كان اجتماع عمل رسمي مهم، وفي الاستراحة توجهت إلى دورة المياه، وحانت مني التفاتة إلى المرآة، لأرى قطعة من المناديل عالقة على وجهي.
أزعجني ذلك الموقف، لا لأني لم أظهر كما أرغب فحسب، ولكن لأن أحدًا من زملائي لم يخبرني بوجودها.
أرجح أنك أنت عزيزي القارئ ستمرّ بالشعور نفسه، لو أن من حولك لم ينبهوك بوجود ما يُشوّه طلّتك وأنت في طريقك إلى لقاء مهم.
قد لا يخبرونك خجلاً أو خوفًا وربما ضغينة.
لكن هل فكرتَ يومًا أنَّ هُناك من الصفات ما يُشوّه صورتك وربما سمعتك، ويراها كل من حولك إلا أنت؟ فهل سيزعجك أن أحدًا لم يسبق أن أخبرك عنها؟!
حسنًا، ما رأيك أن يكون كل من حولك يرونك متكبرًا، أنانيًّا، مديرًا سيئًا، كاتبًا رديئًا، موظفًا اتكاليًّا، إلا أنت ترى عكس ذلك؟!
في حال قطعة المناديل عزف زملائي عن إخباري بوجودها لكنهم لم يجدوا غضاضة من التهامس حولي متندرين، وفي حال إحدى صفاتك البغيضة، الجميع سيتهامسون عنها في كل لقاء، ووحدك لن تعرف الحقيقة!
أقرب الناس لك يترددون قبل إخبارك عن صفات ليست إيجابية فيك، إيثارًا منهم للسلامة، وتجنبًا لجرحك ربما، وابتعادًا عن تعكير الصفو الاجتماعي.
ومن غير أن تشعر يضخم محيطك وهمك بدل أن يُصارحك أحدهم بأنك لا تُحتمل بسبب سلوكٍ ما عندك.
فهل يهمك أن تعرف تلك الحقيقة التي نادرًا ما تسمعها؟
أرجح أن ذلك يهمك لو أنك كنت مهتمًّا بتعميق وعيك الذاتي، ولا طريقة لنيل تلك الحقيقة كالتغذية الراجعة الصحيحة.
لأنك قد تعتقد أنك أفضل أب في العالم، ليضعك ظرف ما أمام حقيقة أنك أسوأهم.
قد تظن أنك أفضل مدير في الشركة لتضعك تقييمات فريقك في ذيل القائمة.
وقد تتعامل بناءً على وهم أنك كاتب محترف لكن الناس يقلبون الصفحة فور قراءة اسمك.
إذن استعد لتلقي تغذية راجعة حقيقية تكشف لك الحقائق، وتضيء لك النقاط العمياء في شخصيتك التي يحتاج الحصول على أقصى فائدة منها إلى أصحاب وعي عميق، وقدرة على تلقي ما لا تطرب له النفس.
لكن المشكلة الكبرى التي نعانيها بحسب أستاذ القيادة جون جاردنر أننا "محاطون بمحبين غير منتقدين أو نقاد غير محبين"، وكلا النوعين لا يصلح أن يكون مصدرًا لتغذية راجعة صحيحة.
اقرأ أيضًا:محمد نصار يكتب: كيف نقلق بنجاح؟
فَمِمَّن أحصل عليها إذن؟!
لا تعني التغذية الراجعة أن تسأل كل مَن مرَّ في الطريق، فهناك محددات يجب أن تأخذها في الحسبان عندما تختار ناقدك المحب، توضحها تاشا أويرتيش في كتابها "البصيرة":
1- أولاً يجب أن يكون شخصًا يبادلك الثقة وتعرف أن مصلحتك تهمّه.
2- ابتعد عمّن تربطك بهم علاقات ممتدة مثل الزوجة أو الصديق المقرب جدًّا.
3- عنده فكرة واضحة عن الظروف التي تريد أن تسأله رأيه عنها (بمعنى عنده فكرة عن التعقيدات التي تكتنف وظيفتك مثلاً).
4- لا يخشى أن يعبر عن رأيه أمامك، وهنا لا ينفع موظفك الذي يهمه رضاك.
5- اسأل أسئلة محددة، وركز على موضوع واحد في كل مرة، مثلاً "هل أنا ممل في الاجتماعات؟"
وفي المحصلة تمدك التغذية الراجعة بتقييم موضوعي، فلو أن أحدهم وصفك بالأناني فهذا رأيه، ولو أن اثنين وصفاك بالصفة نفسها فمقتضى ذلك أنه نمط يتكرر في سلوكك، فيما لو أن شخصًا ثالثًا وصفك بالصفة عينها فذلك يرجح أن تكون حقيقة.. أنت أناني يا عزيزي.
ولتعلم أن عيوبًا كثيرة فينا لا نراها قد تكون سببًا في أننا نراوح في المكان نفسه منذ زمن.
فإن لم تكن ترى تلك العيوب فاقتحم عليها مكانها لدى الآخرين، وانتقِ ناقديك المحبين، واطلب منهم ألاّ يتورّعوا عن قول الحقيقة واستمع جيدًا.
لن يريحك ما سيقال لكن عزاءك أنك سترى كيف سيدفع ذلك وعيَكَ الذاتي أعمق، وربما يؤدي إلى تغيير مسارات مهمة في حياتك طال تعثرك فيها.