منذ بداية مسيرة الفئات الرياضية من عالم الساحرة ذات العجلات الأربع، شكّل محرك الأسطوانات الـ 12 جوهرة التاج بالنسبة لهذا النوع المميز من وسائل النقل.
فقد وجد أنزو فيراري أنّ السيارة التي لا تتمتع بمحرك من 12 أسطوانة هي سيارة لا تستحق حمل شعار علامته التجارية الشهيرة، كما لم يرض فيوروتشو لامبورغيني غير المحرك نفسه وسيلةً لدفع سيارته، والأمر نفسه ينطبق على علامات تجارية عريقة أخرى من عيار أستون مارتن، ورولز رويس، وبنتلي.
اتجاهان متعاكسان
أما المراقبون فقد رسخوا القاعدة التي تقول إنّ أي سيارة مميزة حقًّا، هي سيارة يجب أن تتمتع بمحرك من 12 أسطوانة.
فلا داعي للتذكير بما حدث مع جاكوار أكس جي 220 التي حُكم عليها بالفشل قبل أن تُبصر النور، عندما قرر الصانع البريطاني العريق أن يستبدل بمحرك نسختها الاختبارية المؤلف من 12 أسطوانة محركًا من ست أسطوانات في نسخ الإنتاج التجاري.
اليوم، وبسبب القوانين الهادفة لخفض انبعاثات الغاز السام والمحافظة على البيئة، أصبحت هذه المحركات مهدّدة بالانقراض، أو هذا ما يعتقده البعض.
أما بالنسبة للبعض الآخر، فإنّ مستقبل المحركات الكبيرة ليس بهذا السوء، والدليل هو ما يقوم به عدد من الصانعين الذين عمدوا لإطلاق سيارات جديدة تتمتع حصرًا بهذا المحرك ذي الرتبة الألماسية.
ولعل الجميل في الموضوع أنّ مسألة تحدي السائد وإطلاق سيارات جديدة مع هذا النوع من المحركات لم يتوقف حصرًا على علامات تجارية لها باع طويل في هذا المجال، كفيراري التي أطلقت طراز "أس بي 3 دايتونا"، أو أستون مارتن التي أتحفتنا بطراز "فالكري" الخارق، أو لامبورغيني التي أطلقت مؤخرًا طرازي "إنفينسيبل وأوتينتيكا"، بل أيضًا علامات تجارية جديدة بالمطلق كـغوردان موراي أوتوموتيف مع طراز "تي.50" الذي سنبدأ بالحديث عنه هنا قبل أن نتابع مع العلامات التجارية الأخرى الكبيرة التي ذكرناها.
الأميرة الجديدة: "تي 50"
تأسست شركة غوردان موراي في بريطانيا خلال عام 2017 على يد مصمم سيارات الفورمولا وان الشهير غوردان موراي، الذي تحمل الشركة اسمه بطبيعة الأمر.
ولتخليد إرثه الكبير في مجال التصميم، قرّر موراي أن يصمم تي.50 لتكون السيارة التي توفر تجربة قيادة رياضية خالصة مع محرك يتألف من 12 أسطوانة قادر على الدوران بسرعة تصل إلى 12,100 دورة في الدقيقة ليولد قوة 654 حصانًا.
ورغم أنّ محرك تي.50 هو من إنتاج كوثورث، أي الصانع نفسه الذي يصنع محرك أستون مارتن فالكري، فإنّ المحركين مختلفان تمامًا.
ويريد موراي أيضًا من الزبائن الذين سيحصلون على تي.50 الاستمتاع بقيادتها قدر الإمكان، وعدم تركها في المرآب أو قيادتها نادرًا، فهو يعتقد أنّ سياراته ليست مجرد قطعة فنية أو سيارة يحصل عليها مالكها أملاً في إعادة بيعها بسعرٍ مرتفع لاحقًا.
وبالإضافة إلى محركها الصارخ وقدرته على الوصول إلى سرعات دوران تبلغ 12,100 دورة في الدقيقة كما ذكرنا، تتميز السيارة أيضًا من خلال المروحة المثبّتة في الجهة الخلفية منها، التي تساعد على تحسين مرور الهواء تحت السيارة، ومن ثم تعزيز الأداء الانسيابي.
ويُعد هذا بحد ذاته في صميم الإرث الذي يتمتع به غوردان موراي الذي صمّم في سبعينيات القرن الماضي سيارة سباق فريق برابهام التي قادها البطل الراحل نيكي لاودا في بطولة العالم للفورمولا وان، والتي تمكّنت من التفوق بفارق كبير على بقية السيارات الأخرى بسبب تمتعها بمروحة شبيهة بمروحة تي.50.
اقرأ أيضًا:تجربة قيادة «فيراري 296 جي تي بي».. حصان ميكانيكي إيطالي أصيل
فيراري والحصان الجامح
فيراري أس بي 3 ديتونا هي السيارة التي تريد فيراري من خلالها تكريم أحد أهم انتصاراتها في السباقات، وتحديدًا الانتصار الذي حصل خلال عام 1967 عندما عبرت ثلاث سيارات فيراري (اثنتان من طراز 330 بي 4 وواحدة من طراز 412 بي) خط النهاية في سباق ديتونا جنبًا إلى جنب لتسجل المراكز الأولى الثلاثة.
وبذلك أتت أس بي 3 ديتونا، التي تشاهدون صورها هنا، بتصميم مستوحى بشكلٍ كبير من طراز 330 بي 4 ولكن طبعًا مع بعض السمات العصرية والابتكارات التي تشتهر فيها علامة الحصان الجامح.
وبطبيعة الحال، كان لا بد من تجهيز السيارة بمحرك يتألف من 12 أسطوانة، لذلك جرى الاستعانة بمحرك من طراز 812 كومبيتيزيوني، وهو قادر على توليد قوة 828 حصانًا.
ما يميز المحرك في هذا الإصدار هو تخفيف الوزن من خلال الاستعانة بالتيتانيوم بشكلٍ أكبر.
وفي سياق التماشي مع المتطلبات الدولية في مجال الحفاظ على البيئة، جرى تعديل نظام إيصال الهواء إلى غرف الاحتراق في المحرك بشكلٍ يساعد على الحد من نسب الانبعاثات الضارة بمقدار 30 بالمئة مقارنةً بطراز 812 كومبيتيزيوني.
وبالعودة للتصميم، تبرز مقدمة السيارة من خلال الفتحة الكبيرة وسط الصادم التي تتناغم بأبعادها وتصميمها مع خطوط السيارة الأفقية على الجوانب، الأمر الذي يساعد المصابيح الأمامية الرفيعة على تعزيز الحضور القوي للسيارة، علماً أنّ المصابيح تتمتع بطريقة مبتكرة للفتح والإغلاق بغطاء خاص بها، يبدو كالجفون.
تتمتع المؤخرة بخطوط أفقية متعددة مرتبة بشكلٍ تصاعدي تعلوها المصابيح التي تنسجم بتصميمها مع تلك الخطوط، فيما جرى تمرير مخارج العادم من وسط المؤخرة، الأمر الذي ساعد على توفير تصميم أكثر فاعلية لموزّع الهواء في الأسفل.
لامبورغيني والثيران الهائجة
من خلال طرازي إنفينسيبل وأوتينتيكا، تطوي لامبورغيني أهم صفحات تاريخها بالشكل الذي ينسجم مع فلسفتها، أي من خلال طرازين يتمتعان بالإثارة نفسها التي لطالما ميزت الثيران الهائجة، علمًا أنّ إنفينسيبل وأوتينتيكا ليستا من فئة الإصدار المحدود بل من الطرازات الحصرية الخاصة التي لا مثيل لها.
ميكانيكيًّا، يقوم طرازا إنفينسيبل وأوتينتيكا على المكونات نفسها التي تتوفر لـ أفنتادور ألتيمايت، أي محرك الأسطوانات الـ 12 سعة 6.5 لتر بقوة 769 حصانًا، وعزم دوران يصل حتى 720 نيوتن متر، علمًا أنّ علبة التروس تتابعية مكوّنة من سبع نسب هي المسؤولة عن نقل القوة للعجلات الأربع.
اقرأ أيضًا: ترغب في اقتناء سيارة لامبورغيني؟ انتظر 19 شهرًا
ورغم أنّ لامبورغيني لم تكشف الكثير من المعلومات التي تتعلق بأداء السيارتين، فإننا نتوقع أن تكون أرقام الأداء مقاربة لأرقام طراز أفنتادور ألتيمايت، وهي 2.8 ثانية لبلوغ سرعة 100 كلم/س مقابل 355 كلم/س للسرعة القصوى.
وكونها من السيارات ذات الأهمية القصوى بالنسبة لـ لامبورغيني التي تهدف من خلالها الشركة إلى تكريم محرك الأسطوانات الـ 12 ذي التنفس الطبيعي بأفضل شكل، كان لا بد لها أن تتمتع بخطوط خارجية مستمدة من إرث الشركة العريق.
وبذلك يمكن ملاحظة وجود خطوط تحاكي ما توفر لطراز ريفنتون، أو الإصدار محدود الإنتاج الذي جرى إطلاقه في نهاية عهد طراز مورتشيلاجو، فضلاً عن بعض الخطوط الأخرى المستمدة من طراز فينينو طيب الذكر.
وتتميز نسخة الكوبيه إنفينسيبل بطلائها الذي يتناغم ما بين اللون الأحمر السائد وبين المساحات غير المطلية التي تُظهر ألياف الكربون المطعّمة بلمسات حمراء.
وتتميز الأبواب التي تُفتح إلى الأمام والأعلى على طريقة لامبورغيني الكلاسيكية بوجود شكلين سداسيين بثلاثة ألوان واحد على كل جانب.
فيما أنّ أوتينتيكا الرودستر تتزين باللون الرمادي وبعض الخطوط الصفراء على عدة أنحاء من الجهة الخارجية، وخاصةً السفلية منها.
أستون مارتن والزمن الجميل
عندما قررت أستون مارتن إنتاج سيارة مستوحاة من عالم الفورمولا وان، أعطت أدريان نيوي حرية التصرف بما يشاء (ضمن الخيارات التي تسمح بها شروط إنتاج سيارة صالحة للسير على الطريق)، وأخذ ما يرغب به من عالم سباقات الفئة الأولى بصيغتها العصرية، ولكن باستثناء الخيار الميكانيكي الذي كان لا بد أن يكون محرك الـ 12 أسطوانة الذي نحتفي به في هذا التقرير، وهكذا أتت فالكري مع محرك من إنتاج كوزورث يتألف من 12 أسطوانة سعة 6.5 لتر يتعاون مع محرك كهربائي على توليد قوة 1160 حصانًا.
اقرأ أيضًا:أستون مارتن DBX707 فخامة الدفع الرباعي
أما على صعيد الشكل الخارجي، فتتميز فالكري بخطوطها الكلاسيكية في قسمها الأعلى مقابل تركيبة انسيابية عالية التقنية في القسم الأسفل.
ومن الداخل، تعتمد فالكري التصميم الرياضي السباقي للوحة القيادة، بحيث توفر للسائق والراكب الأمامي وضعية قيادة شبيهة إلى أقصى الحدود مع ما يتوفر في سيارات السباق، فضلاً عن السيطرة المطلقة لمادة ألياف الكربون على المقصورة والشاشات التي تؤدي دور العدادات ومؤشرات حالة السيارة الميكانيكية.
كما تتميز فالكري من خلال طريقة الدخول إلى مقصورتها التي تنسجم أكثر مع خطوطها الجانحة نحو عالم الحلبات.
حرب الرمق الأخير
وفي الختام، يبقى أن نشير إلى أنه وعلى ما يبدو فإنّ المحركات الكبيرة باقية، إن كان من خلال الصانعين الذين يحاربون حتى الرمق الأخير لإبقائها على الطرقات أو لجهة التقنيات الجديدة الهادفة لإنتاج وقود صناعي صديق للبيئة.
هذا الأخير الذي يتوفر اليوم قد يكون مرتفع الثمن حاليًّا، إلا أن كلفته ستنخفض شيئًا فشيئًا مع تطور وسائل إنتاجه، علمًا أنّ من يرغب بالحصول على سيارة ذات محرك كبير هادر كالمحرك الذي نحتفي به هنا، لن يمانع بدفع حفنة إضافية من النقود ليستمتع بسيارة ذات أداء خارق.