الرقمنة في المملكة: كيف تعزز السعودية هويتها من خلال التكنولوجيا؟
تعمل المملكة العربية السعودية على الاستفادة من التحول الرقمي بأفضل الأشكال الممكنة، وتبذل قصارى جهدها في توظيف التكنولوجيا لخدمة هويتها وتعزيزها، إذ توظّف الإعلام الرقمي في تصحيح المفاهيم الخاطئة حول العالم، وتُنفق مليارات الدولارات على المؤتمرات والأحداث التكنولوجية المهمة، بما يحمل رسالة للعالم أجمع حول دورها الريادي بين موجات التكنولوجيا العاتية، ومدى فاعليتها عاماً تلو الآخر.
الإعلام الرقمي وتصحيح المفاهيم الخاطئة
يمر المشهد الإعلامي في المملكة بتغيرٍ واضحٍ وسريع الوتيرة، ربما يعود في المقام الأول إلى التكنولوجيا الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من أي وقتٍ مضى، إذ يُقدر معدل انتشار الإنترنت بين المواطنين السعوديين بنسبة 93%، وفقاً لدراسة صدرت عام 2016، وهو العام نفسه الذي صدرت فيه دراسة أخرى تفيد بأن متوسط الاستخدام اليومي للفرد الواحد يصل إلى نحو 5 ساعات.
وبغض النظر عما إذا كانت هذه الأرقام مُقلقة أم لا، فإنها تدل على التبني الواسع للتكنولوجيا ووسائل التواصل من قِبل الشعب السعوديّ، مثلما يدل على أن الأمر ليس وليد السنتين الماضيتين، بل يمتد لأبعد من ذلك، ولعل ما يجب الانتباه إليه هنا أنه على الرغم من هذا الاستخدام المُكثف، فإن وسائل التواصل لن تستبدل مؤسسات الإعلام التقليدية قريباً، لا في المملكة ولا في أي دولةٍ أخرى.
فيما تستغل المملكة وسائل التواصل الاجتماعي مثل Snapchat، وX، وInstagram، جنباً إلى جنب مع وسائل الإعلام التقليدية، بطريقة رائعة للترويج لهويتها وثقافتها المعاصرة المنفتحة على العالم، حيث تُطوّع وزارة الثقافة هذه المنصات بشكلٍ نشط، لاستعراض التنوع الفني والثقافي وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة المنتشرة لدى البعض، ما يُشكل جزءاً من مبادرةٍ أوسع تتماشى ورؤية السعودية 2030.
أحداث السعودية الرقمية تتحدث عن نفسها
الوعد في صيف 2025
بموسم جديد من #كأس_العالم_للرياضات_الإلكترونية pic.twitter.com/XZNZLd43v7— كأس العالم للرياضات الإلكترونية (@EWC_AR) August 25, 2024
لا تتوانى المملكة عن استعراض "هويتها الرقمية" الحالية من خلال الفعاليات والأحداث التي لا يُمكن أن تُوصف سوى بالعالمية، ومنها:
- مؤتمر LEAP
يُعرف بأنه المؤتمر التقني الأكثر حضوراً في العالم، إذ زاره أكثر من 215 ألف شخص من أكثر من 80 دولة، خلال 4 أيام فقط، فيما ضم أكثر من 680 شركة ناشئة، وأكثر من 1100 متحدث مُخضرم في مجاله، ناهيك باستضافته لأكثر من 1800 عارض عالمي، بانتظار النسخة القادمة من LEAP التي سنشهدها في الفترة ما بين 9 و12 فبراير 2025.
- Digital Transformation Summit
تُقام النسخة السادسة والثلاثين من هذا المؤتمر بالرياض في الرابع عشر من مايو 2025، و"Digital Transformation Summit"، وهو مؤتمرٌ يركز على أبرز التوجهات والتريندات التكنولوجية في الوقت الراهن، مثل الذكاء الاصطناعي، وويب 3.0، والأمن الرقمي Cybersecurity، وغيرها من الموضوعات، كما يجمع كبار المسؤولين التنفيذيين لمناقشة تأثير التحول الرقمي على مختلف الصناعات والقطاعات، ما يعكس التزام المملكة بالريادة في التقدم التكنولوجي والبُنى التحتية.
اقرأ أيضًا: دور المرأة في ثورة التكنولوجيا في المملكة العربية السعودية
- IDC Saudi Arabia CIO Summit
بين يومي 18و19 سبتمبر من العام الجاري 2024، يقام هذا الحدث الذي يهدف إلى تمكين قادة التكنولوجيا، من خلال تقديم رؤى مفيدة حول استراتيجيات التحول الرقمي ومستقبل الذكاء الاصطناعي، فيما يُتوقع أن يتجاوز الإنفاق السنوي على الأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي 300 مليار دولار عالمياً بحلول 2026، في حين يتجاوز الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المملكة العربية السعودية عشرات المليارات من الدولارات.
- Esports World Cup
اختتم مؤتمر كأس العالم للرياضات الإلكترونية أعماله منذ أيام، وكما تلاحظ فقد لفت أنظار العالم أجمع، لأسباب وعوامل كثيرة، أبرزها أن مجموع جوائزه تخطى الـ60 مليون دولار، ليكون بذلك الأضخم في التاريخ، فيما حظي الحدث بنجاحٍ كبير توج ختامه حضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في مشهد ختامي رائع توج خلاله الفريق السعودي "فالكونز" بكأس العالم بقيادة المحترف "مُساعد الدوسري".
وحقق كأس العالم للرياضات الإلكترونية أكثر من 177.5 مليون ساعة مشاهدة خلال الأسابيع الأربعة الأولى فقط، مُحطماً الأرقام القياسية، وممهداً الطريق لعودةٍ قوية في 2025، وهو ما تم تأكيده رسمياً.
كل هذه المؤتمرات وأكثر، تسلط الضوء على اعتزام المملكة بأن تحافظ على ريادتها، بل تعزز من مكانتها العالمية في مجال التكنولوجيا والابتكار، وهو ما يعكس هويتها المعاصرة وتوجهها المستقبلي نحو الرقمنة الكاملة، وهنا من الطبيعي تبني التحول الرقمي والانفتاح على الثقافات الأخرى، دون إهمال ثقافتها وتراثها الغني المتأصلين.
ولعل هذا يبدو واضحاً في جوانب عدة جمعت الأصالة والمعاصرة، على سبيل المثال، عندما أرادت المملكة العربية السعودية أن تُصمم روبوتات آلية، فإنها لم تُصمم الروبوت "جون" أو "جيسكا"، وإنما صممت الروبوت "محمد" و"سارة"، وألبستهما الأزياء السعودية لتعكس ثقافتها وتراثها، فالمملكة لا تُقلد، وإنما تبتكر وتتميز بالتوازي مع المحافظة على تراثها الثقافي، والأمثلة كثيرة على تبني التحول التكنولوجي مع التمسك بالعادات والتقاليد، مثل استخدام تقنيات الواقع الافتراضي في مهرجان "الجنادرية" التراثي الثقافي، ومشروع نيوم، وغيرها الكثير، ما يعطى صورة مستقبلية مشرقة لخطوات تعرف طريقها بوضوح.