"تقلبات عاطفية لا تتوقف".. كيف يتحوّل العقل إلى أسير للحب؟
يختل توازن العقل إن باغته الحب على حين غفلةٍ منه، ثُمّ ما يلبث أن يجد نفسه هائمًا باحثًا عن المحبوب، مشتاقًا إليه لا يغيب عن باله لحظة، فالواقع أنّ الحب ليس في القلب فقط بل إنّ سطوته على الدماغ أقوى مِمّا تظن، فمع طرق الحب بابك، تتحفَّز مُختلَف مناطق الدماغ، وتتآزر مواد كيميائية وتتزايد مستوياتها، مثل الدوبامين والنور أدرينالين، وكأنَّ الدماغ قد شلّه الحب وعزله عن المنطق، وبات تائهًا في متاهات الحب.
كيف يُؤثِّر الحب على مناطق الدماغ؟
تتأثَّر مختلف مناطق الدماغ إثر هيمنة الحب عليها، وتغلغله في ثناياها، وغالبًا ما ينطوي الحب على شهوة وانجذاب وتعلّق، وحسب الباحثين، فلكل عنصر من هذه العناصر نظام مختلف في الدماغ.
مناطق الدماغ المرتبطة بالشهوة والعاطفة
تنبع مشاعر الشهوة من مهاد الدماغ، الذي هو بحجم اللوزة، ويُوجَد فوق جذع الدماغ مباشرةً، وهو مرتبط بالاحتياجات والرغبات الأساسية مثل الجوع والعطش، كما يتحكّم في بعض العمليات الداخلية في جسم الإنسان، مثل درجة حرارة الجسم وضغط الدم ودورة النوم، كما أنّه أحد أجزاء الدماغ التي تُساعِد على تنظيم الدافع الجنسي، وعندما يشتعل لهيب الحب، تنشط منطقة تحت المهاد في الدماغ، ما يُؤدِّي إلى الشغف الشديد بالمحبوب الذي يُميِّز الأشهر الأولى من الحب.
مناطق الدماغ المرتبطة بالانجذاب
أمّا الانجذاب والرومانسية، فلهما منطقتان مُحدّدتان من الدماغ هما المنطقة السقيفية البطنية والنواة المُتَّكئة، وهي الأماكن المسؤولة عن نظام المكافأة في الدماغ، إذ يغمر هذا النظام الجسم بالدوبامين، الذي يُعزِّز الشعور بالنشوة والمُتعة.
لذلك قد تكون مراحل الحب الأولى ذات مشاعر قوية، بل وربّما يُصِيب صاحبها نوع من الإدمان تجاه المشاعر الجميلة أو المحبوب، إذ لا يستطيع أن يتوقّف عن التفكير فيمن يُحب، وتُهيِمن عليه رغبة عارمة في قضاء كل الوقت مع من يُحِب.
مناطق الدماغ المرتبطة بالتعلُّق
والحب ليس مُجرّد انجذاب ولا شهوة فحسب، بل هناك تعلُّق بين قلبَين، وثمّة مودة والتزام بينهما، وهذا التعلُّق يتحكّم فيه بشكل كبير "تحت المهاد"، إذ تُفرِز هذه المنطقة من الدماغ مواد كيميائية تُسهِم في تعزيز الثقة بين المُحبِّين.
مناطق الدماغ الأخرى المُتأثرة بالحب عمومًا
كذلك تشارك بعض مناطق الدماغ الأخرى في تجربة الحب، فاللوزة "amygdala" على سبيل المثال، تُعالِج المشاعر التي نمر بها، ما يخلق ارتباطًا قويًا بين الإنسان وبين من يُحِب، خاصةً في المراحل الأولى من العلاقة.
وعندما يقع الإنسان في حب شخصٍ ما، يتباطأ نشاط قشرة الفص الجبهي الأمامي - وهي المنطقة المرتبطة بالمنطق واتخاذ القرارات - ما يُفسِّر سبب تجاهل أو تفادي إصدار أحكام سيئة على المحبوب، خاصةً في الفترة الأولى من الحب، فمرآة الحب عمياء كما يقولون.
رُسُل المحبّة في الدماغ
تيار هائل من العواطف يسري في الإنسان في مراحل الحب الأولى، فيرى كل شيء مُبهِجًا، ويكون مُمتلئًا بمشاعر النشوة والفرح أكثر من أي شيءٍ آخر، وهذا له سبب بكل تأكيد، إذ تُحفِّز هذه المشاعر إفراز الأوكسيتوسين والدوبامين، وغيرها من النواقل العصبية الناجمة عن الحب "رُسُل المحبّة".
اقرأ أيضًا:كيف أعرف أنها تحبني؟ 15 علامة على الحب عند المرأة
هرمونات الحب والمكافأة
يرتبط الانجذاب بنظام المكافأة في الدماغ - كما سبق توضيحه - لكنّه لا يعمل هكذا من تلقاء نفسه بل بوساطة نواقل عصبية أو مواد كيميائية؛ هي الدوبامين والنور أدرينالين والسيروتونين.
فالدوبامين هو هرمون يُحفِّز الشعور بالمُتعة، والنور أدرينالين مسؤول عن البهجة، ويُسهِم في مشاعر الإثارة خلال المراحل الأولى من الحب، لكن هذه الهرمونات قد تُغذِّي أيضًا مشاعر القلق، فهي سلاح ذو حدّين.
وبينما تنهمر رسل المحبة على الدماغ من كل خليةٍ عصبية فيه، فهناك انخفاض في مستويات السيروتونين المشهور بضبط الحالة المزاجية، وهو مرتبط أيضًا بالأفكار الدخيلة والقلقة، ما يعني أنَّ انخفاض السيروتونين مُرتبط بزيادة القلق واضطراب الوسواس القهري "ما قد يُفسِّر التفكير الاستحواذي بشأن المحبوب أو التفكير الذي يقترب كثيرًا من الوسوسة خاصةً في مراحل الحب الأولى".
هرمونات الترابط بين المُحبّين
مع تقدُّم العلاقة بين المُحبّين، تقل إثارة الأيام الأولى من الحب وتصير العلاقة بينهما أعمق، وهذا على الأرجح نتيجة تغيُّر تركيز المواد الكيميائية في الدماغ، إذ يبدأ الدوبامين والنور أدرينالين في الانخفاض، ويحتل هرمونان آخران الصدارة؛ وهما الأوكسيتوسين والفازوبريسين.
يُنتَج هرمون الأوكسيتوسين عن طريق "تحت المهاد"، ويُشار إليه أحيانًا بـ"هرمون الحضن"، ويُطلَق في الجسم في أثناء الجماع والولادة والرضاعة الطبيعية عند السيدات، وهو يُساعِد عمومًا في تعزيز الترابط والتواصل العاطفي.
وتُشِير بعض الأبحاث إلى أنّ التفاعل بين الفازوبريسين والأوكسيتوسين يُساعِد في الحفاظ على الحب، بل إنّ ذلك في منتهى الأهمية للحفاظ على علاقة طويلة الأمد بين المُحبّين.
التغيُّرات العاطفية والسلوكية التابعة للحب
تقلّبات عاطفية تلك التي تجتاحك مع طَرق الحب بابك والتهامه قلبك، وربّما لا يمر كل الناس بنفس المشاعر عندما يشعرون بانجذاب تجاه شخصٍ ما، لكن ثمّة تجارب شائعة بين الجميع تقريبًا، مثل:
- السعادة والنشوة: خاصةً في المراحل الأولى من الحب، إذ يصحبها نشوة شديدة وسعادة عارمة.
- قوة المشاعر: قد تكون المشاعر عميقة وقوية أكثر من أي وقتٍ مضى، وهذا يشمل المشاعر الإيجابية كالحب والغيرة، وأيضًا السلبية، مثل القلق.
- تغيُّر الأولويات: غالبًا ما نشهد تحولاً في أولوياتنا والتزاماتنا، لا سيما في المراحل الأولى من الحب، وهذا يُساعِد على تقوية العلاقة مع الشريك الجديد، لكنّه قد يحدث أحيانًا على حساب الأشخاص الآخرين، أو المسؤوليات الأخرى في حياتك.
تأثير الحب على الدماغ على الأمد الطويل
ليست التغيرات العصبية في الدماغ محصورة فقط في أيام الحب الأولى، وليست هي تأثيرات مؤقتة سُرعان ما تزول، بل يُمكِن أن يكون لتجربة الحب تأثيرات قوية طويلة الأمد على الدماغ، مثل:
- الترابط القوي مع المحبوب: تُعزِّز التغيُّرات الكيميائية في الدماغ الترابط مع المحبوب، وهذا يُساعِد على جعل الدماغ أكثر انسجامًا مع من نُحبّهم.
- تحسين الاستجابة: قد تحدث تحوّلات في المسارات العصبية للدماغ، وإعادة توصيل بعض الاتصالات وتقوية البعض الآخر، ما يجعلنا أكثر ارتباطًا باحتياجات من نُحبّهم، وتزيد رغبتنا في الارتباط بهم على الدوام.
- تعزيز الرضا: وهذا بسبب التحوّلات الحاصلة في نظام المكافأة في الدماغ، إذ إنَّ العلاقة مع ذلك المحبوب تجلب المتعة واللذة، وهذا يُعزِّز الرضا في العلاقة طويلة الأمد مع المحبوب.
- تحسُّن الوظائف المعرفية: يرتبط الحب بتحسُّن بعض الوظائف المعرفية في الدماغ، مثل الذاكرة.
- مقاومة أقوى للتوتر: يُساعِد الحب والعلاقة طويلة الأمد في التعامل بشكلٍ أكثر فعالية مع التوتر، ما يُعزِّز مرونة الإنسان عمومًا في مواجهة تحدّيات الحياة.