السياحة الحصرية الفاخرة.. كيف تبدلت أذواق الأثرياء في تجارب السفر؟
شهد مفهوم السفر الفاخر تحولاً كبيرًا خلال القرن الماضي، حيث تبدلت العناصر التي تشكل تجربة السفر المترفة، متأثرة بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والتقدم في التكنولوجيا، والتحولات التي طرأت على أذواق المستهلكين.
الأثرياء جدًّا يعتمدون نهج سفر يختلف عن المسافرين العاديين، إذ يتم تنظيم كل جانب من رحلاتهم بعناية، من خلال وكلاء سفر متخصصين أو مساعدين شخصيين، يضمنون لهم تجربة سلسة مصممة وفق تفضيلاتهم الخاصة.
بطبيعة الحال هناك لائحة من الشروط والمتطلبات، وعلى رأسها دائمًا الحصرية، فهم يفضلون عدم مشاركة إجازتهم مع الحشود، وغالبًا ما يسافرون مع عائلاتهم وأصدقائهم، ويقومون بنشاطات خاصة بهم، فالحصرية توفر لهم الخصوصية، وهذا ما يسعون إليه بالضبط، حيث القدرة على الاسترخاء بعيدًا عن الفضوليين.
ما الذي يريده الأثرياء من تجارب السفر؟
أصبح الأثرياء أكثر انتقائية في خطط سفرهم المستقبلية، حيث يركزون على القيمة على حساب الفخامة المجردة.
ووفقًا لتقرير "ماكنزي" الصادر عام 2024، فإن مفهوم الرفاهية عند المسافرين الأثرياء تطور، ومن المتوقع أن يشهد العام 2025 سعي هؤلاء إلى السفر لوجهات عالمية توفر لهم التجارب الفريدة والمؤثرة، وقد بدأوا بالفعل بحجز رحلاتهم.
الأثرياء يثقون بوكلاء السفر المتخصصين، والتوجه الحالي هو لوكالات السفر البوتيكية، التي توفر لهم الخصوصية والحصرية، أما الوجهات فتميل لكل ما هو "مميز وغريب"، على حساب الوجهات المعروفة أو الشائعة لدى السياح، أو حتى الوجهات التقليدية للأثرياء.
والخيارات لمناطق نائية وهادئة، عادة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال المطارات الخاصة أو اليخوت، بتجارب لا تتوافر في أي مكان آخر.
أما لناحية الإقامة فإن الرغبات ما تزال كما هي لناحية الخصوصية، ولكن التركيز على العلامات التجارية الفاخرة بات أقل من أي وقت مضى، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على البحث عما يتجاوز الرفاهية، والرغبة في تجارب فريدة تخلق الذكريات وتبدل حياتهم.
اقرأ أيضًا| مصاعد فضائية وبالونات سحرية.. هل تغير قواعد السفر الكوني؟ (فيديوجراف)
الوكالات البوتيكية
وكالات السفر البوتيكية هي شركات سفر متخصصة، تقدم تجارب شخصية، ومصممة وفقًا لرغبات الزبائن، وهي خلافًا للوكالات الكبيرة التي تركز على حزم العطلات التقليدية، تتخصص في تقديم خدمات حصرية بأفكار فريدة وفاخرة.
وتشتهر هذه الوكالات بتركيزها على التفاصيل، وقدرتها على تصميم برامج سفر تتجاوز التجارب السياحية المعتادة، حيث تخطط لكل جانب من جوانب الرحلة، انطلاقًا من اهتمامات وتفضيلات الزبائن، من اختيار أماكن الإقامة إلى تنظيم الرحلات الفريدة، فكل التفاصيل مخصصة، سواء كانت رحلة تذوق للطعام عبر إيطاليا أو سفاري خاص في تنزانيا.
ومن خلال شبكات معارفها الداخلية، تتمكن الوكالات البوتيكية من توافر نشاطات غير متوافرة عادة للعامة، كجولات في معالم تاريخية لا يسمح لعامة الناس الدخول إليها، أو الحصول على دعوات لمناسبات حصرية وخاصة تجمع أهم وأشهر الشخصيات.
ومن الوكالات المعتمدة وبشكل واسع من قبل الأثرياء حول العالم:
- فيشر ترافل Ficher Travel: وكالة أشبه بناد حصري، توفر خدماتها الحصرية للأعضاء فقط، وتقدم بعض أكثر التجارب الفاخرة في العالم، كتناول العشاء مع طهاة حائزين على نجوم ميشلان، أو دروس خاصة مع المشاهير، وتصل تكلفة العضوية إلى 150,000 دولار، مع رسوم تجديد سنوية تبلغ 25,000 دولار.
- بلاك توماتو Black Tomato: تتخصص في السفر الفاخر حسب الطلب، دون جداول زمنية ثابتة، أو دفع مسبق، ما يعني مرونة تامة تتناسب مع طبيعة حياة الأثرياء، كما تتيح الوكالة لعملائها إدراج احتياجاتهم وتفضيلاتهم، ما يعني خدمة مفصلة على مقاسهم طوال فترة سفرهم.
- فويمو Voyemo: تصمم رحلات فاخرة مخصصة، وتتعاون مع شركة "أمان جيت إكسباديشن Aman jet Expeditions"، لتقديم رحلات على متن طائرات خاصة لأي بقعة في العالم.
- ريموت لاندز Remote Lands: تحصر هذه الشركة خدماتها في آسيا فقط، وهي توفر تجارب فاخرة مخصصة، تشمل الوصول الحصري إلى أحداث ثقافية فريدة، وجولات خاصة غير متاحة للآخرين.
- رور أفريقيت Roar Africa: تركز على رحلات السفاري الفاخرة في إفريقيا، وتشتهر بقدرتها الاستثنائية على توفير حق الدخول إلى أماكن أو القيام بنشاطات غير متوافرة للعامة.
اقرأ أيضًا| إكسبيديا تكشف عن أهم توجهات السفر لعام 2025
امتلاك اليخوت وتأجير السفن
اليخوت الخاصة أو المستأجرة هي خيار غالبية الأثرياء، الذي يفضلون البحر المتوسط أوالكاريبي، ومؤخرًا بتنا أمام ظاهرة إبحار اليخوت، التي تجمع بين أصحابها علاقة، بالقرب من بعضها، حيث يتشاركون العطلات والنشاطات.
البعض ذهب إلى أبعد من ذلك، وبتنا أمام فئة تستأجر سفن سياحة كاملة، وذلك لكونها عملية أكثر، فهي تتسع لمجموعات أكبر، وتملك كل ما يجعلها أقرب إلى فندق فاخر عائم، سواء لناحية المطاعم أو وسائل الترفيه والألعاب المائية، أي إنها توفر كل ما يمكن الحصول عليه في اليابسة، مع خصوصية مطلقة، وخيار تبديل المسار والاستكشاف، وإدخال التعديلات على البرنامج وفق المزاج.
الفيلات على حساب الفنادق
رغم أن الفنادق باتت توفر خيارات لا تُعد ولا تُحصى من الخدمات الحصرية والرفاهية المطلقة لزبائنها، ولكن الأثرياء باتوا يفضلون الإقامة في فيلات خاصة، أو في منازل العطلات الخاصة بهم على حساب الفنادق.
وهناك عدة أسباب خلف اختيار الفيلات، فهي توفر مستويات أعلى من الخصوصية مقارنة بالفنادق، بالإضافة إلى تجارب شخصية مختلفة، إذ إنها تأتي مع خدمات حصرية كالطهاة، وخدمات الكونسيرج، والأنشطة المخصصة، والوصول غير المحدود إلى المرافق في أي وقت كان.
كما أنه يتم اختيار مكان الإقامة لتكون جزءًا من الإجازة وليس نقطة انطلاق، وهذا ما يبرر تفضيلهم لها على حساب الفنادق، حيث عليهم الخضوع لقوانينه وقواعده، أما الفيلات فهي مساحتهم الخاصة الخاضعة لقواعدهم.
اقرأ أيضًا: أفضل الوجهات العالمية الفاخرة لعطلات صيد الأسماك
السفر التجريبي!
ما الذي يمكن لرحلات السفر أن تقدمه لأشخاص اختبروا غالبية ما يمكن اختباره، وزاروا معظم -إن لم يكن كل- الأماكن السياحية المعروفة والشهيرة؟ما الذي قد يثير اهتمام وفضول هذه الفئات التي منحت جولات خاصة، وحق دخول لأماكن لا نعرف بأنها موجودة أصلاً؟!
على ما يبدو الإجابة بسيطة وغريبة جدًّا، وهي تقديم تجارب السفر "العادية" ولكن تحت مسمى جديد!
فحاليًّا يتم تداول مصطلح "السفر التجريبي"، الذي هو وفق التعريف، الانغماس في الثقافة المحلية، من خلال الإقامة في فنادق وشقق، وتناول أطعمة المحليين والقيام بنشاطاتهم، وهذا ما يقوم به أي مسافر "عادي" بميزانية محدودة، فهو يقيم في فندق محلي قريب من كل المناطق الاستراتيجية، ويتناول الطعام في مطاعم "عادية" ويتسوق في الأسواق الشعبية.
وعلى ما يبدو فإن عزلة الأثرياء في فنادقهم الفاخرة أو فيلاتهم النائية لم تعد تروق لهم، فهم يريدون "التجربة"، مع المحافظة على معدل مقبول من الرفاهية.
الانغماس في الثقافة المحلية يتم هنا من خلال جولات خاصة مع مرشدين، حيث يتم الاستعانة بخبراء محليين يوفرون لهم المعلومات، والمواقع التاريخية، والفنون والتقاليد، بالإضافة إلى المشاركة في ورش عمل ثقافية أو حضور المهرجانات والفعاليات المحلية.
وفي المقابل، هناك فئة تحاول الانغماس في الثقافة من خلال ما يسمى "السفر الخيري"، حيث يقومون بالانخراط في مشاريع خدمة المجتمع خلال رحلاتهم، مع التطوع للقيام بأمر ما يعود بالفائدة على المحليين، أو من خلال الحرص على دعم الاقتصاد المحلي، إما باختيار مكان الإقامة وإما القيام بأنشطة تعود بالفائدة الاقتصادية على المجتمع المحلي.
المغامرات المتطرفة!
ينخرط الأثرياء في مجموعة متنوعة من النشاطات، التي قد تشمل المغامرات المتطرفة، لأنهم غالبًا ما يبحثون عن تجارب غريبة ومثيرة مبدلة للحياة، تتجاوز السفر الترفيهي التقليدي، وفيما يلي بعض المغامرات التي تعتبر الأكثر شيوعًا:
- السياحة الفضائية: تصل التكلفة إلى 55 مليون دولار للشخص الواحد، ويمكن للمغامرين الأثرياء السفر إلى محطة الفضاء الدولية على متن صاروخ "سبيس إكس".
- الرحلات الاستشكافية في أعماق البحار: تتراوح التكلفة بين 250 ألف دولار و 750 ألف دولار للشخص الواحد، وتمكن المستكشفين من الغوص إلى أعماق المحيطات، بما في ذلك زيارة حطام السفينة "تيتانيك".
- استكشاف إفريست (والجبال العالية الأخرى): تتراوح التكلفة بين 50 ألفًا و200 ألف دولار للشخص الواحد، وهي واحدة من أكثر المغامرات المفضلة للأثرياء، أما تسلق الجبال العالية التي تزيد على 8000 متر، فتبدأ تكلفتها من 100 ألف دولار .
- مغامرات القارة القطبية الجنوبية: تصل التكلفة إلى 100 ألف دولار للشخص الواحد، وهي تشمل رحلة فاخرة إلى القارة القطبية الجنوبية، والتنزه على الجليد، ومشاهدة الحياة البرية.
- السفاري الفاخر: تتفاوت التكلفة بشكل كبير، ولكن بعض الخيارات الراقية تتجاوز الـ100 ألف دولار للشخص الواحد، وتقدم تجارب فريدة مع الحياة البرية، وإقامات فاخرة وجداول مخصصة.
- الرياضات المتطرفة: تختلف التكلفة وتتنوع باختلاف النشاطات والموقع.