بدء العد التنازلي لافتتاح المتحف المصري الكبير.. هدية مصر لعشاق حضارتها
بينما تستعد مصر والعالم لافتتاح المتحف المصري الكبير خلال العام الجاري، يتبادر إلى الأذهان كثير من الأسئلة حول ما يحويه هذا المعلم الأسطوري من كنوز وفرائد لا تتوفر لسواه، إذ يعد واحدًا من أكبر متاحف العالم، وأكبر متحف على الإطلاق مخصص لحضارة واحدة.
ورغم طول انتظار عشاق الحضارة المصرية القديمة لذلك الحدث المهم، منذ أن بدأت فكرة الإنشاء قبل أكثر من ثلاثة عقود خلال تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى وضع حجر الأساس لمشروعه العملاق عام 2002، فإن ذلك لم يثنهم عن متابعة سير الأعمال والإنجاز على أرض الواقع، في انتظار لحظة الانطلاق الرسمية، ولعل مجلة "الرجل" شاركت هذا الاهتمام بالحدث والمكان فكان هذا التقرير.
التصميم المبدع
عقب اختيار موقعه المتميز على الھضبة الواقعة بین الأھرامات والقاھرة الحدیثة، أعلنت الدولة المصرية وتحت رعاية اليونسكو والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، عن مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف المصري الكبير، ففازت شركة Heneghan Peng Architects بأيرلندا، من خلال تصميم على مساحة نحو 500 ألف متر مربع، اعتمد على تمثيل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها، لتشكل كتلة مخروطية تجسد المتحف، وكأنها بوابة عبر الزمن لتلاقي الحضارة القديمة بالحديثة، بينما تحكي قصة حضارة 7000 عام، وتمنح الفرصة لزائري المكان للاستمتاع بإطلالة بانورامية من خلال الواجهة الزجاجية الباهرة ببهو مدخله، مثلما يستمتعون بأكثر من 100 ألف قطعة أثرية يستوعبها، بعضها يُعرض للمرة الأولى.
بداية البناء كانت في مايو 2005، بإنشاء أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المقرر عرضها، وافتتح عام 2010، وفي عام 2016 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف، إلى أن صدر القانون رقم 9 لسنة 2020 بإعادة تنظيمها كهيئة عامة اقتصادية تتبع الوزير المختص بشئون الآثار، قبل أن يصدر رئيس الجمهورية قرارًا بتشكيل مجلس الأمناء برئاسته وعضوية عدد من الشخصيات البارزة والخبراء المصريين والدوليين، لرسم وإقرار السياسة العامة والخطط اللازمة ودعم ومتابعة النشاط، فيما يتولى الإدارة مجلس يمثل مختلف الجهات الرسمية المصرية المعنية بالسياحة والآثار تقريبًا، بالإضافة إلى خبراء من كل المجالات ذات الصلة، وهي الخطوات التي أدت إلى تسريع وتيرة العمل، ليكتمل تشييد مبنى المتحف في عام 2021.
اقرأ أيضًا: وجهات السياحة الشتوية 2024.. سحر فريد وأجواء دافئة رغم برودة الطقس
صُمم المتحف المصري الكبير ليكون مجمعًا ثقافيًا سياحيًا ترفيهيًا عالميًا متكاملاً، والوِجهة الأولى لكل من يهتم بالتراث المصري وقصة الحضارة المصرية القديمة، وكذلك ليكون مركزًا للبحث العلمى، وقبلة للباحثين الأثريين، بالإضافة إلى الفرص الاستثمارية الواعدة، إذ يضم مركزًا لتعليم الحرف التراثية والفنون التقليدية، ومكتبات، ومركزًا للمؤتمرات، وصالة عرض سينمائي، والعديد من المناطق والمحال التجارية، والمطاعم والكافتيريات، والحدائق والمتنزهات والساحات المكشوفة التى تصلح لإقامة مختلف الفعاليات على خلفية بانوراما الأهرامات المذهلة.
وليس بعيدًا عن ذلك ما يتضمنه مبنى المتحف من إبداع يتجلى بين قاعات عرضه العملاقة، التي تضم 12 صالة بأحجام متاحف كاملة، فيما يعرض كثيرٌ من الكنوز لأول مرة، كالمجموعة الكاملة للملك الذهبي "توت عنخ آمون"، التي سيتم منحها مكان الصدارة بين المعروضات، بعرض نحو 5600 قطعة في معرضين مخصصين، ليستمتع الزائر بمشاهدة الأضرحة المذهبة والعربات والتوابيت والمجوهرات والملابس الخاصة بالملك الذهبي، وكذلك يعرض المتحف مجموعة الملكة "حتب حرس" أم الملك "خوفو"، بالإضافة إلى مقتنيات أثرية مختلفة تعود لعصر ما قبل الأُسر، وصولاً إلى العصرين اليوناني والروماني.
بينما يحقق المتحف عددًا كبيرًا من الأهداف، في مقدمتها التوثيق الرقمي وتسجيل القطع الأثرية، وحفظها، وتأمينها، ودراستها، وصيانتها، وترميمها، بالإضافة إلى تنظيم معارض الآثار المؤقتة والدائمة داخل مصر، وعقد الندوات والمؤتمرات والأنشطة الثقافية والعلمية، وتوعية النشء والمجتمع بالحضارة المصرية، مع إعادة إحياء الحرف والفنون التراثية المصرية، من خلال صناعة وتسويق وبيع المستنسخات الأثرية، والترويج للتراث المصري محليًا ودوليًا، ودمج المكونات الثقافية والترفيهية، مع تطبيق أعلى معايير وتقنيات الإدارة والتشغيل بهدف المساهمة في التنمية الاقتصادية الوطنية المنشودة للدولة المصرية.
التشغيل التجريبي
باكتمال بناء المتحف المصري الكبير عام 2021، تم توقيع عقد تقديم وتشغيل خدمات الزائرين مع تحالف مكون من شركات مصرية ودولية ذات خبرات متنوعة وكبيرة، في مجالات إدارة الأعمال والتسويق والضيافة والترويج والجودة والصحة والسلامة المهنية، تحت مسمى شركة "Legacy" لضمان تقديم تجربة عالمية المستوى لجميع الزوار باستخدام أحدث أساليب وتقنيات العرض المتحفي، مع تقديم حلول تفوق التوقعات، من خلال تصميم عمليات تتسم بالكفاءة والفعالية التي تضمن تحقيق الأهداف وتقديم وابتكار خدمات استثنائية لتعزيز تجربة الزائر في بيئة فريدة وجذابة، مع تطوير نماذج عمل مستدامة بالممارسات والمبادرات المسؤولة، وسعت الشركة منذ اللحظة الأولى لإعادة تعريف تجربة الزوار للتاريخ والثقافة والاكتشافات، من خلال التعاون بشكل وثيق مع مؤرخين وعلماء آثار وخبراء، لضمان أن تصميم المتحف ومحتواه يلبيان الاهتمامات المتنوعة لضيوفه، بما يترك لكل منهم ذكريات لا تُنسى ورغبة في العودة، مع ضمان السلاسة التشغيلية، وبلورتها في إصدار التذاكر وإدارة الزوار وصيانة المعارض والأمن، بما يضمن تجربة ممتعة بكل المقاييس.
وحسب تصريحات أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار المصري، فإن العمل يجري حاليًّا بإيقاع متسارع للإعلان عن موعد الافتتاح في أقرب وقت ممكن، فيما يتم الانتهاء حاليًا من متحف مراكب الشمس، الذي يلزمه نحو شهرين من إنجاز الأعمال المتبقية، بينما يتم التنسيق مع الجهات المعنية لتطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصرى الكبير، مع اعتماد مجموعة من الحوافز للقطاع السياحي لتحفيز وجذب الاستثمار الفندقي.
اقرأ أيضًا: الدفء في شتاء كورومانديل.. ساحل المياه الساخنة ينتظر متعة اللقاء!
لاختبار جاهزية الموقع وتجربة الزائر قبل الافتتاح الرسمي، يُنفذ المتحف المصري الكبير منذ منذ شهور إلى الآن، عددًا محدودًا من الجولات الإرشادية بمنطقة الخدمات، بالإضافة إلى المناطق المفتوحة للزيارة بالمتحف، والتي تشمل منطقة المسلة المعلقة، وصالة الاستقبال الرئيسة المعروفة باسم "البهو العظيم"، والبهو الزجاجي، والدرج العظيم، ومن ثم سيتمكن الزائرون، ولو جزئيًا قبل الافتتاح الرسمي، من الاستمتاع بمشاهدة مجموعة من أفضل وأضخم القطع التي تجسد روائع فن النحت في مصر القديمة، وبينها تمثال الملك رمسيس الثاني وعمود النصر للملك "مرنبتاح"، بالإضافة إلى قطع أخرى من العصر البطلمي، وصولاً إلى مشهد بانورامي مبدع للأهرامات في أفق المتحف.
بينما ستظل جميع المساحات الداخلية بما في ذلك صالات العرض المتحفي والقاعات الرئيسة وقاعتا توت عنخ آمون وقاعة العرض التفاعلي ومتحف مراكب خوفو، وأقسام ومناطق المتحف الداخلية الأخرى مغلقة، انتظارًا لموعد الافتتاح الرسمي المرتقب، والذي سيتم تحديده قبل وقت كاف، ليتسنى للمدعوين من الملوك والرؤساء وكبار المسؤولين من جميع دول العالم حضوره، ليشهدوا الافتتاح الأسطوري لصرحٍٍ يشهد على عظمة حضارة تأبى إلا أن تبهرنا.