الحقيقة وراء "الحشّاشين".. أبطال سلسلة "Assassin's Creed"
سواءٌ كنت مُحبًا لألعاب الفيديو أم لا، فمن الوارد أن تكون قد سمعت عن "الحشّاشين" أو "الأساسنز- Assassins"، لا سيّما أن هناك أعمالاً ترفيهية كثيرة، أشهرها سلسلة ألعاب Assassin’s Creed، قد تناولت قصصهم ومغامراتهم بسرديات مختلفة ومتنوعة. فمن هُم الحشاشون بالضبط؟ وما هي قصتهم؟ وما سبب تسميتهم بهذا الاسم؟ كل هذا -وأكثر- سنتعرف عليه من خلال أسطرِ حكاية اليوم.
جذور النشأة
تبدأ القصة من القرن الثاني الهجري، وبالتحديد من عام 148 هجرية عندما توفّي الإمام جعفر الصادق، والإمام جعفر هو أحد المنتسبين إلى ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
عقب وفاته، ظهرت عدة جماعات، كان أشهرها "الإسماعيليون"، الذين تمثلت فيهم الدولة الفاطمية في مصر في القرن الثالث الهجري. ومن أشهر حُكَّام الدولة الفاطمية في مصر، كان الخليفة المستنصر بالله، والذي حدثت في عهده الشدة المستنصرية بالمناسبة، ولو أن الدولة الفاطمية وصلت في مرحلة ما من حُكمه "1036-1094" إلى أعلى ذُراها، ولكنها سرعان ما هوت وانقسمت بشكل فج بعد وفاته.
قبل وفاة الخليفة المستنصر، كان قد استدعى بدر الدين الجمالي، حاكم عكا العسكري، للحضور إلى مصر ومساعدته في إدارة شؤون البلاد، ونتيجة لاستجابته، أعطاه الخليفة ألقابًا ثلاثة هي: أمير الجيش وداعي الدُعاة والوزير، وذلك للإشارة إلى أن تلك الأركان الثلاثة "العسكري، والديني، والإداري" قد أصبحت خاضعة لسيطرته.
وعندما توفّي المستنصر، كان من المتوقع أن يتولى ابنه الأكبر "نزار" الخلافة، ولكن ما حدث هو أن الابن الأصغر "المستعلي بالله"، هو الذي تولى أمور الدولة لأسباب متعلقة ببدر الدين الجمالي، ولكن تفاصيلها لا تُهمنا الآن.
ما يُهمنا أن "نزار" قد قُتِل وأن طائفة من الإسماعيلية، عُرِفَت بالنزاريين -نسبة إلى نزار-، قد أبوا وأن يعترفوا بالمستعلي بالله خليةً لهم.
حسن الصباح في قلعة ألموت: بداية الحشّاشين
كان الشيخ حسن الصبّاح من أشهر دعاة "الإسماعيلية النزارية"، ورُغم أنه كان رجلاً فارسيًا، بالتحديد من مدينة تُدعى "قُم"، إلّا أنه كان في مصر وقت حدوث ما قصصناه بالأعلى، ولكن بسبب ما حدث، شدَّ "الصباح" الرحال إلى إيران ليحشد أتباعًا ويؤسس ما سيُعرَف لاحقًا بجماعة "الحشّاشين".
اختار حسن الصباح أتباعه بعناية؛ إذ كان يحرص على انتقاء الشجعان الذين يحبون القتال، وإن كان أسلوبهم سيعتمد بشكل كامل على الاغتيالات في وضح النهار، أضف إلى ذلك أن "الصباح" كان يريد أن يؤسس لنفسه ولأتباعه مركزًا يكون بعيدًا عن الأنظار، وبعد بحث دام طويلاً، وقع اختياره على قلعةٍ تُسمى "ألموت- Almut".
ولقلعة "ألموت" هذه قصة عجيبة. مبدأيًا، اسمها يعني "عِشُّ النسر" وهي موجودة على ارتفاع شاهق ربما يتجاوز الألفي متر بحسب بعض المصادر، وفي روايات أخرى الستة آلاف! لا يُعرَف من بناها، ولكن بحسب المصادر الواردة عن الطائفة؛ أنه أحد ملوك الشعوب الإيرانية التي تُعرَف بـ"الديلم". ورُغم أن القلعة كانت مبنية من الحجر والخشب إلّا أن حصونها ودفاعاتها كانتا مُعقدة وجيدة إلى حد كبير، وهناك شيء أغرب من ذلك بكثير بشأن هذه القلعة، ولكننا سنؤجّل ذكره قليلاً.
منذ أن دخل حسن الصباح القلعة، ظل ماكثًا فيها لمدة 35 عامًا إلى أن توفي، وكان شُغله الشاغل يتمثل في تجنيد المزيد من الأتباع والسيطرة على أكبر عدد ممكن من القلاع المحيطة بقلعة "ألموت" وذلك بخداع الناس وإيهامهم ببعض الترّهات، وبالفعل، البعض كان يُصدِق والبعض الآخر لم تكن تنطلي عليه الأكاذيب، وهذا البعض الآخر كان مصيره الموت!
اقرأ أيضًا:ما تريد معرفته عن لعبة هاي داي وطريقة زيادة أموالك بها
الحشّاشون: أمهر المغتالين في التاريخ
أما عن الحشّاشين أنفسهم، فكانوا موهومين يسيّرهم حسن الصباح كما يشاء، إذ ذكرت بعض المصادر إنه كان يُعيّشهم في حالة من النشوة المُغيبة للعقل؛ فالرّحالة الإيطالي ماركو بولو يقول إن "الصباح" كان يدس لهم القنب، أو "الحشيش"، في طعامهم وشرابهم ويُخرجهم للحدائق المحيطة بالقلعة ليوهمهم بأنهم في الجنة، بل وحتى إنه صمم أنهارًا اصطناعية من العسل واللبن والخمر ليحبُك مزاعمه! وهذا هو الشيء العجيب بشأن القلعة الذي قلت لكم إننا سنؤجّله لاحقًا!
من باب إحقاق الحق، يقول بعض المؤرخين إن هذه القصة غير حقيقية لأن ماركو بولو قد وُلِد عام 1254 في حين أن القلعة أُحرِقت بعد مولده بسنتين فقط.
على كُلٍ، كانت استراتيجية الحشّاشين تعتمد على الشجاعة والجُبن في نفس الوقت؛ حيث كان أسلوبهم في قتل الخصوم يعتمد على الاغتيال بدلاً من المواجهة المباشرة التي تُسفِر عن فرص قليلة للنجاة -وهذا جُبن، وربما دهاء-، ولكن المختلف عن بقية عمليات الاغتيال النمطية أنها تتم في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الجميع حتى يبثوا الرعب في القلوب، وإن تم إمساك "الحشّاش" أو الـ Assassin، فإنه كان يحاول الانتحار حتى لا يستطيع الخصوم أن يخرجوا منه بأي معلومة.
وإن كنت تتساءل عن أهداف الحشاشين، فكانوا السلاجقة بشكل أساسي، وحتى أنه من المعروف أن الحشّاشين قد اغتالوا وزير السلاجقة الشهير نظام الملك الطوسي بعد بضعة أسابيع فقط من وفاة السلطان ملكشاه. وبالطبع لم يقتصر الأمر على ذلك الوزير أو على طائفة معينة من طوائف الشعب، بل طالت اغتيالاتهم الجميع بدءًا من الأمراء وقادة الجيوش وحتى رجال الدين.
لذلك السبب كان المجتمع ينظر لتلك الجماعة على أنها جماعة شيطانية ضالعةٌ في مؤامرة ضد الدين والمجتمع، ولكن نظرة الحشاشين لأنفسهم ونظرة الإسماعيليين لهم كانت مُبررًا للاستمرار في أفعالهم الشنيعة، والتي كانوا يرونها فدائية وشجاعة.
أما إن كنت لا تعرف سبب هذه الاغتيالات حتى الآن، فالسبب يا عزيزي بحسب الروايات التاريخية هو أن الحشاشين كانوا يريدون الإطاحة بالنظام القائم وتنصيب إمامهم المختار حاكمًا، وهذا ما لم يحدث بالطبع؛ فـ"الصبّاح" توفي عام 518 هجرية، وبالرغم من استمرار نشاطات الحشاشين بعد وفاته، إلّا أن "هولاكو" و"بيبرس" قد محوهم من على وجه هذه البسيطة.
الجدير بالذكر أنه بعد وفاة الحسن بن الصباح في قلعة "ألموت"، تولي شيخ الجبل سنان بن سلمان زمام الأمور، وحوّل طائفة الحشاشين إلى مجموعة من المُرتزقة تقتل وتسرق لأجل المال فحسب. وبحسب المصادر فالصليبيين كانوا يستعينون بهم لمحاولة قتل صلاح الدين الأيوبي، بل إن العكس صحيحٌ أيضًا بحسب بعض الروايات التاريخية، وبالمناسبة، يتبنى الجزء الأول من سلسلة ألعاب Assassin’s Creed الرواية الثانية إن لم تخني الذاكرة.
لماذا سُموا بالحشاشين؟
تختلف الروايات بشكلٍ كبير في هذا الأمر؛ فالبعض يقول إن كلمة الحشاشين مُشتقة من لفظة "Assassin"، والتي تعني "القتلة" أو "المُغتالين"، في حين أن البعض الآخر يقول إن الاسم مُستوحى من الحشيش الذي كانوا يتعاطونه، أو الذي كانوا يختبؤون وسطه لاغتيال ضحاياهم.
لم يكن الحشّاشون بعباءاتهم الغامضة أبطالاً، وإن صورتهم بعض الأعمال الفنية كذلك، فالتاريخ يقف ضدهم، وأفعالهم الوحشية لا يُمكن تبريرها بأي حال من الأحوال.