صحة الرجال في عصر التطور التقني
أحرزت مجالات العلوم الطبية وأنظمة الرعاية الصحية تقدمًا لافتًا، وشهدت تغيّرات هائلة وإصلاحات جمة وتطوّرات متميزة وتحسينات جوهرية خلال السنوات القليلة الماضية.
وبفضل كل ذلك، لدينا اليوم حلول وإجابات لحالات صحية عديدة، كانت أمراضًا مستعصية في السابق.
وبات الوعي حول المشكلات الصحية السائدة أكثر انتشارًا من ذي قبل، بفضل عوامل داعمة مثل الإنترنت والعولمة. فالناس اليوم أكثر قابلية للقراءة، وهنالك الكثير من المعلومات المتاحة حول كل موضوع.
ومع ذلك، فإن توافر المعلومات ليس كافيًا دائمًا، حيث لا تزال بعض المواضيع الحساسة محاطة بنوع من الوصمة الاجتماعية والتي تؤدي إلى تفادي الحديث عنها.
ومن أبرز الأمراض التي تندرج تحت هذه الفئة، هي الأورام الخبيثة التي تصيب الجهاز البولي التناسلي الذكري مثل سرطان البروستات والخصية.
إن ارتباط هذه الأمراض بالوصمة الاجتماعية ليس مستغربًا أبدًا، نظرًا لحساسية معظم المجتمعات حول الأعضاء التناسلية، التي يشار إليها بوصف المناطق الحساسة.
لذلك، سواءٌ كان الألم في العضو الذكري أو في الخصيتين، أو ظهرت أعراض كعدم القدرة على التحكم بالتبول أو ضعف الانتصاب، يبقى العديد من الرجال يتعاملون مع مثل هذه المشكلات كقضايا خاصة، ومن ثم يختار الكثير منهم الاستمرار بالتعامل مع أعراضهم بدرجة من السرية، الأمر الذي يدفعهم للجوء إلى علاجات غير طبية قد تشكل خطرًا على صحتهم، أو تأخرًا في التشخيص الصحيح والعلاج الفعال.
وحول ذلك، قال الدكتور وليد حسن، رئيس قسم أمراض المسالك البولية في معهد التخصصات الجراحية الدقيقة، بمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: "إن أحد أبرز الأسباب التي تمنع الرجال من طلب المساعدة الطبية هي الضغوط الاجتماعية والحرج المرتبط بهذا الموضوع بما يجبرهم على الظهور بمظهر الصلابة كدلالة على الرجولة، الأمر الذي يخلق نوعًا من الهالة المضللة من عدم الحاجة إلى المساعدة مطلقًا أو الرغبة بها".
إن تصوير الرجال على أنهم حماة الأسرة والمسؤولون عن حل جميع المشكلات مهما كانت مستعصية، يؤثر أكثر على الصورة النمطية للرجال الذين يُحجمون عن طلب المساعدة.
وتقود هذه الصورة لتفاقم المشكلة يومًا تلو الآخر، حيث يختار المريض تحمل معاناته وإهمالها بدلاً من الحصول على المساعدة الطبية.
وقد يؤدي إهمال العلاج المناسب لتعرض صحة المريض لمضاعفات لا تُحمد عقباها قد تصل لوضع حياته على المحك. لذلك فإن مناقشة هذه القضايا الصحية هي أمر مهم بين كبار السن والشباب على حد سواء، حيث إن عوامل مختلفة قد تجعلهم عرضة للإصابة بها".
إذن، دعونا نلقِ نظرة على هذه الأمراض.
فهم المرض
يُعد سرطان البروستات من أكثر أنواع الأورام انتشارًا بين الرجال حول العالم.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2020، كان هذا المرض رابع أكثر السرطانات انتشارًا حول العالم، بوجود 1.41 مليون حالة.
والمشكلة الكامنة في هذا المرض أنه صامت دون أعراض في مراحله الأولى، ويؤثر عادة على الرجال بعد سن 65 عامًا.
ونظرًا لطبيعته الصامتة، يتعين على الرجال إجراء الفحوصات الدورية والكشف المبكر، لاسيما ضمن الفئات العمرية أكثر من 40 عامًا.
من ناحية أخرى، يعد سرطان الخصية أكثر أنواع السرطانات شيوعًا، التي يمكن أن تصيب الذكور بدءًا من سن 20 عامًا.
النوعان الرئيسان لسرطان الخصية هما الورم المنوي، الذي يبدأ في خلايا تسمى الخلايا الجرثومية وتنمو ببطء، والورم غير المنوي، الذي يبدأ في الخلايا الجرثومية الناضجة ويكون أكثر عدائية.
اقرأ أيضًا:ما هو سرطان البروستاتا وكيف يمكن التغلب عليه
الأعراض وعوامل الخطر
أضاف الدكتور حسن: "كما ذكرنا سابقًا، لا تظهر عادة أي أعراض عند الإصابة بسرطان البروستات في المراحل الأولى.
وعلى أي حال، ثمة بعض المؤشرات التي قد تشير للإصابة به، مثل تكرار التبول ليلاً، وصعوبة التبول، وظهور قطرات من الدم في البول، أو السائل المنوي، أو شعور دائم بالألم، أو التصلب في منطقة أسفل الظهر أو الوركين أو الأطراف.
ويعتبر العمر من أبرز عوامل الخطر المرتبطة بسرطان البروستات، حيث يتم تشخيص 75% من الحالات بين رجال يتجاوز عمرهم 65 عامًا.
كما أن التاريخ العائلي والأنماط الغذائية عالية الدهون وخيارات أنماط الحياة غير الصحية هي عوامل أخرى تزيد من مخاطر الإصابة بالمرض.
ومن المهم الانتباه إلى أن ربع الرجال في دولة الإمارات من المدخنين، في حين أن أكثر من 70% منهم يعانون زيادة الوزن".
ومن أهم المؤشرات التي يتعين الانتباه إليها على مستوى سرطان الخصية، هو وجود كتلة غير مؤلمة في أي من الخصيتين.
ومن الأعراض الأخرى الشعور بثقل في كيس الصفن وتقلص الخصية والشعور بألم خفيف في الفخذ.
وتشمل عوامل الخطر المرتبطة بهذا النوع من السرطان الخصية المعلقة، والتاريخ العائلي، والعقم.
التشخيص والخيارات العلاجية
لحسن الحظ، يمكن للرجال الوصول إلى وسائل تشخيصية متقدمة اليوم تكشف عن أي اضطرابات في البروستات والخصية، مثل فحوصات الموجات فوق الصوتية وإجراءات الخزعة.
وهنالك اختبارات أخرى، بما في ذلك اختبار مؤشر ورم المصل، والتصوير المقطعي المحوسب والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، والأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي التي يمكن أن تساعد في التشخيص المتقدم.
وشهدت الخيارات العلاجية تطورًا لافتًا على مر السنين، ومنها:
• في حين أن تنظير البطن التقليدي هو خيار علاجي ممكن، فإن إدخال العلاجات الروبوتية بأدنى حدود التدخل الجراحي، مثل استئصال البروستات الجذري، قد وضع الابتكارات العلاجية في مرحلة متقدمة.
اقرأ أيضًا:أعراض تضخم البروستاتا وهل يعد مشكلة خطيرة؟
وعلى عكس الجراحة التقليدية، يتطلب ذلك عددًا قليلاً من الشقوق الصغيرة للغاية، التي يستخدمها الجراح للكشف عن المنطقة المصابة وإزالتها.
يستهدف العلاج الإشعاعي الخلايا السرطانية بالإشعاع، ويقوم بإتلاف حمضها النووي. وتشمل الأشكال المختلفة للعلاج الإشعاعي ما يلي:
• المعالجة الكثبية الخلالية (زرع مصدر الإشعاع داخل الورم): هي شكل من أشكال العلاج الإشعاعي يتم فيه زرع حبيبات مشعة في البروستات، وتعالج الحبيبات البروستات والأنسجة المحيطة بالأشعة بمرور الوقت.
• العلاج الإشعاعي المعدل الشدة والعلاج الإشعاعي باستخدام قوس التضمين الحجمي: وهو نوع متقدم من العلاج الإشعاعي ويستخدم خوارزميات حاسوبية لتوصيل جرعات عالية من العلاج الإشعاعي للورم بدقة عالية.
• العلاج الإشعاعي التجسيمي للجسم: طريقة جديدة من العلاج الإشعاعي لا تستغرق سوى أسبوع لاستكمال العلاج.
• العلاج الموضعي، الذي يتضمن توجيه موجات فوق صوتية مباشرة أو طاقة حرارية لاستهداف سرطان البروستات.
• العلاج الهرموني الذي يغير في توازن هرمونات الجسم لإيقاف نمو أنواع معينة من الأورام السرطانية.
• العلاج الكيميائي، والذي يستخدم عقاقير مضادة للسرطان، ومزيجاً منها في بعض الأحيان، إما للقضاء على الخلايا السرطانية أو كبح نموها.
• العلاج بالنويدات المشعة، ويمثل تقنية متقدمة تستخدم العلاج الإشعاعي الشامل لبعض أنواع سرطان البروستات المتقدم المنتشرة إلى العظام.
وأردف الدكتور حسن: "إن الفحوص الوقائية الدورية هي من أكثر الإجراءات التي يجب على الرجال فوق 40 عامًا الالتزام بها.
وإضافة لذلك، يتعين عليهم إجراء التغييرات اللازمة في أنماط حياتهم مثل الحفاظ على نظام غذائي متوازن، والالتزام بممارسة الرياضة، والإقلاع عن التدخين، وضبط الأمراض الأخرى مثل السكري، الأمر الذي يساعدهم في تقليص مخاطر الإصابة بهذه الأمراض التي تهدد حياتهم".
واختتم بالقول: "قبل كل شيء، لا بد للرجال من الشعور بالراحة حيال الحديث عن صحتهم وإبعاد فكرة الحرج الاجتماعي عن أذهانهم".
ونحن جميعًا مسؤولون لإزالة هذه الوصمة المرتبطة بهذه الأمراض، لذلك قدمنا برنامج "اذكرها" الذي منح مساحة لعدد لا يحصى من الرجال للوصول إلى الموارد والمتخصصين للحصول على العلاج والمشورة الضرورية.
ونشجع الرجال دائمًا على امتلاك الوعي حول صحتهم والتواصل مع الأطباء عندما يتطلب الأمر ذلك.