"عندما يُصبح الشغف هوسًا".. ما هو اضطراب الحب الاستحواذي؟
الحبُّ الحقيقي قائم على علاقة وطيدة، ترسَّخت أركانها بمرور السنوات، وثقة متبادلة محفورة في أعماق الرجل والمرأة، لا تتزعزع مع هبّات عواصف الحياة، أمَّا أن يصير الإنسان مهووسًا بالتفكير بشخصٍ بعينه فجأة دون أن يعلم عنه الكثير، ويستحوذ على تفكيره، ويملك عليه شغاف قلبه، فهُنا الحب الاستحواذي، الذي يصحبه تفكير مستمر لا يفتر بشأن المحبوب، ومخاوف شديدة من الانفصال، واستحالة تقبُّل أن تُرفَض مِمَّن تظنُّ أنَّك أحببته، فما هو هذا الاضطراب؟ وما هي أسبابه؟ وكيف تتعايش معه؟
ما هو اضطراب الحب الاستحواذي؟
شكل من أشكال العلاقات يختصُّ بوجود هواجس "مشاعر الوسواس" غير صحية تجاه شخصٍ بعينه، وقد يُخطئ المرء في اعتبارها حبًا لذلك الشخص. ولا يُعدّ اضطراب الحب الاستحواذي توصيفًا لمرضٍ نفسي أكثر منه توصيفًا لشكل من أشكال العلاقات.
ينغمس الشخص الذي يُعانِي اضطراب الحب الاستحواذي في هذه المشاعر بغض النظر إن كان الشخص الآخر يبادله إياها أم لا.
علامات الحب الاستحواذي
لا تُوجد قائمة مُوحَّدة لعلامات الحب الاستحواذي، لكن الهوس الشديد بشخصٍ ما من الناحية العاطفية أو الجنسية هو العلامة الأكثر شيوعًا، وقد تظهر أعراض ذلك الحب الاستحواذي كأفكار، أو أشواق، أو تخيلات مستمرة تُعرقِل الشخص عن أداء عمله أو التركيز فيما يُجِيده.
وتشمل علامات الحب الاستحواذي تفصيلاً ما يلي:
1- الوقوع في الحب سريعًا وبقوة
إذا بات المرء مهووسًا بأحدهم، فسُرعان ما سيسقط في جُبّ الحب سريعًا وبقوة، ولن يفيق من غيبوبة الحب إلّا بعد فوات الأوان غالبًا، فالتطور المفاجئ في المشاعر دليل قوي على الوقوع في الحب، خاصةً إذا سبقه تاريخ من الهوس بهذا الشخص، ومِنْ ثَمَّ يُعرَف ذلك بـ"الحب الاستحواذي".
لكن عادةً لا تُردّ هذه المشاعر بمثلها من المحبوب، بل قد يرفض الدخول في علاقةٍ مع الشخص الذي غلبَ عليه الحب.
2- التفكير المستمر في الشخص
التفكير المستمر من الممارسات العقلية التي يمارسها ذهن المرء عندما يُكرِّس اهتمامه الكامل لشخصٍ مُعيَّن، وهذا التفكير المستمر قد يتضمَّن تخيُّلات رومانسية، أو قد تكون أفكارًا تعبيرية عن المخاوف بشأن ترك العلاقة، ما قد يُثِير الخوف في أعماق الإنسان من فقد المحبوب.
الخلاصة من الصعب على من استحوذ الحب على تفكيره أن يُفكِّر في شيءٍ آخر.
3- الرغبة العارمة والشوق الشديد
عادةً ما يصحب الحب الاستحواذي مشاعر الرغبة الشديدة، وتظل هذه المشاعر حية في الذهن من قبل الشخص الذي يستدعي هذه الذكريات بين فينة وأخرى، أو قد يخلق سيناريوهات مستقبلية محتملة للعلاقة مع المحبوب، وكل ذلك ترجمة للرغبة العارمة والشوق الشديد إلى المحبوب.
اقرأ أيضًا: "ومن الحب ما نفع".. تأثيرات صحية لن تتخيلها للمتيمين عشقًا
4- إهمال المهام الأخرى وكذلك العلاقات
الطبيعة المهووسة لرغبة المرء في شخصٍ آخر، تجعل من المستحيل عليه تقريبًا تكريس نفسه بالكامل للمسؤوليات الأخرى الملقاة على عاتقه، وقد يتسلَّل ذلك في تأثُّر قدرتهم على العمل في أجزاء مُعيّنة من اليوم، ثُمَّ ما يلبث أن يستحوذ على غالب وقتهم، ويعيقهم عن كثير من المسؤوليات والمهام المطلوب إنجازها.
5- حب الامتلاك والغيرة
غالبًا ما يشعر المُصاب بالحب الاستحواذي بالتهديد من تفاعل أحدٍ ما مع من يُحِب، كما أنَّهم يُظهِرون الغيرة وحب الامتلاك على ذلك الحبيب، وتتزايد هذه الأمور إذا كانت هناك مشكلات في الثقة بين طرفَي العلاقة.
6- معتقدات وهمية حول الشخص أو العلاقة
أحيانًا يُطوِّر المهووس بالحب أوهامًا "معتقدات خاطئة يحملها بقناعة راسخة كالجبال" حول الحبيب أو علاقته به، فمثلاً قد يعتقد فيه صفات مثالية غير حقيقية، أو قد يرفض الاعتراف أو قبول انتهاء العلاقة، أو أنَّ الشخص الآخر لم يعُد يُحبه.
7- خيالات متكررة عن الشخص
يختلق المهووس بالحب سيناريوهات مُفصَّلة في ذهنه لإعادة التذكير، أو زيادة التركيز على الشخص الذي استحوذ على عقله وقلبه، وتساعد هذه التخيلات في الحفاظ على المشاعر القوية التي يشعر بها هذا المهووس.
8- صعوبة تقبُّل الرفض من الشخص
إذا استحوذ الحب على قلب إنسان وبات مهووسًا بمن يُحِب، فمن الصعب عليه أن يتقبَّل فكرة عدم قبوله له، أو الانفصال عمَّن يُحِب.
اقرأ أيضًا: علميًا.. هل الحب من أول نظرة حقيقي؟
أسباب الحب الاستحواذي
تشمل الأسباب المحتملة وراء الحب الاستحواذي ما يلي:
1- اضطرابات الشخصية الحدِّية
يخشى المُصابُون باضطرابات الشخصية الحدية الهُجران، ويُواجِهون مشقة بالغة في ضبط مشاعرهم، فقد يدخلون في العلاقات سريعًا دون ترو، كما أنَّهم يُعانُون تقلبات مزاجية شديدة معظم الوقت، ما قد يكون له أثر سلبي في علاقتهم مع غيرهم.
وقد يشعر هؤلاء بقرب أحد الأشخاص بالنسبة إليهم، وقد ينقلب ذلك الإحساس إلى كراهية فجأةً، وهؤلاء المُصابون باضطرابات الشخصية الحدّية، قد لا يكون لديهم إحساس بذاتهم، أو صورة ذاتية واضحة عن أنفسهم، وأعراض اضطرابات الشخصية الحدّية عمومًا تختلف من إنسانٍ لآخر نوعًا وشِدَّةً.
2- اضطرابات التعلُّق
تبدأ قدرة الإنسان على التعلّق بالآخرين بطريقة صحيحة في وقت باكرٍ من الطفولة، وحال المرور بطفولة يكون فيها الأبوان سيئين أو غير أسوياء، فقد يُشكِّل ذلك نمطًا غير طبيعي من التعلّق، بما يجعل هذا الطفل مستقبلاً مهووسًا بحب أحد ما، أو خائف جدًا من الخوض في علاقةٍ ما.
ونمط التعلّق غير السوي هذا قد يُؤثِّر في طريقة تصرُّف هؤلاء الأطفال في العلاقات المستقبلية عندما يبلغون.
3- الصدمة وخوف الهُجران
قد تُؤدِّي الصدمات أو بعض تجارب الطفولة إلى نمط تعلّق غير آمن، والذي قد يُفضِي إلى الخوف من الهُجران، ومِنْ ثَمَّ الهوس بشأن المُحِب إن عثر عليه؛ خشية أن يهجره.
4- اضطراب الوسواس القهري
المُصابُون باضطراب الوسواس القهري أكثر عُرضةً لنمط التفكير المهووس بشأن شخصٍ أو علاقةٍ ما، وقد يكون الحب الاستحواذي أو هوس التفكير بمن يُحِب أحد سلوكيات الوسواس القهري.
5- تدنّي احترام الذات
يُعانِي بعض المهووسين بالحب تدنّي احترام الذات، أو عدم رؤية أنفسهم في المكانة اللائقة بهم حقًا، ما قد يجعلهم عُرضةً لمجموعة واسعة من المشكلات النفسية والسلوكية، بما في ذلك الحب الاستحواذي الذي يملأ قلوبهم.
اقرأ أيضًا: كيف يفكر الرجل في الحب؟ هذه أهم علامات الرومانسية لديه
هل يحتاج اضطراب الحب الاستحواذي إلى علاج؟
يعتمد علاج اضطراب الحب الاستحواذي على المشكلة الجذرية التي أدَّت إليه، وهذا يتطلَّب استشارة مختص في الصحة النفسية، الذي يُحدِّد طريقة العلاج المناسبة للمرء حسب حالته، وقد تكون طريقة العلاج أي مِمّا يلي:
- العلاج النفسي.
- الأدوية، مثل مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان.
أو قد يختار الطبيب دمج مجموعة من الطرق العلاجية معًا؛ للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة، فقد تختلف فعالية كل طريقة علاجٍ بين إنسان وآخر.
التأقلم مع اضطراب الحب الاستحواذي
إضافةً إلى الاستعانة بخبيرٍ في الصحة النفسية، إليك بعض النصائح التي تُساعدك في التأقلم مع الحب الاستحواذي بل التغلُّب عليه:
- الانشغال كُلّما تيسَّر لك ذلك، فالبقاء منشغلاً يُساعِدك في تجنُّب القلق أو الهوس بشأن أي شخصٍ أو علاقة تخشى أن تنفصم عُراها.
- مراقبة مشاعرك الكامنة، أو بالأحرى تتبُّع أفكارك ورغباتك، فهذا قد يُساعِدك في توجيه تركيزك بعيدًا عن الهوس بشخصٍ ما أو علاقة مُعيَّنة، وتبدأ في التركيز على نفسك ورغباتك الحقيقية.
- الإقرار بوجود مشكلةٍ لديك والسعي إلى حلها إمَّا بمساعدة الأصدقاء، أو من خلال طبيب مختص، أو كيفما يحلو لك.
- الانخراط في هوايات جديدة، مثل ممارسة التمارين الرياضية، أو الرسم، أو غيرها.
- لا تُهمِل مشاعر الهوس، وتظنُّ أنَّها سترحل بعيدًا بمفردها، بل في أغلب الحالات تزداد وطأتها ويطول أمدها مع تجاهلها، ما يُؤكِّد الحاجة إلى استشارة مُختص أو الاستعانة بمن تراهم مناسبين من أصدقائك أو عائلتك لتجاوز المشكلة.