حدث في رحلة جوية
الكابتن فراس ما الله
ازدادت في الآونة اﻷخيرة حوادث الطائرات، وقد ترددتُ كثيرا قبل الكتابة عن هذا الموضوع لحساسيته عند كثير من الناس، وخوفهم من الطيران، لكن مع كثرة الحوادث،وجب الحديث عنه وتوضيح اﻷمور، ليس من منظور عامة الناس، وإنما من داخل قمرة القيادة التي تُدار فيها الدفة، ومن منظور الطيار وتبيان ما يتعرّض له يومياً، وما الذي يمكن أن يؤدي إلى الحوادث.
كثير من الأمور يخفى عن عامة الناس، ولا يمكن معرفته،الا لمن هو في مجال الطيران، منه: مشكلات في متابعة جدول الصيانة عند بعض الشركات، وأخطاء من مراقب الحركة، وعدم اتباع الطيارين لإجراءات الطيران وقوانينه، وكذلك عامل الإرهاق الذي يسبّبه الطيران بكثرة، والذي هو أحد أكبر أسباب المشكلات والحوادث، ورغم وجود ضوابط وقوانين لحماية الطيارينوراحتهم، فإنها وضعت، ليحصل الطيار على أقل نسبة من الراحة،حتى يعود إلى عمله بأسرع وقت ممكن، تقليلاً للأيدي العاملة في الشركة، واستخدام الموجودين بأقصى طاقة ممكنة، الحياة العملية ليست سهلة للتأقلم مع مواعيد الراحة التي يجب أن تُستغلّ فيها كاملة، دون أي عمل آخر، لكن الواقع أن الطيار يحتاج إلى وقت للراحة ووقت آخر لإنهاء أموره الخاصة التي توقفت في وقت عمله الذي ابتعد فيه عن البلاد، وبما أن وقت الراحة هو الوقت الوحيد الذي يملكه،فسيستغله لإنهاء أعماله المتراكمة ،وإن بقي من الوقت شيء،يمكن أن يرتاح فيه، لكنه سيعود للعمل مرهقاً.
الإرهاق له أعراض عدّة، أهمّها عدم مقدرة الإنسان على تقييم الأمور وتحليلها بسرعة، وبشكل سليم، وهذا يتعارض كلياً مع عمل الطيار الذي ينبغي أن يكون تفكيره سابقاً الأحداث القادمة، وعلى علم تامّ بما يدور حوله ومعه، ويكون على أتمّ الاستعداد للتعامل مع أي متغيّرات تطرأ في الرحلة، خاصة وقت البدء بمرحلة النزول والهبوط، وأن يكون على أفضل حال وراحة بال، دون أي قلق أو توتر.
والخطورة العظمى تكمن في أن الإنسان لا يعلم أنه في مرحلة الإرهاق، ويظن نفسه بحال جيدة، لكنه في الواقع مرهق ولن يتمكن من تقييم الأمور بشكل سليم.
وقد حدث في إحدى الرحلات أن تعرضت لخلل في محركها الأيسر، لكن سوء تقدير الطيار جعله يطفئ المحرك الأيمن، ما جعل الطائرة تهوي دون محرك. والأمثلة كثيرة،على ذلك.
حل التعامل مع الإرهاق يكمن في تفاديه من الأساس، عن طريق زيادة الوقت المخصّص للراحة في لوائح الشركات وقوانينها، وتفادي الطيران الليلي إن أمكن، وإن كان لابدّ منه، فيتم تخصيص وقت محدد، لأخذ قسط من النوم لكل طيار على حدة، وليس معاً لمدة خمس عشرة أو عشرين دقيقة، ما يعطيهم شيئاً من الراحة ليستعيدوا قواهم العقلية والنفسية، علماً أن ذلك مُطبَّق في كثير من الشركات العالمية، لتقديرهم لأهمية الراحة مقابل السلامة.
ليس معنى ذلك أن جميع الطيارين مرهقون، لكن هذا ما يحدث لهم في وقت الحوادث، وهذا تفسير للأمور التي بدأ تنفيذها لتفادي الحادثة، لكن لم يتبعها الطيار بسبب إرهاقه.