عبدة الشيطان.. مفاجآت في معتقداتهم وطقوسهم
الرجل: دبي
لا تعتبر الجماعات التي تعبد الشيطان من الجماعات السرية التي لا تتوفر عنها المعلومات كما هي الماسونية مثلاً، فتاريخ ومعتقدات وطقوس عبدة الشيطان متوفرة بشكل كبير، خصوصاً وأنها من الجماعات التي أدركت باكراً أهمية استغلال الإعلام، فدخلت عالم السينما ونشرت الكتب. ورغم ذلك فإن المعلومات المعروفة عنهم في عالمنا العربي ما تزال قليلة ومحصورة بمن يبحث عنها. والأسباب قد تتنوع من قلة الاهتمام أو لحساسيته؛ كونه من المعتقدات التي لا تؤمن بالله ولا الأديان.
عبدة الشيطان بشكل عام ينقسمون إلى مجموعتين: الأولى إلحادية والثانية إيمانية، ويلتقيان عند بعض النقاط ويختلفان بشكل جذري عن بعضها الآخر. عبدة الشيطان باتوا من الجماعات المعترف بها في عدد كبير من دول العالم الغربي، وبات لديهم النفوذ والقوة خصوصاً أن عدداً كبيراً من المنتمين الأصليين إليها منذ بداياتها كانوا من الشخصيات المرموقة حينها.
تاريخ عبادة الشيطان
عبدة الشيطان هم مجموعة تعتنق معتقدات تتضمن التمجيد أو الإعجاب بالشيطان أو بهيئات أخرى مشابهة له. في البداية كانت عبادة الشيطان الحرفية واعتباره بمرتبة الإله؛ لتعود وتنقسم لاحقاً الى فئتين الشيطانية الإيمانية والشيطانية الإلحادية.
عبادة الشيطان ظاهرة قديمة جداً تعود إلى عصر الفراعنة الذين كانوا يعبدوا إلهين «أوزريس» إله الخير و«ست» إله الشر. يرد عدد من الباحثين بداية عبادة الشيطان إلى الديانة الغنوصية التي انتشرت بالتزامن مع انتشار المسيحية. ومن معتقداتها أن العالم الذي نعيش فيه هو الجحيم، وعليه فإن عالم الشر هذا لا يمكن أن يخلقه إله خير؛ فمن خلقه هو إله شر وبالتالي فإن جميع قصص الديانات السماوية غير صحيحة.
عبادة آلهة الخير والشر لم تقتصر على الفراعنة، بل وجدت في الحضارة الهندية القديمة التي آمنت بثالوث من الآلهة «براهما» الخالق، «فشنو» إله الخير، و«شيفا» إله الشر. كما وجدت في الحضارة الفارسية، فالزرادشتية قامت على أسس تقول بأن العالم محكوم من قبل قوتين متضادتين، النور والظلمة، ولكل منهما إله ،«أهورامزاد» إله الخير، و«أهرمان» إله الشر.
في حضارات الشرق الأوسط القديمة تضمنت السومرية إله «أساج»، الذي مثل الشر والشيطان وقد عبد خوفاً من شره. وفي شبه الجزيرة العربية عبد عرب الجاهلية الجن، وكائنات شريرة تشبه في مفهومها فكرة الشيطان. وفي العهد العباسي ظهرت مجموعات لعل أشهرها «المقنعة» «والخرمية» والتي كانت تقدس الشيطان.
أما العالم المسيحي القديم فقد شهد على ظهور العديد من الفرق التي صنفت كمهرطقة والتي عبدت إلهين، وقد شهدت انتشاراً واسعاً في القرن الثاني للميلاد مع ظهور مجموعة «المرقونية»، ثم اجتاحت أوروبا جماعات مشابهة تحت تسميات مختلفة.
التاريخ المعاصر
استمرت عبادة الشيطان بشكل سري حتى ظهور إليستر كراولي (1875- 1941) الذي وضع أسس عبادة الشيطان. دافع عن الحرية المطلقة والتحرر من كل القيود الأخلاقية والاجتماعية، وانضم إلى جماعة «العهد الذهبي السري»، وأصبح معلهما الأول. وفي عام 1900 ترك المجموعة وأسس أخرى خاصة به عرفت باسم «النجم الفضي». من هناك بدأ بالدعوة متنقلاً من بلد لآخر وقد عرف بإدمانه على المخدرات، وحياته الماجنة التي كلفته حياته في نهاية المطاف.
وضع كراولي نظريات خاصة بعبادة الشيطان هي:
- نقل تعاليم عبادة الشيطان إلى الأبناء وتحديد بعض الأشخاص لمهمة الحفاظ على استمراريتها.
-وضع تعاليم خاصة ضد القانون والدين والشرائع.
-تنظيم القوانين الخاصة بعبادة الشيطان والدعوة إلى معتقداتهم، وجذب الاتباع الجدد بمختلف الطرق، ولو عن طريق الإغراء.
-الاهتمام بالشباب المتمرد على المجتمع، فهم القوة التي ستغير العالم.
ووفق قانون كراولي فإنه يحق لكل إنسان أن يعيش ويفكر ويتكلم كما يريد، كما يحق له أن يموت متى يريد. وشدد قانون كراولي أيضاً على الحرية الجنسية التي تشكل الجزء الأكبر من طقوس هذه الجماعات. دخلت مرحلة عبادة الشيطان مرحلة مختلفة مع الأميركي أنتون ليفي، الذي عدل أفكار كراولي، وأسس كنيسة الشيطان عام 1966 في سان فرانسيسكو ووضع أول كتاب شيطاني، وهو «الإنجيل الشيطاني»، وكان الكاهن الأعلى للكنيسة حتى وفاته عام 1997 .
وبشكل عام يوجد للجماعات الشيطانية المعاصرة اتجاهان، الشيطانية الإيمانية والشيطانية الإلحادية. الأولى تبجل الشيطان كإله خارق للطبيعة، وذلك على عكس الإلحادية التي لا تؤمن بالله، ولا بالشيطان كوجود مادي بل كوجود رمزي موجود في خصال البشر. في الخمسينيات أسس ليفي مجموعة سماها دائرة الترابزويد، التي أصبحت لاحقاً الجسم الحاكم لكنيسة الشيطان. أما عضويتها فهي تنقسم إلى أعضاء مسجلين وأعضاء ناشطين، ولا يوجد رقم محدد حول عدد المنتسبين إليها.
وتنقسم العضوية الناشطة إلى 5 درجات: شيطاني، مشعوذ/ساحرة، كاهن/كاهنة، كاهن أعلى/كاهنة/أعلى، ماجوس/ ماجا.
في الخمسينيات جذبت الكنيسة الشيطانية كبار الشخصيات والمشاهير مثل البارونة كارين دي بليزن والساحر والمخترع سيسل نيكسون، وصانع الأفلام كينيث أنجر ومساعد مستشار مدينة سان فرانسيسكو رسل ولدن، واحد من أشهر المقاولين في الولاية آنذاك، ودونالد ويربي وحفيد رئيس الولايات المتحدة فرانكلين روزفيلت. وحصلت الكنسية الشيطانية على اهتمام الإعلام في سنتها الأولى عندما تمت زيجة شيطانية بين جوديث كاس والصحفي جون رايموند.
دخلت الكنسية الشيطانية عالم السينما بقوة، ففي الثمانينات والتسعينيات شاركت في أعمال سينمائية وموسيقية عدة. ويعود أول فيلم وثائقي عنها إلى عام 1970 وحمل عنوان «ساتينس». وظهر ليفي في فيلم كينيث أنجر «نداءاتي لاخي الجني»، وفي فيلم «مطر الشيطان» الذي ظهر فيه أيضاً الممثلان إرنست يورغنين وويليام شاتنر، وشهد الظهور السينمائي الأول لجون ترافولتا. وقدمت الكنيسة نفسها كجزء من فيلم «ويتشكرافت 70 ».
في منتصف السبعينيات قام ليفي بالغاء نظام «الغروتو» من الكنيسة، وطرد بعض الأشخاص الذين كان يستخدمون الكنسية للتقدم في المجتمع، وحدد لاحقاً بنداً يفرض الإنجاز في المتجمع كسبيل لتحقيق التقدم داخل الكنيسة. وبعد ذلك أغلق ليفي الأبواب بوجه الإعلام وبات أكثر حرصاً وسرية. وبعد موت ليفي انتقل مركز رأس الكنيسة لزوجته بلانش برتون، وفي العام 2001 منحت الرئاسة لأقدم عضوين بالكنيسة، وهما بيتر غيلمور وبيغي نادراميا.
في العام 2006 أقامت الكنيسة أول قداس شيطاني علني في مسرح «ستيف ألن» في لوس أنجليس وتمت الطقوس وفق كتابي «الإنجيل الشيطاني» و«الطقوس الشيطانية». وقد ترأس ذلك القداس الكاهن براين موور، والكاهنة هايثر سينز.
المعتقدات والقوانين والخطايا
يرى هؤلاء الشيطان كثائر ومقاوم يتصرف بالطريقة التي يراها ملائمة، ولا يهمه رأي الآخرين أو العواقب المترتبة. لكنهم في الوقت عينه لا ينكرون شره، فقاموا بدمج الصورتين معاً، وبات رمزاً لشخصيتهم وطرق تفكيرهم، التي لا تتماشى مع أنماط تفكير القطيع (أي بقية البشر)؛ لأن الذي يؤمن بالشيطان عليه أن يفكر كما يحلو له، ولو تعارضت أفكاره مع ما هو سائد. يقوم المبدأ الأساسي على تأليه النفس، فالشيطان هو صورة رمزية لما هم عليه، فكل تابع هو «إله نفسه».
للكنسية الشيطانية تعاليم تنقسم بين تصريحات وذنوب تحدد للتابعين الخطوط العريضة لتعاليمها.التصريحات التسع التي يتوجب على تابع الإيمان المطلق بها هي:
-الاستمتاع بالمذات كبديل للزهد والتقشف
- الشيطان يمثل الوجود الواقعي، وليس الأوهام الروحانية.
-الشيطان يمثل الحكمة النقية، وليس خداع النفس ونفاقها.
-الشيطان يمثل التسامح لمن يستحقه، ولا يكرم اللئيم.
-الشيطان يمثل الانتقام، وليس إدارة الخد الأيسر.
- الشيطان يمثل المسؤولية، وليس الاهتمام بالأمور التافهة.
- الشيطان يمثل حقيقة الإنسان كحيوان ناطق قد يكون أفضل من البهائم أحياناً وأسوأ منها في أحيان أخرى. فالتطور الروحي للإنسان جعله أشرس حيوانات الأرض.
- الشيطان يمثل جميع الذنوب المزعومة، أي أن الخطايا هي مجرد وسيلة للمتعة والارتياح.
-الإبليسية هي أن تؤمن بأن الشيطان هو أفضل صديق للكنيسة، التي بقيت بسببه مستمرة.
الخطايا الشيطانية
- الغباء وهو من أكبر الذنوب ويصنف كخطيئة شيطانية كبرى.
- الطمع ويعتبر من أكبر الذنوب لأنه يصنف في خانة الغباء.
-الأنانية.
-خداع النفس.
-الانسجام مع القطيع، أي الإنسجام مع الأغبياء والفاشلين وغير الشيطانيين.
-انعدام وجهات النظر أي التكلم بغباء.
-تجاهل العقائد القديمة، وهي أن العقيدة الإبليسية هي الحقيقة.
-الغرور.
-قلة الذوق الجمالي.
أما القوانين الخاصة فهي أحد عشر قانوناً تفند ما يجب ولا يجب فعله. وتتمحور حول عدم إعطاء الرأي، أو مشاركة الهموم مع الآخرين إلا إن كان الشخص متيقناً أن الآخر يريد ذلك. كما تتطرق إلى العلاقة مع الآخر فتمنع الوقاحة إلا إن بادر الآخر إلى ذلك ، فحينها يجب أن يكون الرد أقسى وأقوى. كما يطالب بالاعتراف بالجميل، ورد العمل الحسن بما هو أحسن منه وعدم إزعاج الآخرين طالما لا يقوم بأي عمل سيئ، وإن قام أحدهم بهذه الفعلة فيجب تحطيمه دون رأفة.
العبادات والطقوس
لا تتضمن عبادات الكنيسة الشيطانية أي ممارسات شاذة كشرب الدماء، أو قتل الأطفال أو الجنس الجماعي، إذ إن تعاليمها لا تعتبر ضارة بالمجتمع بقدر ما تركز على الفردية وحريتها المطلقة، خصوصاً وأن معظم أتباعها من الملحدين. وهولاء عادة لا يمكن تمييزهم عن بقية الناس، فهم لا يقومون بوضع المكياج الثقيل أو الحلي، أو اعتماد قصات شعر مختلفة. وهم عادة من صفوة رجالات ونساء المجتمع الذين يعرفون بإبداعات في مختلف المجالات.
ولفصل أنفسهم كلياً عن الشيطانية الإيمانية أعلن عام 2013 عن تأسيس كنسية للملحدين في ولاية ماساشوستس، وهي أول كنيسة من هذا النوع في العالم. التجمع كان نتيجة فكرة مشتركة بين قسم التجمعات الإنسانية في جامعة هارفرد والقسيس السابق غريغ إبشتاين. والغريب في هذه الكنيسة أنها تشجع الأنصار على ممارسة طقوس مشابهة للكنائس العادية؛ لأنه وفق إبشتاين الدين ليس سيئاً ككل، ولا يوجد سبب يمنعهم من الاستفادة من الأمور الإيجابية فيه.
لكن طقوس وعبادات الشيطانية الروحانية تتضمن العديد من الممارسات الهمجية كتقديم الأضاحي، وعادة ما تكون قطاً أو كلباً والصراخ الهستيري وشرب الدماء والاغتسال بها، وتحقير الكتب السماوية وممارسة السحر والشعوذة. وقد ذكرت بعض الحالات المتطرفة التي تم خلالها تقديم قرابين بشرية وشرب دمائها.
تتضمن طقوسهم أيضاً ممارسات جنسية جماعية عشوائية، بغض النظر عن جنس الطرف الآخر، كما تتضمن الخمور والمخدرات وجميع أنواع الحبوب المهلوسة. وهؤلاء يمكن تمييزهم بسهولة؛ إذ يعمدون إلى تشويه ملامحهم وحلق شعرهم، ووضع الوشوم على أجسادهم، وارتداء الملابس الفاضحة وتزيين أنفسهم بالجماجم والحلي من سلاسل وغيرها.
الرموز الشيطانية
من أشهر الرموز لعبدة الشيطان الدائرة والنجمة الخماسية، وفي داخلها رأس يرمز إلى الشيطان. أيضاً العدد 666، ويكتب إما بالأرقام أو بالأحرف أو برسم ثلاث دوائر متداخلة. أما العيون الثلاثة فهي تكون بشكلين الأول يرمز إلى الشيطان بصفته ملك الجحيم، وتظهر دمعة تحت العين في إشارة لحزنه بسبب المؤمنين بالله، والثاني عبارة عن عين في أعلى هرم، وهي عين إبليس وأتباعه الذي يهيمنون على العالم من خلال المال والثروة.
الصليب المقلوب وهو للتهكم على الدين المسيحي، بالإضافة إلى الصليب الشيطاني الذي عدلت نهايته؛ لتكون بشكل علامة استفهام. كما يستخدمون الصليب المعقوف المعروف بالصليب النازي.