الميتافيرس والواقع الافتراضي بأنواعه.. نظرة على ما وراء العالم الحقيقي
"الميتافيرس - Metaverse"، "الواقع الافتراضي - VR"، "الواقع المُعزز- AR"، "الواقع المُختلط - MR"، "الواقع الممتد - XR". يخلط الكثير بين هذه المفاهيم لما بينها من قواسم مشتركة، ولكن الحقيقة أنها مختلفة ولكل منها تعريف خاص. فما المقصود بهذه المصطلحات؟ وما الفرق بينها؟ وكيف ندخل إلى هذه العوالم الافتراضية؟
ما هو الميتافيرس Metaverse؟
منذ سنتين ونصف تقريبًا، وتحديدًا في أكتوبر 2021، أعلنت شركة فيسبوك أنها لم تعد فيسبوك، بل ميتا (Meta). منذ ذلك العام، وأشهر المدراء التنفيذيين، مثل ساتيا ناديلا (المدير التنفيذي لمايكروسوفت) وبالطبع مارك زوكربيرغ (المدير التنفيذي لميتا) وغيرهم، يتحدثون بكثرة عن مفهوم الميتافيرس (Metaverse). ولهذا، لا عجب أن عمليات البحث عن هذا المصطلح على الإنترنت قد زادت بنسبة 7200% في ذلك العام فقط!
بحسب تعريف شركة ميتا (فيسبوك سابقًا) للميتافيرس، فإنه "التطور الثوري القادم في التواصل الاجتماعي وخليفة الإنترنت كما نعرفه اليوم". وتعقب الشركة تعريفها بتوضيح: مثل الإنترنت الذي نعرفه اليوم، سيساعد الميتافيرس الأشخاص على التواصل عندما يكونون في أماكن متفرقة، ولكن هذه المرة سيكون التواصل واقعيًا ويجعلنا نشعر وكأننا موجودين في نفس المكان. ولكن كيف؟
تخيل أن تدخل إلى عالمٍ افتراضي تكون الحدود بينه وبين العالم الحقيقي غير واضحة؛ عالم تستطيع فيه أن تتواصل مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم؛ تزور سور الصين العظيم ثم تسافر إلى أثينا لترى الأكروبوليس، ثم تطير إلى الجيزة لترى الأهرامات، ومنها إلى مكة لتزور الكعبة، وكل هذا وأنت لم تغادر غرفتك بالأساس!
علاوة على ذلك، يمكن للمستخدمين في الميتافيرس أن يُخصصوا شخصياتهم الافتراضية - أو الـ "Avatars" - كما يشاؤون ليعبروا عن أنفسهم وعن هويتهم بالطريقة التي يرغبون من الآخرين أن يروهم بها، بمعنى أنك تستطيع تغيير قصة الشعر، أو "ستايل" الملابس، أو حتى ملامح الوجه.
ولمن يتساءل عن الـ "Avatars"، فكل شخصٍ داخل الميتافيرس يكون له شخصية افتراضية أو تمثيل تقني ثلاثي الأبعاد (3D) ينوب عنه، أي أن هذه الشخصية، "الأفاتار - Avatar"، هي التي ستنوب عنك في عالم الميتافيرس الافتراضي.
الواقع الافتراضي VR
عندما ظهر المفهوم الثاني الذي سنتحدث عنه اليوم، وهو الواقع الافتراضي Virtual Reality (VR)، على الساحة، كنا نظنه ضربًا من الخيال العلمي وأقصى نقطة تقنية يمكن أن نصل إليها، إذ يُعنى أيضًا بإنشاء بيئة أو عالم افتراضي انغماسي بواسطة الحاسوب computer-generated حتى يتفاعل فيه المستخدمون بدلًا من الطرق التقليدية التي لدينا اليوم من فيسبوك وواتساب ووسائل التواصل المختلفة.
ولكن لحظة: أليس هذا هو نفس التعريف الخاص بالميتافيرس؟
ما الفرق بين الميتافيرس والواقع الافتراضي؟
على الرغم من التشابه الكبير بين المصطلحين من حيث إن كليهما يعد بإنشاء واقعٍ افتراضي، فإن الاختلافات بينهما كبيرة. يمكننا القول إن الفرق الجوهري يكمن في أن الميتافيرس هو المصطلح الأعم أو الأشمل في حين يُعد الواقع الافتراضي (VR) جزءًا من هذا المصطلح.
في الواقع الافتراضي التقليدي (VR) تكون الأمور محدودة بشكل واضح، أما في الميتافيرس فتستطيع أن تتفاعل مع كل شيء حولك وكأنك في العالم الحقيقي بالضبط لدرجة أنك تستطيع إنشاء محتوى- على سبيل المثال- داخل هذا العالم والتربح منه!
عادة ما يتم الدخول إلى الواقع الافتراضي من خلال لعبة أو تطبيق من تطوير شركة أو جهة معينة بحيث تتمكن من التحكم بعناصر هذه اللعبة والتطبيق بصورة أكثر واقعية، مما يعني وجود بيئة افتراضية واحدة فقط. أما في حالة الميتافيرس، فيكون هناك أكثر من عالم افتراضي مُنفصل ومستقل عن بعضه تمامًا حتى يتاح للمستخدمين العديد من الخيارات ويُسمَح لهم بالتنقل من بيئة إلى أخرى دون الحاجة للخروج من اللعبة "أ" والدخول إلى اللعبة "ب". هذا يعني أن البيئات الافتراضية تكون متكاملة في الميتافيرس والخروج من بيئة والدخول إلى أخرى يكون مشابهًا لمغادرة الزقاق إلى زقاق مجاور في العالم الحقيقي.
شيء آخر يُفرق بين الواقع الافتراضي والميتافيرس أن هذا الأول محدود من حيث التفاعل وإمكانية التعديل فيه وفي مكوناته، ناهيك عن أن الواقعية فيه تكون محدودة أيضًا، بمعنى أنك تستطيع التفريق بينه وبين العالم الحقيقي بسهولة. أما في الميتافيرس، فيكون وكأنك في نسخة "مُرقمَنة" من العالم الحقيقي؛ التفاعل مع الآخرين لا يكون محدودًا، وإمكانية التطوير في العالم نفسه تكون متاحة، أي أن الفرق بين واقعنا والميتافيرس -تقريبًا- أن حاجز الزمان والمكان يكون مكسورًا في هذا الأخير.
إذن، وباختصار؛ يُعد الواقع الافتراضي- على الأقل كما نعرفه ونستخدمه اليوم- جزءًا من الميتافيرس أو عالمًا واحدًا من عوالمه الافتراضية الكثيرة، مع وجود حدود وقيود ملحوظة.
الواقع المعزز AR
عندما تدخل إلى الواقع الافتراضي VR، فإنك تُغمَس immersed به، أي أنك تكون معزولًا عن بيئتك وعالمك الحقيقي، أما في الواقع المعزز Augmented Reality (AR)، فتكون في واقع افتراضي أيضًا، ولكنك في نفس الوقت قادر على رؤية الأشياء والأشخاص المحيطين بك في العالم الحقيقي على عكس الـ "VR"، ولاحظ أننا ذكرنا "الرؤية" فقط، وستعرف السبب لاحقًا.
الشيء المهم الآن أن الواقع المعزز AR يستخدم أشياء موجودة في بيئتك المحيطة والعالم الحقيقي من حولك ويضع فوقها عناصر افتراضية، في حين يغمرك الواقع الافتراضي داخل هذه العناصر الافتراضية.
إذا لم تكن الصورة واضحة حتى الآن، فدعنا نخبرك أن الأمر أبسط بكثير مما تتوقع، فتطبيق مثل "سناب تشات" يستخدم الواقع المعزز لتطبيق "الفلاتر" على صور أو فيديوهات المستخدمين. مثال آخر على الواقع المعزز يتجسد في لعبة "بوكيمون جو" والتي انتشرت لفترة، وكانت تستخدم المستشعرات وخاصية الـ GPS في هاتف الشخص ليستطيع تحديد مكان مخلوقات البوكيمون في الواقع الحقيقي والتقاطها.
الواقع المُدمَج MR
إذا كنت تعتقد أن الجمع بين الواقع الافتراضي والعالم الحقيقي فيما يُسمى بالواقع المُعزز AR هو أبعد نقطة وصلنا إليها، فإليك الواقع المدمج أو المُختلط Mixed Reality (MR)، والذي لا يقتصر على جعلك ترى الأشياء في العالم الحقيقي أثناء وجودك في البيئة الافتراضية فحسب.
ففي الواقع المدمج يمكنك أن تكون مُغمَسًا في عالم افتراضي من اختيارك، ولا ترى واقعك وبيئتك المحيطة فحسب، بل تتفاعل مع مكوناتها أيضًا، مثل أن تمسك بهذا الكرسي أو تحرك هذه الطاولة، وهكذا.
الجدير بالذكر، كما يعرف الكثيرون، أننا وصلنا إلى هذه التقنية بالفعل، وأي شخص يمتلك نظارة أبل الثورية Apple Vision Pro، يمكنه أن يستمتع بتجربة يجمع فيها بين الواقع الافتراضي والعالم الحقيقي ويتفاعل معه بكل سهولة.
معلومة على الهامش: صك الباحثان بول ميلجرام وفوميو كيشينو مصطلح "الواقع المُختلط- Mixed Reality" للمرة الأولى عام 1994، وسبب تسميته بهذا الاسم أنه يجمع كلياً بين العالم الحقيقي والبيئات الافتراضية.
الواقع الممتد XR
إذا كان "الميتافيرس" هو المصطلح الشامل للواقع الافتراضي، فالواقع الممتد Extended Reality (XR) هو مظلة لأي تقنية تستبدل الواقع الحقيقي بواقع افتراضي بعناصر "رقمية"، مما يعني أن الواقع الممتد يشمل كلًا من الواقع الافتراضي VR، والواقع المعزز AR، والواقع المختلط MR، وأي تقنية أخرى لم يتم تطويرها بعد.
لاحظ أن الواقع الممتد هو تقنية مستمرة في التطور، وحتى هذه اللحظة لا نعرف إلى أين يمكن أن تصل، ما نعرفه جيدًا أن استخداماتها مفيدة للغاية، وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل مستقبلاً.
كيف تدخل إلى الميتافيرس؟
لا نريدك أن تفقد الأمل، ولكننا لم نصل بعد إلى الميتافيرس بالمفهوم الذي عرّفته شركة ميتا؛ على الأقل لم يدخل أحدٌ إليه ويحكي لنا كيف يبدو، وإذا أنجزت إحدى الشركات هذا الأمر ولم تشاركنا التفاصيل لأي سبب، فنحن متأكدون أن الأمر لن يكون ممتعًا دون عددٍ كبير من المستخدمين.
الخبر الجيد أنك تستطيع الدخول إلى الواقع الافتراضي، أو الواقع المعزز، أو حتى استخدام الواقع المختلط عن طريق النظارات المخصصة لذلك مثل نظارة Apple Vision Pro كما ذكرنا (للواقع المختلط) أو Meta Quest 3 (للواقع المعزز)، وبالمناسبة، يمكنك تحويل التجربة في Vision Pro مثلاً إلى تجربة افتراضية بالكامل والانعزال عن الواقع.
على الرغم من أننا لم ندخل بعد إلى عالم الميتافيرس (مجددًا، بالمفهوم الوردي الذي تتحدث عنه شركة ميتا)، فإننا نعرف جيدًا كيفية الدخول إليه بدرجة معينة، أو على الأقل الأدوات اللازمة للدخول إليه، مُتبقي فقط التقنية التي ستؤهلنا لذلك. أما الأدوات أو الخطوات اللازمة للوصول إلى عالم الميتافيرس فكالآتي:
1. فكر في المنصة أولًا
حتى يومنا هذا فإننا لم نحقق بعد ميتافيرس لامركزي، ما يعني عدم وجود منصة بعينها يمكننا الدخول إلى الميتافيرس من خلالها، ولكن على كل حال لا بد من وجود منصة لتكون بمثابة البوابة لهذا العالم الافتراضي. كيف تحدد المنصة؟ حسب هدفك من وراء دخول الميتافيرس؛ هل تريد أن تدخل لتستمتع بألعاب الفيديو بشكلٍ أكثر واقعية؟ هل تريد أن تتواصل مع الآخرين؟ أترغب في السفر لأي مكانٍ بالعالم؟ جوابك على هذه الأسئلة سيكون البداية، ولكن دعونا نضرب مثالًا لمنصة ميتافيرس مثل "Decentraland" لأنها منصة تحاول أن تكون لامركزية وتحت إدارة المستخدمين أنفسهم.
2. جهز محفظة للعملات المُشفرة!
تستخدم الكثير من منصات الميتافيرس العملات المشفرة كوسيلة للمعاملات بدلاً من الأموال الحقيقية - وكأن هناك خيارًا! - بل تفرض هذا الطلب كشرط أساسي قبل حتى تسجيل الحساب أو البيانات. لذا، اطلع أولاً على نوع العملة المشفرة التي تستخدمها المنصة التي تنوي الدخول إليها، ثم جهز محفظتك. وإذا كنت تتساءل عن محافظ العملات المشفرة، فهي تتضمن: Coinbase، وTrust Wallet، وMetamask، وExodus، وغيرها.
3. استخدام حاسوبًا قويًا
يمكن الوصول إلى معظم منصات الميتافيرس باستخدام حاسوب قوي المواصفات، لأن العوالم الافتراضية هذه تستهلك العتاد حقًا. وعادةً ما تُفضل منصات الميتافيرس أجهزة الماك من أبل بسبب قوتها المعهودة، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك الدخول إلى الميتافيرس باستخدام أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بأنظمة الويندوز، أو حتى في بعض الأحيان باستخدام الهواتف المحمولة!
4. النظارات الافتراضية
بعض المنصات تتطلب نظارات افتراضية للوصول إليها، وإذا كنا نتحدث عن الميتافيرس بمفهوم شركة ميتا، فمن المحتمل أنه سيتطلب استخدام نظارات ذكية. ولكن بمعناه المحدود، قد تحتاج المنصات المختلفة إلى نظارات افتراضية وقد لا تحتاج، حسب الحالة والمتطلبات التقنية لكل منصة.
5. سجل الدخول وخصص شخصيتك واستمتع!
الخطوة الخامسة والأخيرة تتمثل في التجهيزات النهائية، وتشمل تسجيل الدخول إلى المنصة باستخدام حسابك، ثم تهيئة شخصيتك الافتراضية أو الـ "Avatar" كما تحدثنا عنه سابقًا، وأخيرًا الانطلاق في هذا العالم الافتراضي والاستمتاع بكل ما فيه.
في النهاية، لا يزال أمامنا الكثير من الوقت حتى نصل إلى الميتافيرس والعوالم الافتراضية بالشكل الذي ترسمه الشركات لنا. ومع ذلك، يمكننا أن نلمح إلى هذا الميتافيرس بفضل المنصات المنتشرة الآن.