تقنية "اللّاي- فاي" Li-Fi.. الترقية المُنتظرة لشبكات "Wi-Fi"
في عام 2011، وقف البروفيسور ومهندس الاتصالات الألماني، هارالد هاس، على خشبة مسرح TED وألقى خطابًا بعنوان: "بيانات الوايرليس من المصباح الكهربائي" وقدم فيه -للمرة الأولى- مُصطلح "اللاي- فاي" Li- Fi، الذي يُعد اختصارًا لـ " Light Fidelity"؛ تكنولوجيا نقل البيانات عبر الضوء، ومن هُنا كانت البداية.
ما هي تقنية "اللَّاي- فاي" Li-Fi؟
هي تقنية ثورية جديدة قادرة على نقل كميات كبيرة من البيانات من خلال الضوء المرئي، وهذا على عكس تقنية "الواي- فاي" Wi-Fi التي نستخدمها جميعًا الآن التي تعتمد في عملها على الموجات الراديوية radio waves لنقل البيانات.. لاحقًا سنتعرف على الفرق بين التقنيتين بمزيدٍ من التفصيل.
يقوم أساس "اللاي- فاي" على تقنية أخرى تسمى "الاتصالات المبنية على الضوء المرئي" Visible Light Communications (VLC)، التي يجب أن نتطرق إليها لنفهم ما نتحدث عنه. كما يتضح من الاسم، فإن الهدف من الـ VLC هو نقل البيانات باستخدام الضوء، وعلى الرُغم من أن هذه الفكرة تُعتبر جديدة نسبيًّا، فإن أصلها يمكن إرجاعه إلى مُخترع الهاتف؛ ألكساندر جراهام بيل.
ولم يكن الهاتف العاديّ Telephone هو الاختراع الوحيد الذي أبدعه جراهام بيل، إذ تمكن بمساعدة المهندس الأمريكي تشارلز سومنر تاينتر من اختراع نسخة مُطورة من الهاتف يُطلَق عليها الهاتف الضوئي "Photophone" في 19 فبراير 1880، وسُمي بـ"الهاتف الضوئي" لأنه كان ينقل البيانات باستخدام أشعة الضوء، أي مثل "اللاي- فاي".
واعتبر "ألكسندر بيل" ذلك الاختراع أحد أهم مُنجزاته على الإطلاق، إذ كان الأول من نوعه الذي يستخدم الضوء في مجال الاتصالات، كما أنه مهَّد الطريق للألياف الضوئية وتقنية الـ VLC المذكورة.
وكان الباحثون اليابانيون أول من قدموا مفهوم الاتصالات المُعتمدة على الضوء المرئي عمليًا مع مطلع الألفية الحالية، إذ قدموا نظامًا يُعتَمَد فيه على إضاءات الـ "LED" لتكون أساس الاتصالات الداخلية، وفي عام 2009، تمكنوا من تحقيق سرعة اتصالات عالية باستخدام الضوء المرئي وصلت إلى 100 Mbit/s.
هارالد هاس وبداية "اللاي- فاي"
بنى البروفيسور هارالد هاس، وفريق من الباحثين بجامعة إدنبرة، أبحاثهم في مجال الاتصالات الضوئيةعلى مجهودات من سبقوهم. بدأت رحلتهم في أبحاث الـ VLC منذ عام 2006، وكان جُل عملهم مُرتكز بشكلٍ أساسي على كيفية نقل واستقبال البيانات باستخدام الضوء المرئي، وتلك كانت اللبنة الأولى في تقنية "اللاي- فاي" Li-Fi التي لم يُصَك مصطلحها سوى لاحقًا، في خطاب "TED" المذكور في 2011.
وفي عام 2012، ساعد البروفيسور هارالد على تأسيس شركةٍ ستروج لتقنية الـ Li-Fi. في البداية، سُميت الشركة بـ "PureVLC"، ولكن لاحقًا أُعيد تسميتها إلى "PureLiFi"، وكانت تهدف إلى تسويق منتجات الـ "Li-Fi" تجاريًا ونشر فكرة تكاملها مع أنظمة إضاءة الـ "LED" الحالية، وخلال سنوات، تمكنت "PureLiFi" من إنتاج عديد من مُنتجات "اللّاي- فاي" المتنوعة التي يسهل استخدامها في أجهزتنا المُعتادة.
ما الفرق بين "الواي- فاي" و"اللّاي- فاي"؟
اقرأ أيضًا: من "Web 1.0" حتى "Web 3.0".. هل تعرف أجيال الإنترنت الثلاثة؟
من حيث طريقة العمل:
"الواي- فاي" Wi-Fi: تُستَخدم الموجات الراديوية radio waves، والتي عادة ما تكون 2.4 غيغا هيرتز أو 5 غيغا هيرتز، لنقل البيانات. ما يُميز هذه الموجات أنها تستطيع المرور من الجُدر أو الحوائط بسهولة، ولكن هذا عيبٌ في الوقت نفسه، حيث يمكن اعتراض الإشارة بسهولة وبالتالي يسهل اختراق الجهاز
"اللاي- فاي" Li-fi: على الجانب الآخر نجد أن الوسط المُستخدم لنقل البيانات في هذه التقنية الجديدة هو الضوء المرئي Visible Light، الصادر من مصابيح الـ LED تحديدًا، وهذا له ميزة وعيبٌ أيضًا، أما الميزة فهي الترددات والسرعات العالية بلا شك، وبالنسبة للعيب فيكمن في أن النطاق محدود بعكس الواي فاي، ولكن لا ننسى أن هذا يعني حمايةً أكبر.
من حيث السرعة:
"الواي- فاي" Wi-Fi: الأمر يعتمد على عدة عوامل، ولكن في المجمل يمكن أن تصل سرعة الاتصال إلى حوالي 10 غيغابايت في الثانية الواحدة "تحديدًا 9.6 غيغابايت" وهذا من الناحية النظرية، ما يعني أنك تقدر تحميل 10 أفلام بجودة مُعتبرة في ثانية واحدة فقط، ولكن على كل حال الأرقام الواقعية أكثر تواضعًا من ذلك بكثير.
"اللاي- فاي" Li-Fi: على الورق، أي من الناحية النظرية، فإن سرعات هذه التقنية الجديدة يمكن أن تفوق سرعات "الواي- فاي" بحوالي 100 مرة أو يزيد، ناهيك عن أن "اللاي- فاي" يستطيع تحمل أجهزة أكثر من الواي- فاي في نفس النطاق إذا ما قُورِن بالواي- فاي.
من حيث التطبيقات:
"الواي- فاي" Wi-Fi: حدث ولا حرج، فجميعنا نستخدم الواي- فاي بغض النظر عن اهتماماتنا ومكانتنا ووظائفنا إلخ، ونستخدم هذه التقنية في أمورٍ عدة بداية من المنازل، ومرورًا بالمكاتب، وحتى في الأماكن العامة لنوصّل هواتفنا وأجهزة اللابتوب بالشبكة العنكبوتية.
"اللاي- فاي" Li-Fi: لا تزال هذه التقنية في بداياتها، ولكنها واعدةٌ جدًا ويُمكن أن تستخدم بأكثر من طريقة، مثل استخدامها في البنايات الذكية Smart Buildings، أو في البيئات الحضرية المُكتظة كونها تتحمل عددًا أكبر من الأجهزة، أو حتى في الأماكن العامة، ولكن هذا سيتطلب بعض الوقت.
ما الذي يحتاج إليه "اللاي-فاي" لكي يعمل؟
جميعنا نعرف أن "الواي- فاي" يحتاج إلى جهازِ راوتر لكي يعمل، ولكن ماذا عن "اللاي- فاي"؟
تحتاج هذه التقنية -على الأقل- إلى صمامٍ ضوئي واحد "وهو شبه موصل يحول الطاقة الضوئية إلى تيار كهربائي" لاستقبال الإشارات الضوئية، إضافةً إلى مصدر إضاءة بوحدة معالجة لبث هذه الإشارات.
يمكن أن يكون مصدر الإضاءة على شكل مصباح فلورسنت، أو "لمبة LED"، ويُفضَل أن يكون الخيار الثاني نظرًا لأن أنظمة "اللاي- فاي" تحتاج إلى مصادر شديدة الإضاءة، وهذا على عكس مصابيح الفلورسنت التي تبعث الضوء بنطاقاتٍ ترددية منخفضة ما يجعلها أقل كفاءة. علاوة على ذلك، تتميز "لمبة الـ LED" بثبات الفوتونات المُنبعثة منها مقارنة بمصباح الفلورسنت، وهذا يضمن استقرارًا أكبر للشبكة.
لا ننسى أن تقنية "اللاي- فاي" لا تزال في بداياتها مُقارنة بالواي- فاي، وهذا يُعطينا مساحة أكبر للتطوير والتعديل فيها، ولا شك أن استخدام هذه التقنية سيكون أكثر سهولة في المستقبل وسيصل إليها نطاقٌ عريض من المستخدمين.
هل نحن بحاجة إلى استبدال "الواي- فاي"؟
بوضع كمية البيانات المهولة في الاعتبار، نعتقد أن الحاجة إلى تقنية "اللاي- فاي" هي حاجةٌ ملحة، ربما لا نحتاج إليها الآن تحديدًا، ولكن في المستقبل القريب. إضافة إلى ذلك، فإن محدودية تقنيات الواي- فاي بسبب اعتمادها على النطاقات الراديوية يُعرض أمان أجهزتنا إلى الخطر، وإن كنا نحصل على نطاقات بعيدة المدى مُقابل ذلك.
ثم دعنا نسأل: لماذا نستخدم إنترنت بطيء في حين أننا نستطيع استخدام سرعات تفوقه بـ 100، بل وحتى بـ 224 جيجابايت، وفقًا لبعض التقديرات؟
كذلك نجد أن تقنية "اللاي- فاي" موفّرة في الطاقة مقارنة بالواي- فاي، فهذه الأخيرة تتطلب تواصل أجهزة الراديو مع بعضها بشكلٍ مستمر من خلال الشرائح الموصَّلة بداخلها، في حين أن تقنية اللاي- فاي لا تحتاج إلا إلى مصدرٍ وصمامٍ لفك تشفير الإشارات الضوئية ونقلها بطاقةٍ إجمالية قليلة.
خلاصةً: تتفوق تقنية الـ "Li-Fi" بأميالٍ عن "الواي- فاي"، سواء على مستوى السرعة، أو الأمان، أو توفير الطاقة، أو سعة تحمل الأجهزة، إلخ، وعلى الرغم من أننا قد لا نكون بحاجة لها في الوقت الراهن، فإننا سنلجأ إليها عاجلاً أم آجلاً، ربما في وقتٍ أقرب مما نتوقع.