درجة حرارة الغرفة.. كيف تقيسها ولماذا يجب أن تهتم؟
غالبًا ما يواجه أفراد الأسرة الواحدة اختلافات في تفضيلاتهم لدرجة حرارة الغرفة المثالية. فبينما قد يشعر أحدهم بالراحة عند ضبط حرارة الغرفة على 20 درجة مئوية، قد يجد آخر نفس الدرجة باردة أو دافئة بشكل غير مريح. يعكس هذا الاختلاف احتياجات الأفراد بناءً على عدة عوامل مثل العمر، والنشاط البدني، والحالة الصحية، وحتى العادات اليومية.
فعلى سبيل المثال، قد يفضل الأطفال درجة حرارة أعلى ليلعبوا بحرية دون أن يشعروا بالبرد، بينما قد يحتاج كبار السن درجة حرارة منخفضة قليلًا بسبب تباطؤ عمليات الأيض لديهم. ولكن لحظة؛ ما هي درجة حرارة الغرفةٍ أصلًا؟
ما هي درجة حرارة الغرفة؟
ببساطة شديدة، تُشير درجة حرارة الغرفة إلى نطاق درجات الحرارة التي يشعر عندها معظم الأشخاص بالراحة أثناء تواجدهم في المنازل وهم يرتدون ملابسهم المعتادة. يختلف هذا النطاق بناءً على عدة عوامل -سنتناول أهمها بعد قليل-، غير أن أهمها المناخ المحلي الذي يؤثر على تفضيلات الأفراد.
ولا يُعد مصطلح "درجة حرارة الغرفة- Room temperature" مُصطلحًا عالميًا مُتفقًا عليه من حيث التعريف، والحقيقة أن العالم الدنماركي بوفل أولي فانجر Povl Ole Fanger كان له دورٌ أساسي في ظهوره، إذ أجرى أبحاثًا لتحديد درجة حرارة الغرفة المثالية لجسم الإنسان واضعًا في الاعتبار معدل الأيض، وما نرتديه من ملابس، وتأثير الهواء، ومُعدل الرطوبة، وغيرهم من العوامل المؤثرة.
تجربة فانجر كان لها دور كبير في تصميم ما يُسمى بأنظمة "التدفئة، والتهوية، وتبريد الهواء" أو الـ "Heating, Ventilation, and Air Conditioning" (تُسمى اختصارًا بالـ HVAC)، والتي تدخل في تصميم الأبنية الصناعية والمكاتب، وظلّت -تجربة فانجر- الأساس للمعايير الدولية لدرجة حرارة الغرفة.
وتختلف أيضًا درجة الحرارة التي يُفضلها الأشخاص حسب النطاق الجغرافي، والعمر، وحتى الجنس. على سبيل المثال، يُفضل الكثير ممن يعيشون في الغرب درجة حرارة تتراوح بين 68 و74 فهرنهايت -حسب الموسم-، في حين يُفضل كثيرٌ ممن يعيشون بالشرق الأوسط درجات حرارة أعلى قد تصل إلى 80 فهرنهايت نظرًا لارتفاع الحرارة لديهم بالعموم، ومؤخرًا بالأخص.
العوامل المؤثر على حرارة الغرفة
اتفقنا أن مصطلح "درجة حرارة الغرفة- Room Temperature" ليس بالمصطلح الدقيق أو المُتعارف عليه، وإنما "درجة حرارة الأماكن المُغلقة- Indoor Temperature"، وإليك العوامل المؤثر في هذا المصطلح الأشمل:
1. الرطوبة النسبية
ملحوظة: الرطوبة النسبية هي نسبة الرطوبة الموجودة في حجمٍ مُحدد من الهواء إلى نسبة الرطوبة الكلية التي يستطيع هذا الهواء تحملها عند درجة حرارة مُعينة.
يُعد الحفاظ على درجة مناسبة من الرطوبة النسبية في الأماكن المُغلقة أمرًا في غاية الأهمية للحفاظ على الراحة والصحة، فإذا كان الهواء جافًا جدًا، فإنه قد يُهيّج الأغشية المخاطية مما يؤدي إلى ارتفاع احتمالية الإصابة بالأمراض، على الجانب الآخر، فللرطوبة الزائدة أضرار أيضًا لأنها قد تُشجع على نمو العفن مثلًا. باختصار، لا بد وأن تتوفر درجة مناسبة من الرطوبة للعيش في بيئة صحية. تحتوي بعض الأنظمة على أجهزة استشعار وتقنيات متقدمة لمعالجة الهواء والتأكد من وجود درجة الرطوبة المناسبة مما يحافظ على الصحة ويضمن الراحة.
2. الضوء
نعم، يؤثر الضوء على درجة حرارة الغرفة بشكلٍ واضح، فالضوء الطبيعي، أو ضوء الشمس، الذي يأتي من النوافذ يزيد من حرارة الغرفة وهذا بيّن، ناهيك أنه يؤثر بشكل إيجابي على الصحة والحالة الجسدية، وهذا بعكس الضوء الاصطناعي الذي لا يفعل ذلك، ولكن هذا لا ينفي فوائده الأخرى مثل ضمان إنارة الغرفة طوال الوقت.
اقرأ أيضًا: رهاب فقدان الهاتف المحمول.. إلى أي درجة تتعلّق به؟
3. الملابس
على الرغم من أن الملابس لا تؤثر مباشرة على درجة حرارة الغرفة، فإنها تؤثر على شعورنا بهذه الحرارة كونها تعمل كعازل، وهذا بدوره يساعد على تدفئتنا في الظروف المناخية الباردة، لا سيما إن كنا نرتدي ملابس ثقيلة، وفي نفس الوقت يمكن للملابس أن تُخفف من حدة الحرارة إذا كانت خفيفة أو قطنية لأنها تمتص العرق وتسمح بتبخره مما يساعد على تبريد الجسم. الشاهد أن اختيارك للملابس أمرٌ مهم جدًا للتكيف مع درجات الحرارة.
4. الصوت
نفس الشيء بالنسبة للصوت، فهو لا يؤثر على درجة حرارة الغرفة أو الأماكن المغلقة ذاتها، إلّا أنه قد يؤثر على الإنسان، فبعض الأنظمة تُصدر أصواتًا مزعجة مع تراكمها قد تضر بالكائنات الحية، على سبيل المثال، يمكن أن تتسبب الأصوات المزعجة بتوتر الإنسان، واضطراب نومه، وبالطبع التأثير على السمع، وبالتالي يجب معالجة هذه المشاكل إن وُجِدَت بمكيفات الهواء مثلًا وعدم الاستهانة بالأمر.
5. مدى نقاء الهواء
من المفترض أن الدور الأساسي لأنظمة التهوية ventilation system هو إزالة الملوثات الموجودة بالهواء المحيط، وذلك بالاعتماد على أكثر من طريقة مثل قياس مستويات ثاني أكسيد الكربون CO2 بالجو، فضلًا عن المواد العضوية المتطايرة VOCs (مركبات كيميائية لها تأثيرات ضارة على الصحة)، وغيرهم. هذه العوامل تُؤثر على مدى نقاء الهواء وبالتبعية على حرارة الغرفة والأماكن المُغلقة ومن فيها.
قبل أن ننتقل للجزئية القادمة، والتي سنتحدث فيها عن متوسط درجات الحرارة الموصّى بها للغرفة أو للأماكن المغلقة، يجب أن نُشير لوجود عوامل أخرى تؤثر على الحرارة وعلى الكائنات الحية بالتبعية، إلا أن ما ذكرناه هو أهمها.
درجات حرارة الغُرفة الموصّى بها
يختلف الأمر من منطقةٍ لأخرى كما أشرنا، ففي المملكة المتحدة مثلًا يُوصّى أن تكون حرارة الغرفة أو المنزل بين 18-22 درجة مئوية، وهو "النطاق الحراري" المناسب لمعظمنا، ومع ذلك، من المهم أن تعرف أن لكل غرفة بمنزلك درجة حرارة مختلفة تعتمد على طبيعتها.
على سبيل المثال فإن درجة الحرارة المثالية لغرفة المعيشة من المفترض أن تكون بين 20-22 درجة مئوية، فهي الغرفة التي نقضي فيها وقتًا طويلًا لنسترخي، وبالتالي يجب أن تكون أدفأ قليلًا من غيرها، وبالمثل، يجب أن تكون الحمامات وغُرف الأطفال أكثر دفئًا (بين 22 و24 درجة مئوية)، في حين أن درجة حرارة المطبخ المثالية يُفترض أن تكون بين 18 و20 درجة مئوية نظرًا للتقلبات في الحرارة والرطوبة، وبالمناسبة، هذه الحرارة مثالية أيضًا للنوم، وبالتالي يجدر أن تكون درجة حرارة غرف النوم بين 18 و20 درجة مئوية.
إذا كنت تتساءل عن درجة حرارة الممرات وغُرف التخزين، فمن المفترض أن تكون أقل قليلًا، وتحديدًا بين 15 و18 درجة مئوية.
ما هي درجة الحرارة المثالية لكلٍ من:
كِبار السن؟
يحتاج كبار السن إلى التواجد في الأماكن الدافئة، وبخاصة في خلال الأشهر الباردة، للأسباب صحية. تنصح هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS بالحفاظ على الحد الأدنى من درجة الحرارة لكبار السن الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق أو الذين يعانون من ظروف صحية موجودة مسبقًا وهو 18 درجة مئوية. إن التأكد من دفء غرف النوم لكبار السن يعفيهم من تيارات الهواء التي قد تضرهم ويساعدهم على أن ينعموا بليالٍ مريحة ودافئة.
اقرأ أيضًا: ما سر برودة رخام المسجد الحرام رغم ارتفاع درجة الحرارة؟ (فيديو)
الأطفال؟
من الضروري أن تتأكد من أن الطفل يحظى بأفضل درجة حرارة ممكنة في جميع الأوقات، فوفقًا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS أيضًا، يجب أن ينام الطفل في غرفة تتراوح حرارتها بين 16 و21 درجة مئوية على أن تكون الدرجة الأعلى هي الأفضل. يُمكن أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى زيادة خطر الإصابة بمتلازمة موت الرُضّع المفاجئ SIDS، ناهيك أن انخفاض درجات الحرارة بشكلٍ ملحوظ يمكنه أيضًا -لا قدّر الله- أن يودي بحياة الطفل.
الحيوانات الأليفة؟
تلعب العديد من العوامل المختلفة دورًا في تحديد درجة حرارة الغرفة المثالية لحيوانك الأليف، مثل السلالة والحجم والعمر والوزن ونوع الفراء وصحته نفسها، ولكن في العموم؛ تشعر معظم الحيوانات الأليفة بالراحة في درجات الحرارة التي تتراوح بين 20 و22 درجة مئوية، ويمكن القول بأنك إذا كنت مرتاحًا في المنزل، فحيوانك الأليف سيكون كذلك.
جديرٌ بالذكر أن الحرارة المرتفعة تؤثر على الحيوانات أكثر من المنخفضة، إذ لا نجد القطط تتعرق مثلًا، ناهيك أن فروها يعمل على اختزان الحرارة وهذا ما يجعل الكثير منها يعاني من الإنهاك الحراري بالمناسبة عندما يكون الطقس صيفيًا حارًا.
ماذا يحدث إذا كانت غرفتك حارة جدًا؟
وجد الباحثون أنه كلما كانت الغرفة أكثر دفئًا، كان من الصعب على من بها التركيز، وبالتالي إذا كنت طالبًا فمن الأفضل ألا ترفع حرارة الغرفة لتكون بكامل نشاطك العقلي أثناء المذاكرة مثلًا. وبصرف النظر عن التأثيرات الصحية لدرجات الحرارة المرتفعة، فالموضوع له شقٌ بيئي، إذ بتشغيل المدفئة مثلًا -وبصرف النظر عن أضرارها أيضًا-، ستزداد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولا تستهن بالأمر لأن حرارة الصيف الحارقة التي أصبحت تشتد صيفًا تلو الآخر لم تكن لتصل لهذه المستويات لولا غازات الاحتباس الحراري.
ماذا يحدث إذا كانت غرفتك باردة جدًا؟
على الجانب الآخر، وبعيدًا عما للبرودة القاسية من سلبيات واضحة على مدى راحتنا، فإنها تزيد من فرص التأثير على صحتنا بشكلٍ واضح، فالبيئات الباردة والرطبة تُعزز من نمو العفن، وهو بدوره ما قد يؤدي إلى الحساسية واحتمالية الإصابة بمشاكل في الجهاز التنفسي مثل الربو.
نستشف من ذلك أننا يجب أن نُحافظ على درجات الحرارة المُوصّى بها في فصول السنة المختلفة، ولنفعل ذلك علينا أولًا معرفة درجة حرارة الغرفة أو المكان المُغلق الذي نتواجد فيه، وهذا يأخذنا للجزء الأخير في هذا المقال.
كيف تعرف درجة حرارة الغرفة؟
الإجابة الواضحة هي باستخدام منظم الحرارة أو ما يُعرَف بالثرموستات thermostat، ولكن أحيانًا يُظهر هذا الجهاز درجة حرارة معينة لا تُعبر عما نشعر به، على سبيل المثال قد يُظهر أن درجة الحرارة هي 25 درجة مئوية ومع ذلك تشعر بالبرودة الشديدة، وهذا يعني أنه قد يكون معطوبًا وبالتالي يجب التأكد باستخدام ثرموستات آخر أو باستخدام هاتف ذكي!
أجل، فعلى الرغم من أن معظم الهواتف الذكية لا تحتوي على مستشعر الثرموستات (بعض الهواتف القديمة مثل الـ Samsung Galaxy S4 وNote 3 كانت تحتوي عليه)، فإنها يمكن أن تتصل بمستشعر خارجي لقياس درجة الحرارة، وهذه وسيلة أكثر دقة. فقط قم بتحميل التطبيق الخاص بجهاز الثرموستات واربطه بهاتفك الذكي عن طريق البلوتوث أو الواي فاي ثم قس درجة الحرارة.
ختامًا، تُعد درجة حرارة الغرفة، أو بالأحرى درجة حرارة الأماكن المُغلقة، من أهم الأشياء التي يجب مراعاتها لأنها تؤثر على حياة الإنسان بشكل ملحوظ قد لا يتخيله.