ما هو الثراء الخفي؟ ولماذا يجب أن تتبع هذه الفلسفة؟
عادةً ما يُبرز الأثرياء ثراءهم ويتباهون به بكل الطرق الممكنة، إلى أن تأتي اللحظة التي يصلون فيها إلى حالة التشبع من الثراء وينضجون بما يكفي ليعرفوا أن الثروة وسيلة وليست غاية.
في هذه الحالة، يتحول الكثير منهم إلى أثرياء متخفين. فما هو الثراء الخفي؟ وكيف تصبح ثريًّا متخفيًا؟ وما هي مميزات وعيوب هذا الأمر؟
الأمر ليس كما تعتقد
مؤخرًا، انتشر مصطلح "الثراء الخفي" أو "الترف الصامت" (Stealth Wealth أو Quiet Luxury) بشكلٍ واسع، وربما سمعت به إذا كنت من محبي الموضة ومتابعي التريندات، خاصةً على تيك توك.
يعود أصل هذا المصطلح إلى الكتاب الكلاسيكي "المليونير المجاور" (The Millionaire Next Door) لمؤلفيه توماس جي. ستانلي وويليام دي. دانكو، الذي نُشر عام 1996. يتناول الكتاب أنماط حياة المليونيرات وعاداتهم، ويُفاجئ القارئ بأن معتقداتنا وأفكارنا المسبقة عن الثروة ليست صحيحة بالضرورة، ولا تتطابق مع ما يحدث بالفعل في الواقع.
بحسب ما ورد في الكتاب، فإنّ المليونيرات غالبًا ما يعيشون في مناطق لا تعكس مدى ثرائهم، لأنّهم يُعطون الأولوية للنمو المالي على حساب الرفاهية. ما قد يكون أكثر إثارة للدهشة -بحسب الكتاب أيضًا- أنّ 80-86% من أصحاب الملايين هم مليونيرات عصاميون، أي أنهم صنعوا ثروتهم بالكامل دون ميراثٍ، ودون أن تأتيهم الثروة على طبقٍ من فضة. هذا يعزز من ادعاءات المؤلفين، حتى وإن كانت هذه النسب ليست دقيقة كفاية.
ما المقصود بالثراء الخفي؟
في حال لم تتضح الصورة بعد، يُقصد بالثراء الخفي (Stealth Wealth) التمتع بالثراء دون الحاجة إلى التباهي أو إظهار مدى ثرائك. فبدلًا من التركيز على إظهار علامة ساعته الفاخرة أو سيارته ذات الـ 1000 حصان، يُركز "الثري المتخفي" على الراحة والبساطة، ما يضمن له الأمان الشخصي والخصوصية، ويُبعده عن العلاقات المزيفة التي قد تتودد إليه لمكانته الاجتماعية فقط.
وتنبع فلسفة الثراء الخفي من الاعتقاد بأن الأمان المالي الحقيقي والرضا يأتيان من الداخل، وذلك على عكس الاستهلاك الظاهر المدفوع بالرغبة في التباهي بالعلامات الفاخرة.
ومع ذلك، لا يُشترط على "الثري المتخفي" إخفاء جميع مظاهر الترف، فالأمر يتعلق بالأولويات، والأولوية الأولى لهذا النوع من الأثرياء هي الأمان المالي والخصوصية، ثم يأتي التباهي وغيره من الأمور.
كيف تصبح "ثريًّا متخفيًا"؟
اعرف اهتماماتك: يعرف الثري المتخفي ما يريده جيدًا، فتجده لا ينفق أمواله الطائلة -رغم أنها طائلة- على أشياء عشوائية لا قيمة لها، بل ينفقها على الأشياء التي تجلب له السعادة الحقيقية، ومن ثم يُدير أمواله بعناية كبيرة.
لا تستسلم للمجتمع: بدلًا من الاستسلام لإغراءات المجتمع ووسائل التواصل الاجتماعي الخادعة، يركز الثري المتخفي على تقدير ما لديه، وهذا ما يبعده عن فخ الديون والضغوطات المالية، ناهيك عن أنه يعزز من الرضا والأمان المالي.
سيطر على نفقاتك: باتباع النصيحة الأولى (معرفة الاهتمامات). والحد من استهلاك الرفاهيات: كما جاء في كتاب "المليونير المجاور" عن طريق تجنب المغالاة في كل شيء غير ضروري.
أحط نفسك بالمقتصدين: الاقتصاد لا يمت بصلةٍ للبخل: بل هو ممارسة لزيادة الثروات، وأشهر أثرياء العالم ينصحون به. ولأن محيطك يؤثر عليك بشكلٍ قد لا تتوقعه: فمن الضروري أن تحيط نفسك بمن يُقدر قيمة المال، لأن هذا سيساعدك بشكل كبير.
ثقّف نفسك ماليًّا: بدلًا من التباهي بالإنفاق: يتحدث هذا النوع من الأثرياء عن الاستراتيجيات المالية ويشارك معرفة بناء الثروة مع العائلة والأصدقاء المهتمين، ما يعزز من العادات المالية الصحية.
قدّر الوقت أكثر من المال: فالمال يذهب ويأتي كما يقولون: على عكس الوقت الذي لا نستطيع شراء ثانية واحدة منه. بدلًا من إضاعة الوقت في التباهي: استثمره في زيادة ثروتك.
ركز على صافي الثروة، وليس الدخل: وذلك بزيادة الأصول والاستثمار في الأشياء التي ستدر عليك دخلاً سلبيًّا (Passive Income) وغير ذلك من الممارسات المشابهة. على الرغم من أن هذه الممارسات قد تحتاج إلى وقت طويل، فإنّها ستُؤتي ثمارها وتعود بفائدة مضمونة على صاحبها. وهذه النصيحة الثامنة: اتّبع نهجًا صبورًا في بناء الثروة.
اقرأ أيضًا: الرجل الأكثر ثراءً.. كيف أسس "برنارد أرنو" أفخم إمبراطورية في العالم؟
لماذا تكون ثريًّا متخفيًا؟
إن السبب الرئيس في ذلك يكمن في تحقيق حياة متوازنة وآمنة، وربما الأهم من ذلك أنها ستكون حياة حقيقية وطبيعية. فالثروة تخلق الحواجز بين أصحابها وبين بقية الناس، وتجعل الآخرين يعاملونك بشكلٍ مختلف قد يؤثر عليك سلبًا.
من شأن الثراء الخفي أن يبعدك عن العلاقات المزيفة، ويجعل الآخرين ينظرون إليك كشخصٍ طبيعي، وليس كآلة ATM متنقلة. وهذا بدوره سيوفر لك الخصوصية والأمان الماليين.
وإذا وسّعنا منظورنا قليلاً، سنجد أن الثراء الخفي مفيد جدًّا على مستوى العائلات، حيث يخلق بيئة أفضل للأطفال ويحميهم من الآثار السلبية المحتملة للثراء العلني، مثل شعورهم بالاستحقاق أو الانفصال عن الواقع.
علاوة على ذلك، يُجنّب الثراء الخفي صاحبه الشعور بالعزلة الذي يمكن أن يصاحب الثروة الكبيرة. فمن خلال العيش بأسلوب متواضع، يمكن للشخص أن يحافظ على التواصل مع الآخرين. وهذا ينقلنا إلى الفائدة التالية:
يتيح الثراء الخفي لصحابه عددًا غير محدود من الوظائف، وهذا يؤدي إلى مزيد من الاستقرار المالي. فعلى عكس الثري الذي يعلم الجميع أنه ثري، والذي يكون محصورًا في قالبٍ وظيفي معين، يُتاح أمام الثري الخفي جميع الوظائف دون أن يخشى النظرات الدونية ببساطة لأن أحدًا لا يعرف أنه ثري، فهو ثري متخفٍ.
عيوب الثراء الخفي
على الجانب الآخر، نلاحظ أن للثروة الخفية عيوبًا أيضًا مثل أنها قد تفوت عليك بعض الفرص وتضيع عليك علاقات ثمينة بالمعنى الحرفي، فأنت أسير للطبقة التي تضع نفسك فيها، إضافةً إلى ذلك، على الرغم من الفوائد الاجتماعية للثروة الخفية، فإنها ستعزلك عن طبقة الأثرياء تحديدًا وغيرهم من الأشخاص الذين قد يشاركونك الاهتمامات والتجارب.
من عيوب الثراء الخفي أيضًا أنها قد تُعرضك للفهم الخاطئ، وبخاصة من محيطك الذي يعلم أنك ثري، وهذا الفهم الخاطئ ينبع من عدم فهم هذه الفلسفة، وبشكلٍ عام، قد يؤدي هذا العيب إلى استيائك، ومن ثم قد تضعف أمام المُغريات المجتمعية وتعود لإبراز ثروتك رغبةً في إثبات نجاحاتك.
الحل لكل هذه المشكلات أن تجد التوازن وتعيش حياةً وسطية لتستمتع بمميزات الثراء الخفي وفي الوقت نفسه تحد من سلبياتها قدر المستطاع، وإليك بعض النصائح الأخيرة:
- كن انتقائيًّا بشأن من تشارك وضعك المالي معه.
- كن صريحًا بشأن قيمك وفلسفتك وراء العيش البسيط.
- ركز على بناء روابط حقيقية مبنية على اهتمامات مشتركة بدلاً من الممتلكات المادية.
- اسمح لنفسك بالاستمتاع ببعض الرفاهيات دون المبالغة.
- تذكر أن الأمن المالي يسمح لك بملاحقة شغفك وعيش حياة مُرضية. ابحث عن التوازن بين التقشف والاستمتاع بما يمكن أن يوفره لك ثروتك.