هل تصير حياة البشر بلا أمراض مع تجاوز أعمارهم 120 عامًا؟
مع كشف خبراء بريطانيين عن احتمالية وصول سن الإنسان في المتوسط مستقبلاً إلى 120 عامًا في ظل ما يشهده العالم حاليًّا من تطور على الصعيد العلمي وابتكار أدوية تكافح الشيخوخة وتقضي على الأمراض، بدأت تظهر تكهنات حول السيناريوهات المستقبلية للإنسان على الأرض واحتمالات تزايد متوسط الأعمار ليكون فوق ال 100 عام وأحاديث من هذا القبيل.
وتناولت تقارير بحثية بهذا الخصوص بعض الفرضيات المرجح حدوثها، بحسب فرق من العلماء، بشأن ما قد يحدث للإنسان حال تجاوزه ذلك السن؟ وكيف ستصير حياة البشر حال اختفاء الأمراض مع تطوير نظم تقنية تنبه الإنسان لاحتمال الإصابة بأمراض قبل حتى ظهور أعراضها!
وطبقًا لما نقله باحثون عن عينات من الأشخاص بعد استطلاع آرائهم بهذا الشأن، أوضح البعض أن القدرة على القيام بكل ما نريده ملايين المرات، قد تجعل العيش للأبد كابوسًا مملاًّ لا معنى له.
العيش حتى 120 عامًا
وأشار هذا الفريق إلى أن العيش مثلاً لمدة تصل إلى 120 عامًا أمر يفرض بعض الأسئلة الضرورية التي من بينها الطريقة التي سيسير بها الناس حياتهم الاجتماعية ومساراتهم الوظيفية وكذلك الآلية التي سيديرون بها شؤونهم العائلية ويتعاملون من خلالها مع حالتهم الصحية.
اقرأ أيضًا: دراسة حديثة: الحياة قرب المساحات الخضراء تؤخر الشيخوخة
وأظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث على مجموعة من الأمريكيين أن 38 % منهم لا يريدون شخصيًّا العيش حتى 120 عامًا، وهي النتيجة التي علق عليها كاري فانك، المدير المشارك للبحوث في المركز، بقوله إنهم فوجئوا على نطاق محدود بمقدار التناقض الحاصل في الآراء.
وكانت بعض الصحف البريطانية قد نقلت عن خبراء وباحثين إنجليز خلال اليومين الماضيين قولهم إن هناك بحوثا تجرى حاليًّا على بعض الإجراءات التي تعني بتقييد السعرات الحرارية، واستخدام أنواع معينة من الأدوية لمواجهة الخرف والقضاء على الخلايا المسببة لأعراض الشيخوخة.
ومن خلال استعانتهم بما يعرف بـ "علم الوراثة اللاجينية"، يكرس الباحثون جهودهم من أجل التوغل علميًّا وطبيًّا في مساعيهم الرامية لتجديد خلايا الجسم عبر تغيير العلامات الوراثية، على أمل أن يكون لذلك انعكاسه الإيجابي على أعراض الشيخوخة ومن ثم القضاء عليها.
وأحد أبرز الأسئلة التي أثارها البعض بعد الكشف عن هذه التفاصيل البحثية المستقبلية المثيرة للجدل هو ما إن كان سيتمتع الإنسان بحالة صحية جيدة أم لا مع عيشه كل هذه المدة الطويلة حتى سن ال 120 عامًا وربما أكثر.
والحقيقة وفق ما أشار إليه الباحثون هي أن التطورات الحاصلة على الصعيد الطبي والعلمي والتكنولوجي سيكون لها دور كبير في الحفاظ على صحة الناس لمدة زمنية طويلة خلال الفترة المقبلة.
كيف ستكون حياة البشر مع هذا التطور؟
وعن توقعات الشكل الذي ستكون عليه حياة البشر مع هذا التطور، فقد أوضح باحثون أنه مع ظهور أجهزة قابلة للارتداء مزودة بحساسات استشعار أو تقنيات مبتكرة يمكن زرعها في الجسم، ستكون هناك إمكانية لتوليد ونقل البيانات الصحية لتحليلها في الوقت الحقيقي، وهو ما سيساعد بالتبعية على تتبع الحالات الطبية وإطلاق تنبيهات من الأمراض حتى قبل ظهور أعراضها.
وقالت بهذا الصدد لورا كارستنسن، مديرة مركز ستانفورد المنوط بأبحاث طول العمر، إن ذلك من الممكن أن يعكس النمط التقليدي للرعاية الصحية، إذ سينصب التركيز الحقيقي على الصحة وليس المرض.
وتابعت لورا بقولها إن هذا السيناريو لو أسفر عن زيادة عدد السنوات التي سيعيشها مَن يبلغون سن ال 120 عامًا وهم في وضع صحي جيد، فسيكون لذلك تأثيراته الكبرى على جوانب أخرى من الحياة، حيث سيعاد تشكيل مراحل الحياة التقليدية للتعليم، العمل، تربية الأطفال والتقاعد.
اقرأ أيضًا: 5 تغييرات في أسلوب حياتك تمنع ظهور علامات الشيخوخة
كما نبهت لورا إلى احتمال تقلص الوقت الذي يقضيه الناس من حياتهم في تربية الأطفال إذا دام العمر ل 120 عاما، إذ ستكون الأبوة من الأشياء التي سيفعلها الإنسان لفترة قصيرة من حياته.
وواصلت لورا قائلة "حين يعيش الناس مدة أطول، قد يسهم أفراد آخرون من العائلة في تربية الأطفال. ولن تكون هناك أدوار أبوة فحسب، بل ستكون هناك أدوار للأجداد والأجداد الأكبر والأكبر. لذا نحن بحاجة إلى وضع معايير جديدة للعائلات وللأسس التي تشكل قوام العائلة بشكل عام. وقد تنطبق تلك المعايير الجديدة أيضا على الزيجات والعلاقات، إذ سيتيح لك ذلك بالتأكيد فرصة امتلاك العديد من العلاقات طويلة الأجل، بغض النظر عن الشكل الذي ستكون عليه تلك العلاقات".
متغيرات ستطال حياة البشر
ومن أبرز المتغيرات التي يتوقع أن تطرأ على حياة البشر حال بلوغهم سن ال 120 عاما هو العبء المالي، الذي سيتزايد مع تزايد متطلبات الرعاية اللازم توافرها للأشخاص، وهو ما قد ينطوي على إقرار بعض القوانين أو التشريعات من جانب المسؤولين لضمان تسيير ذلك الأمر بسلاسة.
وكذلك يتوقع أن تواجه الحكومات تحديًا آخر مرتبطًا بنظام المعاشات وطريقة تسويتها، بكل ما تنطوي عليه تلك المسألة من تفاصيل وإجراءات، ما سيزيد من الضغوط والأعباء بشكل كبير.
وعاودت لورا لتقول إنه قد يصير من الضروري بالنسبة للأشخاص الذين ستتجاوز أعمارهم حاجز ال 100 أن يفكروا في الاشتغال بالعديد من المهن، التي قد يكون بعضها مرتبطًا بالمجالات غير الربحية والتي يكون الهدف من وراء العمل بها هو نقل الخبرات والمعلومات للآخرين.
اقرأ أيضًا: دراسة حديثة: الجوع يؤخر الشيخوخة ويطيل العمر!
وهو ما يعني أن التعليم، الذي تحصل الانسان على جزء كبير منه في بداية حياته، سيصير عملية مستمرة، ولو تمت بشكل صحيح، فإنها ستعيد تأهيل وتوجيه الناس لفصل إضافي من العمل.
وكما أوضح الباحثون المتختصون، فإن مسألة طول العمر تبقى من الأمنيات المرغوب فيها طالما توافرت الظروف المعيشية المناسبة، بما في ذلك الصحة، السعادة والرخاء، وهنا يبرز التحدي الأكبر وهو ما إن كان بالإمكان تطوير علاج يحسن نوعية الشيخوخة ويمنحنا عمرا طويلا بلا مشاكل.
وهو ما شددت عليه دكتور سينثيا كينيون، الأستاذ لدى كلية طب UCSF، في مقابلة أجرتها مؤخرا مع محطة "ناشيونال جيوجرافيك"، إذ أكدت أن الفيصل في تلك الإشكالية الحاصلة هو مدى القدرة على توفير علاجات لا تجعلنا نعيش للأبد، بل توفر لنا حياة مديدة بلا متاعب صحية.
وأنهت دكتور لورا بقولها إن تطوير تلك العلاجات هو جزء واحد فقط من الحل، إذ توجد أجزاء أخرى لا بد من مراعاتها عند الحديث عن طول العمر وهي الحالة الذهنية، والقدرة الحركية والأمن المالي، فهذه هي الأمور الثلاثة الأساسية، التي لو نقص واحد منها، لاختلت المعادلة بأكملها.