نظارات وساعات ومنسوجات إلكترونية.. الأجهزة القابلة للارتداء تمهد لثورة تكنولوجيّة
تحمل "الأجهزة القابلة للارتداء- Wearables" على عاتقها -بالإضافة إلى تقنيات أخرى بالطبع- مسؤولية نقل التكنولوجيا إلى المستوى القادم من التطور. لا تقتصر هذه الأجهزة على الساعات الذكية فحسب، وإنما على أي شيء قابل للارتداء ويمكن إضفاء لمسة إلكترونية عليه، فالإسورة والخواتم والنظارات وحتى الملابس يُمكن أن تكون "Wearables"، ولكن ماذا يعني هذا المصطلح تحديدًا؟ ولماذا نعتقد أنه يمثل حجرًا أساسيًا في البناء التكنولوجي القادم؟
ما هي الأجهزة القابلة للارتداء؟
يمكننا تعريف الأجهزة القابلة للارتداء "Wearables" على أنها فئة من الأجهزة الإلكترونية يمكن وضعها على الجسم بأي وسيلة كانت، سواء بالارتداء المباشر كإكسسوارات أو ملابس، أو عن طريق زراعتها بالجسم "مثل الشرائح الذكية"، أو حتى بغرسها كوشمٍ، تعمل هذه الأجهزة بمعالجات مُصغرة "Microprocessors" وتكون قادرة على إرسال واستقبال البيانات عبر الإنترنت.
ومثلما ذكرنا في المقدمة، تشتمل الأجهزة القابلة للارتداء على جميع الأجهزة التقنية التي اخترعناها لتناسب أيدينا، أو أي جزء آخر من أجسادنا، فبداية من الساعات ومرورًا بالإسورة ونظارات الواقع الافتراضي وليس انتهاءً بالرقاقات التي تُزرع بداخلنا لمعالجة مشكلة صحية ما، يُمكن أن تُصنَّف على أنها أجهزة قابلة للارتداء.
لتتضح الصورة، هناك مثالان عمليان وعصريان نستطيع الاستشهاد بهما؛ الأول هو تعاون شركة OURA "الشركة المُصنّعة لخاتم OURA الذكي" مع "Gucci" من أجل تصنيع ملابس عصرية تتبع صحة الإنسان -بتتبع معدل ضربات قلبه وما إلى ذلك-، والثاني هو تعاون شركة النظارات الشهيرة "Ray-Ban" من ميتا "فيسبوك سابقًا" من أجل تصنيع نظارات ذكية قادرة على تصوير الأشياء بالصوت والصورة، وهذه النظارات موجودة الآن ويمكنك شراؤها من موقع "راي بان" الرسمي بالمناسبة.
لن يكون من قبيل المبالغة أن نقول بِقِدَم الأجهزة القابلة للارتداء وعودة جذورها إلى القرن الثالث عشر عندما اختُرِعَت النظارات للمرة الأولى، ولعل البداية الحقيقية لهذه الأجهزة تتمثل في اختراع الساعات ذات الآلات الحاسبة في سبعينيات القرن الماضي.
وبعيدًا عن تاريخ هذه الأجهزة الثورية، وبغض النظر عما إذا كان قديمًا أو حديثًا، لا يُمكننا إنكار حقيقة ما ستفعله في المستقبل، فإذا كانت قادرة على فعل كل ما نراه الآن، فما بالك بما ستصل إليه في السنوات القليلة القادمة؟ من هنا نريد أن نُسلّط الضوء على بعض المجالات -بالتحديد 3 مجالات- التي يمكن للأجهزة القابلة للارتداء أن تدخل في تطبيقاتها وتُحسّن منها بشكلٍ واضح.
اقرأ أيضًا:ساعة HUAWEI WATCH GT 4.. الإضافة الأنيقة لعالم الساعات الذكية
المجال الصحيّ
تبرز فائدة الأجهزة القابلة للارتداء بشدة في المجال الصحي، فهي قادرة على قياس الكثير من المؤشرات والعلامات الحيوية المهمة للغاية مثل النشاط البدني، وأنماط النوم، ومعدل ضربات القلب، وعدد السعرات المحروقة، وغيرها. صحيح أنها قد لا تكون دقيقة بنسبة 100%، ولكنها تتطور مع مرور الوقت بشكل لا جدال فيه.
لك أن تتخيل أننا على أعتاب ثورةٍ تقنية جديدة تقودها الساعات القابلة للارتداء عندما تستطيع قياس ضغط الدم، ومستوى تشبع الأكسجين، فضلاً عن قياس نسبة الغلوكوز في الدم! نعم فبحسب تقرير أجرته شبكة "بلومبيرغ"، فإن "أبل" قد وصلت إلى المرحلة التي تؤهل ساعاتها الذكية إلى قياس نسبة الغلوكوز في الدم، وإن كنا لن نرى هذا الأمر قبل بضع سنوات.
هذه الإنجازات ستغير عشرات الملايين من الحيوات إلى الأفضل دون مبالغة، وذلك لأنها ستساعد الجميع على حدٍ سواء في ضبط عاداتهم الغذائية وتمارينهم الرياضية، ولا ريب أنها ستنقذ حيوات الملايين أيضًا لأنها ستتابعهم بشكل دوري.
الواقع المعزز AR والواقع الافتراضي VR
حظي هذان المصطلحان بشهرة واسعة لأنهما يكسران الحاجز بين الواقع والخيال، وهذا هو التقدم التقني بعينه. يُمكنك أن تعتبر نظارات الواقع الافتراضي "VR" بمثابة بوابة زمنية تنقلك آنيًا -وبشكل كلي- من العالم المادي إلى العالم الافتراضي، في حين أن نظارات الواقع المُعزز تفعل الشيء نفسه تقريبًا، ولكنها لا تفصلك عن الواقع، أي أنك ستكون متصلاً بكلا العالمين في نفس الوقت.
تعد هاتان التقنيتان بمستقبل باهر وبتطبيقات وفيرة في كل المجالات، وعلى رأسها التعليم والصحة والترفيه.
الباهر في الأمر أننا لا نتحدث عن شيء بعيد المنال، وإنما عن مستقبل قريب قد تبدأ ملامحه الحقيقية في التشكل بداية من العام الجديد. ففي هذا العام ستطرح "أبل" نظارتها المُنتظرة "Apple Vision Pro" التي ستجمع بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتجعلنا نرى العجب العُجاب. تخيل أن هذه النظارة ستأتي بشاشة "microOLED"، وبعدستين مختلفتين مجموع البكسلات بهما 23 مليون، وهذا أكبر من عدد البكسلات الموجودة في شاشة جودتها 4k!
هذه النظارة لن تكون مجرد نظارة AR أو VR كما الأمثلة الموجودة اليوم، وإنما حاسوب متحرك ومحمول على العينين فقط؛ ستستطيع مُشاهدة ما بدى لك من الأفلام والمسلسلات والصور وكل شيء تقريبًا بشكل ثلاثي الأبعاد 3D وفي أي وقت ومكان، كل ما عليك فعله هو وضع هذه النظارات الهاربة من أعمال الخيال العلمي على عينيك والاستمتاع بتجربة لا تُصدَّق.. إنها الـ Wearables!
اقرأ أيضًا:مواصفات ساعة هواوي GT3 ومميزاتها
المنسوجات الإلكترونية!
هل سمعت عنها من قبل؟ مثلما يشير الاسم فهي عبارة عن "أقمشة ذكية"، أو أقمشة مُدمجة بإلكترونيات لجعلها ذكية وتفاعلية. تخيل أن ترتدي ملابس قادرة على تتبع حركتك، ومراقبة صحتك، وتغيير تصميمها بما يناسبك! تُمهد الأجهزة القابلة للارتداء، والمتمثلة في هكذا تطبيق، الطريق لمستقبل واعد تتقاطع فيه طُرق الصحة والموضة بالتكنولوجيا.
هذه المنسوجات ليست وليدة المستقبل، أو حتى اليوم، فهي موجودة منذ بضعة سنوات ويتم استخدامها بالفعل. في 2020 مثلاً طور باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "MIT" طريقة لدمج أجهزة الاستشعار الإلكترونية في الأقمشة القابلة للتمدد "Stretchy fabrics"، وهذا يفتح الباب على مصراعيه أمام صُنع كل أنواع الملابس تقريبًا "من القمصان وحتى المعاطف" واستخدامها لقياس العلامات الحيوية المختلفة دون الحاجة إلى الساعات الذكية، أو الأجهزة الأخرى القابلة للارتداء.
صراع الـ "Wearables" بين "أبل" و"غوغل" و"ميتا"
لتعرف مدى ثورية الأجهزة القابلة للارتداء "Wearables" وأهميتها في تشكيل ملامح المستقبل التكنولوجي الذي يشبه ذلك الموجود في أفلام الخيال العلمي، يكفي أن تُلقي نظرة على سباق أضخم الشركات في العالم، مثل "أبل" و"غوغل" و"ميتا" (فيسبوك سابقًا)، ومحاولتها للظفر بالريادة في هذه السوق الواعدة التي قُدّر حجمها بأكثر من 60 مليار دولار في العام الماضي.
إذا نظرنا لـ"أبل" مثلاً وآخر ما توصلت إليه من تطورات في هذا المجال، وبغض النظر عن نظارات "Apple Vision Pro" وقدراتها الخارقة، سنرى أن ساعة "Apple Watch Series 9" تمتلك من المزايا ما يُخبل العقل، فالساعة مزودة بتقنيات لم نكن لنحلم بها أبدًا مثل تقنية "Double Tap Gesture" التي تُمكن صاحبها من الرد على المكالمات، أو فتح الإشعارات، أو تشغيل الموسيقى، أو غيرها دون لمس الشاشة أصلًا! كيف؟ عن طريق لمس إصبع السبابة بالإبهام!
أضف إلى ذلك أن شاشة الساعة تعمل في أوج توهج الشمس بشكلٍ ممتاز، وهذا يُمكن صاحبها من استخدامها دون أي مشكلة في وضح النهار. ليس هذا فحسب؛ الساعة قادرة أيضًا على قياس الكثير من العلامات الحيوية لدرجة أنها تستطيع قراءة تخطيط، أو رسم القلب "ECG"!!
"غوغل" هي الأخرى تبذل مجهودًا مُضنيًا في سبيل وضع اسمها على خارطة هذا المجال؛ يكفي أنها استحوذت على شركة "Fitbit" الرائدة في تصنيع وتطوير الساعات الذكية وأجهزة اللياقة القابلة للارتداء بمبلغ 2.1 مليار دولار. وبالفعل، أصبح نظام تشغيل الساعات الذكية الخاص بـ"غوغل WearOS" مُسلّحًا بالكثير من المزايا التي تؤهله لترسيخ مكانة الشركة في هذه السوق. فبلمسة واحدة يمكنك أن تتحكم بكل الأجهزة المنزلية الذكية؛ تضبط منظم الحرارة، وتشغل الأضواء، بل تحصل على إشعارٍ عند تواجد أحدهم على عتبة بابك.. كل هذا وأنت جالسٌ في مكانك لا تُحرك ساكنًا.
أما عن شركة "ميتا"، فلا بد أنك سمعت بالمصطلح الذي كثر تداوله به عندما تحولوا من "Facebook" إلى "Meta"؛ طبعًا نتحدث عن "الميتافيرس Metaverse". يُعنَى هذا المصطلح بعالم افتراضي تكنولوجي يُشبه ذلك الذي جسده فيلم "Ready Player One". هذا العالم الافتراضي سيكون بلا حواجز، سنستطيع فيه أن نقابل بعضنا بشكل افتراضي يُشبه الحقيقي. حتى الآن لم نصل إلى هذا المستوى بشكلٍ كامل، ولكن في المستقبل القريب سيصبح الخيال حقيقية. وإذا كنت لا تعرف ما علاقة الأجهزة القابلة للارتداء بالميتافيرس، فهي وسيلة دخولنا إليه، إذ سندخل إلى هذا العالم بنظارات الواقع الافتراضي.