السلع التمييزية: الورقة الرابحة للأثرياء المختلفين عن أقرانهم
في المشهد الرأسمالي اليوم، تجاوز الاستهلاك مجرد تلبية الاحتياجات الأساسية وأصبح يعكس هوية المستهلك وطموحاته الاجتماعية. إذ أصبح الشخص يشتري السلعة لعلامتها التجارية المميزة أو لسعرها الباهظ الذي يضعه في مكانة مرموقة ضمن السلم الطبقي.
لهذه النوعية من السلع مصطلح محدد يُعرف بالسلع الموضعية (positional goods)، أو ما يمكن تسميته بالسلع التمييزية، لأنها تميز صاحبها. وهذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل اليوم.
السلع التمييزية.. سلع الأثرياء
تشمل السلع التمييزية جميع الخدمات والمنتجات النادرة التي يقدرها الناس بسبب ندرتها والمكانة الاجتماعية العالية التي تعكسها، وذلك بدءًا من تذاكر الصفوف الأمامية في الأحداث المهمة، مرورًا بحقائب اليد الفاخرة، وليس انتهاءً بأفخم القوارب واليخوت.
وغالبًا ما تُقدم السلع التمييزية- التي تأتي بأسعار مرتفعة- قيمة مقابل السعر، غير أن قيمتها الحقيقية هي قيمة معنوية وليست عملية.
ومما يجدر بالملاحظة أن تعريف هذه النوعية من السلع يمتد إلى الخدمات كذلك. فعضويات النوادي الكبيرة تُعتبر من السلع التمييزية، والإقامة في الفنادق الراقية تُعد من السلع التمييزية، وجميع خدمات الكونسيرج الفاخرة بشكل عام تُعتبر من السلع التمييزية، وهلم جرا.
كيف تروج الشركات للسلع التمييزية؟
تُصمم السلع التمييزية لتكون حصرية ومتفردة عن غيرها من السلع، حتى لو كانت من الشركة نفسها. وفي أغلب الأحيان، تأتي بأسعار باهظة حتى يشتريها عدد قليل من الناس.
وعلى هذا الأساس، تتم عملية التسويق، حيث تُخبرك الشركات المصنعة- بشكل ضمني في معظم الأوقات- أنك إذا اشتريت سلعتهم ستكون من صفوة المجتمع، وفي الوقت نفسه تُريك الفائدة العملية الكبيرة التي ستعود عليك أيضًا.
ولا تتأثر السلع التمييزية بالوضع الاقتصادي، على الأقل ليس بشكل ملحوظ، إذ يظل سعرها الباهظ باهظًا حتى لا تفقد معناها. على الجانب الآخر، وبحسب الخبراء، فإن الأثرياء مدفوعون بما يُعرف بالاستهلاك البارز (conspicuous consumption)، وهو المصطلح الذي يدفعهم لشراء السلع التمييزية لإبراز وضعهم الاجتماعي المرموق بغض النظر عن الحالة الاقتصادية السائدة.
ومن أبرز الأثرياء الحائزين للسلع التمييزية الملياردير الأمريكي "جيف بيزوس" صاحب إمبراطورية أمازون، والراحل "ستيف جوبز" مؤسس أبل، بحسب موقع Medium.
أمثلة على السلع التمييزية
غالبًا ما تكون السلع التمييزية من علامات تجارية أو "براندات" فاخرة مثل Louis Vuitton وPrada وRolex وLamborghini وBugatti، وغيرها من العلامات الفاخرة في الصناعات المختلفة، التي تسعى لنقل هالة معينة من الهيبة حول المستهلك المستهدف.
وهذه الهالة تُعرف من شيئين: "اللوجو" الخاص بالسلعة، وسعرها الذي قد يتجاوز ملايين الدولارات.
ولا يُشترط أن تكون السلعة التمييزية الغالية أكثر فائدة -من الناحية العملية- من نظيرتها الأرخص ثمنًا. فسيارة مثل Chevrolet Corvette ليست سلعة تمييزية رغم امتلاكها لقوة حصانية مماثلة أو حتى أكبر من لامبورغيني، التي تُصنف بدورها من السلع التمييزية.
صحيح أن الـ "Corvette" غالية نسبيًا، على الأقل مقارنة بمتوسط سعر السيارات، لكن يتم إنتاج عشرات الآلاف منها سنويًا، ناهيك أن علامة "Chevrolet" بحد ذاتها لا تُصنف من العلامات الفاخرة.
اقرأ أيضًا: ما هو الثراء الخفي؟ ولماذا يجب أن تتبع هذه الفلسفة؟
كما نلاحظ، تستمد Lamborghini وغيرها من العلامات التجارية الفاخرة جزءًا كبيرًا من قيمتها بسبب سعرها ولأنها نادرة، حيثُ تنتج بأعداد أقل من 1000 سيارة في السنة.
تأثير الثقافة على السلع التمييزية
تلعب القيم الثقافية دورًا كبيرًا في تحديد ماهية السلع التمييزية. ففي الثقافات الغربية، على سبيل المثال، وتحديدًا في الولايات المتحدة وأوروبا، غالبًا ما تُعتبر السيارات والأزياء الفاخرة، فضلًا عن التكنولوجيا المتقدمة، علامات بارزة على المكانة الاجتماعية؛ ساعة من Rolex أو سيارة من Ferrari أو حقيبة من Louis Vuitton ليست مجرد سلع باهظة الثمن، وإنما سلع تُميز أصحابها بالمكانة الاجتماعية المرموقة.
على النقيض، أو بالأحرى في المقابل، تُقدر الثقافات الشرقية سلعًا من نوعٍ آخر وتعتبرها رمزًا للمكانة الاجتماعية. من هذه السلع، مثلًا: قطع البورسلين النادرة التي ترجع لعهد أسرة مينغ في الصين، والتي قد يصل سعرها إلى المليون دولار.
هذا لا يعني أن ساعات Rolex وسيارات Ferrari لا تُعد من السلع التمييزية هناك، وإنما يدل فقط على اختلاف المنظور. والعكس ليس شرطًا أن يكون صحيحًا، بمعنى أن السلع الثمينة المتجذرة في الثقافة الصينية لا تساوي الكثير بالنسبة للمواطن الغربي.
لماذا يسعى الأثرياء وراء السلع التمييزية؟
هناك أكثر من عامل سيكولوجي وراء هذا الأمر؛ على رأسها -والأكثر بديهية- الحاجة إلى العرفان الاجتماعي الذي يحصل عليه الفرد بحصوله على هذه النوعية من السلع.
ثانيًا: تكوين الهوية، حيث تلعب السلع التمييزية دورًا كبيرًا في ذلك بعكسها لقيم وطموحات صاحبها، وكل هذه الأشياء تؤدي في النهاية إلى تكوين هويته.
ثالثًا، زيادة الثقة بالنفس، إذ يرتبط السعي وراء امتلاك السلع التمييزية بالثقة بالنفس. فالبشر عادةً ما يربطون قيمتهم بالأشياء التي يمتلكونها.
وحقيقة الأمر أن الدراسات أثبتت أن هناك علاقة عكسية بين الثقة بالنفس والرغبة في شراء السلع القيمة أو التمييزية، فكلما كانت ثقة الشخص بنفسه منخفضة، زادت رغبته في شراء السلع عمومًا إرضاءً لذاته، فما بالك بالسلع التمييزية؟
اقرأ أيضًا: هوس بالثراء.. ما هو خلل التشوه المالي؟ (إنفوجراف)
رابعًا وأخيرًا، تلعب طبيعة الشخصية نفسها دورًا كبيرًا في شراء السلع التمييزية. فعلى مقياس نموذج "السمات الشخصية الخمس الكبرى" الذي يُقسم البشر إلى 5 نماذج، يميل الأشخاص القلقون -على سبيل المثال لا الحصر- إلى اقتناء نوعية السلع التي تخفف من حدة هذه المشاعر وتُشعرهم بالأمان.
الاعتبارات الأخلاقية للسلع التمييزية
الجدير بالذكر أن بعض الأثرياء يعزفون عن شراء السلع التمييزية باهظة الثمن لاعتبارات أخلاقية، فإنتاج السلع الفاخرة، خاصةً تلك التي تشمل الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، غالبًا ما يؤدي إلى تدهور بيئي كبير؛ إذ تتضمن عمليات الاستخراج عادةً استخدام السيانيد والزئبق اللذين قد يلوثان مصادر المياه ويشكلان خطرًا على كلٍ من المجتمعات المحلية والتنوع البيولوجي.
لحسن الحظ، أصبح التوجه العام حاليًّا نحو الاستدامة والمحافظة على البيئة، وهذا من شأنه أن ينحي هذه الاعتبارات الأخلاقية التي تحول دون شراء الأثرياء للسلع الفاخرة. ومن ثم، ستتشجع العلامات التجارية وتعم الفائدة على الجميع.