognitive Offloading and “the Future of Critical Thinking"، أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في حل المشكلات اليومية، يمكن أن يؤدي إلى تراجع التفاعل المعرفي العميق، فيما أشار إلى أنه يمكن للآباء التصدي لذلك، من خلال تعزيز بيئة تعلم قائمة على التساؤل وتشجيع أطفالهم على التشكيك أو التساؤل حول المحتوى الذي يولده الذكاء، وللتعرف على حدوده وتحيزاته.
اقرأ أيضًا: هل يكتب الذكاء الاصطناعي الأدب يومًا؟ "OpenAI" تطور نموذجًا للكتابة الإبداعية
- تنمية المهارات الناعمة:
بينما يتفوق الذكاء الاصطناعي في المهام التحليلية، تظل المهارات الإنسانية الفريدة كالإبداع والتعاون والتعاطف لا غنى عنها، فشجع أطفالك على التعبير الإبداعي، سواء من خلال الفن أو الموسيقى أو سرد القصص، لتعزيز حس الابتكار والتفكير المرن.
فألعاب تمثيل الأدوار تبني الذكاء العاطفي والتعاطف، من خلال رؤية الأمور من منظور آخر، أما المشاريع الجماعية فتعلم العمل الجماعي ومهارات التفاوض والقيادة واحترام السلطة، وتضمن هذه المهارات قدرة الأطفال على العمل مع الذكاء الاصطناعي، مستفيدين من نقاط قوته، بينما يقدمون المهارات البشرية التي لا يمكن، حتى الآن على الأقل، أن يقوم بها الذكاء الاصطناعي.
- تعزيز عقلية التعلم مدى الحياة:
مع استمرار تغير مشهد سوق العمل، أصبحت القدرة على التكيف والتعلم المستمر أكثر أهمية من أي وقت مضى، ومن ثم صار من الضروري أن يغرس الآباء عقلية التعلم مدى الحياة في أطفالهم، مع التأكيد أن التعليم لا ينتهي عند التخرج من الجامعة.
والبداية تكون بزرع حب التعلم في نفوسهم، ونقل مبدأ الدراسة من صورته السلبية إلى الإيجابية، فهناك عدد من الأطفال لا يحبون المدرسة، وبما أنه لا يمكن معالجة المعضلة هذه، لأن العوامل المرتبطة بها خارجة كلياً عن سيطرة الأهل، فإن ما يمكن القيام به هو جعل الأطفال يدركون أن هناك أنواعاً أخرى من التعليم، قائمة على أسس أقل صرامة وأكثر مرونة، وجعلهم يدركون بأن التعلم المستمر هو جزء أساسي من الحياة، من خلال القيادة بالمثل.