المخرج عبد الرحمن صندقجي لـ«الرجل»: الرؤية فتحت الأبواب.. وأنا أعشق القصص الحقيقية
الشاب السعودي عبد الرحمن صندقجي، بدأ مشواره بالحصول على شهادة الهندسة الصناعية من جامعة البترول والمعادن بالمنطقة الشرقية، لكن شغفه وأحلامه اتجهت لـ"صناعة" من نوع آخر، صناعة الفيلم الوثائقي بكل ما يتطلبه من مهارات فنية وتقنية، بعيدة عن العمل الوظيفي.
بحثه عن السبيل لإنتاج فيلم الوثائقي، قاده خلال سنوات دراسته الجامعية للتعرف على عدد من صناع الأفلام، تعلم منهم أبجديات صناعة الوثائقي، وعقد صداقة مع الكاميرا وبدأ يكسب ودها، وتعلم لغة الصورة والتصوير، وبدأ بتشجيع من الأصدقاء أول أفلامه عن مركز أبحاث النانو في جامعته، وتوالت بعدها الأعمال ونال على بعضها جوائز رفيعة.
المهندس الصناعي، والمهتم بإنتاج المحتوى المرئي الإبداعي، ومؤلف كتاب "الفيلم الوثائقي" عبد الرحمن حسن صندقجي متحدثًا لمجلة "الرجل" عن قصة نجاحه، وكيف وظف تخصصه الهندسي في عمله الوثائقي والتجاري.
اقرأ أيضًا:«توم كروز» يتصدر قائمة أعلى المشاهير أجرًا بـ 100 مليون دولار
ولد عبد الرحمن صندقجي في العاصمة "الرياض" عام 1987، ثم عاش وترعرع في المدينة المنورة.
تشكل قراره حول دراسته الجامعية بناء على قصة رواها معلمه عن أخيه وكيف أنه انتسب إلى قسم الهندسة الصناعية، وبات يستطيع أن يتعامل مع كثير من المشكلات، وأيضا لديه فرص وظيفية في معظم الشركات.
وقد تقدم لجامعة البترول والمعادن في الظهران بالمنطقة الشرقية، وجرى قبوله، يروي قائلاً: "منذ السنة التحضيرية الأولى بت مقتنعًا أكثر بأن التخصص مطلوب لمجالات عديدة، ويدخل في حل أي مشكلة، ويتشابك مع تخصصات كثيرة، ويتيح لك الانفتاح على كثير من الخيارات".
لكن بحثه واهتمامه بالفيلم الوثائقي كان حاضرًا، يضيف "خلال السنة الرابعة في الجامعة تعرفت على صناع الأفلام في المنطقة الشرقية، أذكر منهم الأصدقاء بدر الحمود، وعبد الله آل عياف القحطاني "الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام" وبدأت أتعرف على الكاميرات، والتصوير المحترف، وكيفية صناعة فيلم متكامل".
رفضت الوظيفة
لم تكن الوظيفة ضمن أحلامه أو خططه، بالرغم من أن الجامعة كانت تضع طلابها في هذا المسار، يشرح المهندس عبد الرحمن صندقجي قائلاً: "جرت العادة في السنة النهائية أن يجري تدريب الطلاب وتأهيلهم للعمل الوظيفي مدة سبعة أشهر، وكان من نصيبي العمل في مصنع لبطاريات السيارات، وهذا ناسب ميولي جدًا، خصوصًا أني كنت أميل لتصوير المصانع والصناعة بشكل عام، وهو ما شجعني لإنتاج فيلم وثائقي وإخراجه حول تاريخ صناعة البتروكيماويات في السعودية "المعجزة الصناعية" من إنتاج إم بي سي استوديوز وقد عرض على قناة "شاهد" عام 2021م".
ويضيف "من البداية كنت بعيدا كل البعد عن الحلم بالوظيفة الرسمية، لذلك لم أقدم أوراقي لأي شركة على الرغم من أن الجامعة تعمد إلى تخصيص يوم مفتوح للشركات والالتقاء بالطلاب وتقديم السيرة الذاتية لكل طالب، ومن ثم يكون هناك فرصة للوظيفة بعد التخرج".
الطريق إلى الوثائقي
عوضًا عن الالتحاق بالوظيفة والذهاب إلى المعامل، اتجه صندقجي إلى شركة تعمل في مجال صناعة الأفلام "الأون لاين" عام 2012م، وهذا ما فتح أمامه الكثير من الآفاق، ثم استقال منها بعد سنة وتفرغ لمشاريعه الخاصة، فأخرج وأنتج الفيلم الوثائقي الشهير "فوسفين" وغيره الكثير من البرامج والأفلام التي عرضت على إم بي سي وغيرها.
اقرأ أيضًا:أرقام خيالية لطلاق المشاهير.. أحدهم كلفه 38 مليار دولار!
ثم عمل في عام 2016 مدير مشاريع لشركة وقفية صاعدة في المدينة المنورة لمدة عامين.
وبحلول عام 2018 تغيرت الأوضاع اقتصاديًا لتصبح أكثر ازدهارًا وتطورًا -بحسب وصفه- ما شجعه لترك الوظيفة والانتقال لمسقط رأسه الرياض ليطرق باب حلمه مرة أخرى وليعود للكاميرا، والصورة، والشغف في صناعة محتوى مختلف الهوية والرؤية.
"فوسفين" الإشارة الأولى
بعد نضوج تجاربه الأولى اتجه صندقجي إلى تأسيس شركته الخاصة بسجل تجاري معتمد تحت اسم مؤسسة "بصر للإنتاج المرئي والمسموع" معلقًا: "استخرجت السجل التجاري الخاص بالمؤسسة في عام 1436، وأيضًا الترخيص الإعلامي الخاص بها، لأني عاشق للقصص الحقيقية، لم يستهوني التوجه للأفلام الروائية على الرغم من أن لي أكثر من تجربة فيها".
ويضيف: "أتذكر أن فيلمي الأول الذي لفت النظر ولامس قلب الحقائق هو فيلم "فوسفين" وهو فيلم وثائقي على نظام الاستقصاء الدقيق والجريء مدة نصف ساعة عن مادة سامة تستخدم عادة في صوامع الغلال، ومخازن الأغذية بعيدًا عن الناس حتى تقتل الحشرات، ولكن بعض العمال يستخدمون هذه المادة في كثير من البيوت والمنشآت السكنية، ومن ثم تنتشر هذه المادة السامة وتقتل البشر".
انتشر الفيلم بشكل كبير جدًا على وسائل التواصل الاجتماعي وحصد 4 ملايين مشاهدة على اليوتيوب خلال 5 أيام، ويضيف صندقجي "جرى استضافتي في الكثير من البرامج الحوارية كبرنامج الثامنة وصباح الخير يا عرب وغيرها، وجرى كتابة ما يزيد على 50 مقالاً وتقريرًا صحفيًا عن الفيلم، وكان الإشارة الأولى لنجاحي وتأكيدًا على أن هذا هو طريقي، وليشكل نقطة انطلاق مهمة على المستوى الشخصي والمهني والإعلامي".
شغف وتحديات
لم تكن الأفلام الوثائقية هي الوحيدة في رصيد المهندس صندقجي فقد عمل على أفلام يصنفها تحت اسم"أفلام الشغف" وعادة ما تحمل رسالة وتتحدث عن قضية ويشارك بها في المهرجانات السينمائية، ولا تتعدى الأربعة مشاريع "فوسفين، آل زهايمر، جليد، الكهف"، وأخرى "تجارية" وهي بالمئات.
ويشرح أن "أفلام الشغف لكل فيلم قصة وحكاية، فمثلاً "آل زهايمر" استغرق ما يقارب عامًا ونصف عام لإنتاجه، وكنا نعمل على تصوير معاناة مرضى ألزهايمر داخل منازلهم وكيفية التعامل مع الحالات، أما فيلم "جليد" فكان عن أول سعودية وسعودي يغوصان في القطب المتجمد الشمالي، وأما فيلم "الكهف" فيروي قصة استكشاف الكهوف والميكروبات الدقيقة التي بداخلها.
بعض هذه الأفلام حازت جوائز وعروضًا جماهيرية، أما ما يخص الأفلام التجارية والإعلانات فهذه بالمئات".
ويؤكد صندقجي أنه يستمتع بالفيلم الوثائقي وصناعة القصص الواقعية بالرغم من التحديات الكبيرة، ويضيف "عادة ما يتواجه منفذ العمل مع القدر والأحداث المختلفة الطارئة، وكل خطة تتغير مع تغير الوضع، فالمفاجآت والمصادفات كثيرة، وعلى القائم على العمل إيجاد الحلول سواء كانت ظواهر طبيعية، أو تحديات بشرية".
وأكد أن السر في تخطي هذه العقبات هو في "الإلمام بكل تقنيات التصوير، والكتابة، والإخراج، والتسويق، والإنتاج، وغيرها من المهارات المطلوبة لعمل متكامل.
أما فيما يخص تكلفة الفيلم الوثائقي فهي أقل من تكلفة الأفلام الروائية، وكل ميزانية تعتمد على عدة عوامل منها مكان التصوير، فريق العمل، الأدوات المستخدمة في التصوير وغيرها".
كتاب "الفيلم الوثائقي":
وثق صندقجي تجربته الإخراجية من خلال كتاب "الفيلم الوثائقي" تناول فيه كيفية إخراج الأفلام الوثائقية وإنتاجها، وقدمه لكل من يريد اختصار المشوار وتعلم أسرار الصنعة، والاستفادة من تجربته.
ويكشف أنه كانت تنتابه رغبة شديدة في تأليف كتاب يجمع كل ما يتعلق بصناعة الأفلام الوثائقية.
ومع أنه قدّم دورة تعليمية عبر الانترنت، لكنه يعتقد أن هناك أشياء لا يمكن نقلها عبر الفيديوهات التعليمية بنفس الجودة والعمق.
ويضيف "الكتاب يعطيني مساحة أفضل وأكبر للتعبير والإبحار في المجال.
السبب الآخر وجدت شحًا كبيرًا في الكتب المختصة بالأفلام الوثائقية الناطقة بالعربية في السوق السعودي، وجميع المصادر الموثوقة والمؤثرة عالميًا هي باللغة الإنجليزية، فكانت هذه مبادرة مني استغرقت عامين من الكتابة والتعديل، وتم طرحه للعامة في سبتمبر 2021 من خلال معرض الكتاب الذي أقيم في الرياض، إضافة إلى أنه حاليًا كتاب يدرس في عدة جهات تعليمية سعودية ويجري الاختبار فيه".
اقرأ أيضًا:7 أشخاص عاديين يشبهون المشاهير
وأوضح أن كثيرًا من الشباب انتهج الطريق نفسه مؤخرًا، خصوصًا مع تطور السعودية فيما بعد الرؤية، ما جعل المطالبة تزيد بتسليط الضوء على كثير من المرافق الحكومية والخاصة عن طريق الأفلام الوثائقية.
النخلة الذهبية
"حتى مرحلة معينة من حياتي كانت الجوائز تمثل لي أهمية كبرى" هكذا كانت كلمات المهندس صندقجي عندما تحدثنا عن الجوائز التي استحقها مقابل كثير من الأفلام الناجحة، مضيفًا: "حرصت جدًا على الوجود في مهرجان أفلام السعودية وأذكر أنني كنت فيه منذ الدورة الثانية، وحاليًا المهرجان في دورته الثامنة، وأتذكر في الدورة الثانية كنت قد قدمت فيلمًا بسيطًا لم يحصد أي جائزة، وعندما شاهدت جميع الأفلام المشاركة فوجئت من المستوى الرائع في الإنتاج، ما رفع لدي سقف الطموح وقررت المشاركة في الدورة القادمة بفيلم وثائقي مهم.
وبالفعل شاركت بفيلم "آل زهايمر" وحصلت على جائزة المهرجان، وفي الدورة الرابعة شاركت بفيلم "جليد" الذي كان من تمويلي الشخصي، وأحرز أثرًا ملموسًا وحصد جائزة لجنة التحكيم كأفضل فيلم وثائقي "النخلة الذهبية"، إضافة إلى
الأبواب فُتحت
وأوضح صندقجي أن المشهد الثقافي السعودي تغير تمامًا بعد رؤية المملكة 2030 حيث فتحت كثيرًا من الأبواب التي لطالما كانت موصدة سابقًا، إضافة إلى التسهيلات الحالية المتوفرة من قبل الجهات الحكومية والخاصة، وتقبلهم لصانعي الأفلام الروائية والتجارية والوثائقية بدون أي جدل أو حرج.
أما عن رؤيته الشخصية خلال السنوات القادمة فأكد أن الفرص المتاحة مستقبلاً لا تزال مجهولة أمامه والحياة رحلة متغيرة الأحوال، كثيرًا ما تفاجئه بفرص ذهبية ومفاجئة ما بين الأفلام التجارية، والوثائقية، والروائية.
ولكنه متفائل جدًا بما سيلقاه في طريقه في المستقبل.