أشرطة ألوان التلفاز.. تاريخ لا يغيب
ربما لا تكون على علم بالحقيقة التي مؤداها أن لكل جزء من تصميم شريط الألوان، وهو أكثر أنماط اختبار التلفاز شيوعًا، هدفًا محددًا. وإليك آلية ذلك بالتفصيل.
أنت في الغالب تجهل أيا من نوربرت دي لاركي أو ديفيد دي هولمز، لكنك قطعا قد شاهدت بأم عينك عملهما آلاف المرات في حياتك.
لقد كان هذا العمل هو الشيء نفسه الذي كان موجودًا في عقول الأشخاص الذين تركوا جهاز التلفاز في وضعية التشغيل على قناة كابل في منتصف الليل، وهذا أيضا هو الشيء نفسه الذي تراه عندما تواجه المحطة مشكلة أو خللاً من نوع ما وترغب في ملء وقت البث عليها طوال الـ24 ساعة.
شريط الألوان: تاريخ لا يُنسى
وخلاصة القول فقد استحدث لاركي وهولمز شريط الألوان، أحد أكثر أنماط الاختبار شهرة في العالم في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.
أنت تعرف نمط الاختبار هذا بأشرطة الألوان الزاهية التي يصعب تقويتها. ولربما كان نمط الاختبار هذا هو الأكثر شهرة على نطاق واسع، ولكن أنماط الاختبار، بوجه عام، كانت ولا تزال عنصرا جوهريا في جهاز التلفاز منذ البدايات الأولى تقريبًا.
اقرأ أيضا: مشاهدة التلفاز 5 ساعات تسبب الوفاة
وقال داستن تاهماكيرا، الأستاذ المشارك في برنامج الدراسات الهندية الأمريكية بجامعة إلينوي الأمريكية، في معرض حديثه عن الطبيعة المبسطة والنمطية لتوضيح "الرأس الهندي"- رسم لرجل أمريكي من السكان الأصليين يرتدي غطاء رأس، والذي اُستخدم في أنماط اختبار التلفاز المبكرة في كتابه الصادر في العام 2014 والذي يحمل عنوان "التلفزيون القبلي: مشاهدة السكان الأصليين في كوميديا الموقف": " كممثل هام على الشاشة للعالم الجديد للبرامج التليفزيونية الناشئة التي ظهرت خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، دخل نمط الاختبار في عالم قائم بالفعل من وسائل الإعلام الجماهيرية القوية الاستعمارية الاستيطانية والسيطرة على تمثيلات الهنود".
وأضاف تاهماهكيرا، وهو مواطن من أمة كوماتشي Comanche Nation of Oklahoma والتي تقع في مدينة لوتون في أوكلاهوما، والمتخصص في البحث عن صور الأمريكيين الأصليين في وسائل الإعلام إن تلك كانت إحدى الصور القليلة السائدة للأمريكيين الأصليين في الثقافة الشعبية آنذاك (يطلق عليها تاهماهكيرا "أول هندي مشهور على شاشة التلفزيون") ، وقارن هذه الصورة بالنوع المستخدم على العملات مباشرة قبل استخدام نمط الاختبار.
والشيء الذي يدعو إلى الحزن والأسف هو أن الأشخاص الذين يُعزى إليهم كُل الفضل في اختراع نمط اختبار اللون لم يحظوا بالإشادة العامة الكافية جزاء على ما صنعوا.
وفرضًا أنك تطالع صفحة نعي الوفيات في إحدى الصحف – ولتكن "لوس أنجلوس تايمز" - وترى السطور التالية وهي تظهر بارزة أمام عينيك:
لقد حصل ديف على شهادتيه في مجالي الهندسة والإلكترونيات من جامعة ليهاي، بينما حصل على شهادتي الماجستير من جامعة برينستون. يتمتع ديف بمسيرة مهنية متميزة حيث حصل على 13 براءة اختراع مسجلة باسمه، بما في ذلك التلفاز الملون ونمط اختبار الألوان.
اقرأ أيضا: بالفيديو.. احترس جيداً إذا كنت ترغب في اقتناء هذا التلفاز الذكي !
هل يمتلك هذا الشخص براءة اختراع خاصة بالتلفاز الملون؟ ألا يوجد نعي معلن له؟
وربما كان هذان هما السؤالان اللذان طرحهما قراء صحيفة "التايمز" في أغسطس من العام 2018 ، حينما نُشر نعي نوربرت ديفيد لاركي البالغ من العمر حينها 91 عامًا (كان يُدعى بوجه عام باسمه الأوسط) في الصحيفة.
لكن يتضح جليا أن "لوس أنجلوس تايمز" قد فوتت على نفسها فرصة ذهبية، حيث حصل نوربرت دي لاركي ومعه أيضا ديفيد دي هولمز، وبشكل قانوني، على أول براءة اختراع تتعلق بنمط اختبار الألوان، وكان ذلك في العام 1956، بعد أن تقدما للحصول عليها في العام 1951.
وللأمانة فإن المفهوم ذات الصلة بفكرة عمل التلفاز الملون ظهر حتى قبل لاركي، ولكن بوصفه كان موظفًا في شركة RCA التي ابتكرت التلفاز الملون، فقد طور لاركي بالفعل بعض براءات الاختراع الرئيسة في هذا الخصوص.
وثمة دليل دامغ يثبت حصول لاركي وهولمز على براءة الاختراع الأولية لهذا الاختراع، على الرغم من أنهما كانا يتنافسان مع آخرين على الهدف نفسه في الوقت نفسه تقريبا. فعلى سبيل المثال، كتب تشارليز جيه. هيرش من شركة Hazeltine المتخصصة في التكنولوجيا، مقالة مطولة للمجلة الأكاديمية Advances in Electronics and Electron Physics في العام 1953، حيث وصف فيها التطورات التي أدخلتها شركته على التلفاز الملون، بما في ذلك مناقشة تناولت صناعة أشرطة ملونة.
تظل أشرطة الاختبار هذه، خلال مراحل تطورها – والتي أبصرت أحدثها النور في العام 2002 لحساب تقنية التلفاز عالي الدقة HDTV – ذات أهمية بالغة في صناعة التلفاز، لأنها تمكن المهندسين من ضبط أنظمة الألوان كي تتطابق بشكل صحيح مع ما هو موجود على الشاشة وتعديله وفقًا لذلك.
ولكن، من حيث التفكير في صورة أكبر، تمثل أشرطة الاختبار هذه بعضا من أولى الرسومات الجرافيكية التي تم إنتاجها إلكترونيًا والتي عُرضت على الشاشة على الإطلاق – وهو ما يعد تطورًا مهمًا جدًا في عالم توجد فيه الرسومات الجرافيكية في كل مكان. (على الرغم من أن الرسومات جزء أساسي من عالم الحوسبة اليوم، فإنها لم تصبح سائدة على أجهزة الحواسيب حتى سبعينيات القرن الماضي، عندما استخدمت المحطة الطرفية المتنقلة للوسائط المتعددة MTM الشاشات بدلاً من الطابعات).
اقرأ أيضًا: 3 ساعات يومياً أمام التلفاز تزيد خطر الوفاة المبكرة
وقبل ظهور تلك الأشرطة الملونة، كانت تُستخدم مجموعة متنوعة من الصور المختلفة بالأبيض والأسود، وأبرزها رسم "الرأس الهندي" الجرافيكي الذي صممته شركة RCA في العام 1938، والذي أصبح أول صورة اختبار تكتسب شعبية في ذلك العصر.
وسلط الكاتب جون آر. ميجر في مقال نُشر في مجلة "راديو إليكترونيكس" الأمريكية المتخصصة في الإليكترونيات في العام 1948 الضوء على ضرورة أنماط الاختبار هذه في ذلك الوقت.
جدير بالذكر أن أجهزة التلفاز المبكرة قد استلزمت الكثير والكثير من حيث طريقة الضبط المستمر، مما يعني أن الإرشادات التي ساعدت مالكي القنوات المتلفزة على اختبار منحنى الصورة والتركيز العام والتظليل والتشابك كانت ضرورية.
وقال ميجر في مقالته: "لا يوجد نمط اختبار قياسي مُستخدم بشكل عام. ومع ذلك فإن أقرب شيء إلى المعيار هو المنظار الأحادي
وقد اقترحت [رابطة مصنعي الراديو] "مخططا قياسيًا دقيقًا، ولكن لأسباب مختلفة لم يتم اعتماده من قبل محطات التلفاز لاستخدامه في الهواء".
وقد عُرضت هذه الصورة، خلال حقبة التلفاز المبكرة، عدة مرات في اليوم على شاشات بعض القنوات، جنبًا إلى جنب مع إشارة صوتية جيبية مصاحبة، والتي كانت تنطلق بوجه عام عند تردد 1 كيلو هرتز.
وبمضي الوقت، صارت أشرطة الألوان مألوفة لمشاهدي التلفاز أكثر من نظيراتها بالأبيض والأسود. (وقد يكون هذا أمرًا جيدًا، إذ كان نموذج الاختبار بالأبيض والأسود يستخدم صورة نمطية للأمريكيين الأصليين).
وبجانب الأسباب الفنية لوجودها، كانت تُستخدم أشرطة الألوان، في باديء الأمر، للمعايرة في أجهزة التلفاز الملونة القديمة، قبل أن تتطور وتُستخدم الآن كوسيلة لضمان مستويات اللون والسطوع في الشاشات الحديثة من جميع الأنواع. وليس من المبالغة القول إن أشرطة الألوان أضحت أيقونة ثقافية شعبية مستقلة بذاتها.
فعلى سبيل المثال تظهر لعبة الهاتف المحمول "إتش كيو تريفيا" HQ Trivia فورا على أشرطة الألوان قبل بدء اللعبة مباشرة، وهو ما يتيح المزج بين لمسة عصرية وبين مظهر كلاسيكي.
وعلى الرغم من أن إصدار NTSC (اختصار للجنة القومية لنظام التلفاز وهو نظام للبث التلفزيوني التناظري في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك والفلبين وٍكوريا الجنوبية وتايوان وبعض الدول الأخرى) هو الأفضل على الأرجح، لكنه ليس الإصدار الوحيد الذي يتعرف عليه عدد كبير من الأشخاص.
فخارج أمريكا الشمالية، ظهر إصدار PAL شديد التعقيد والذي طورته شركة "فيليبس" الشهيرة للإليكترونيات في أواسط الستينيات من القرن الماضي، بشكل متكرر على شاشات التلفاز في مناطق مختلفة من العالم على مر السنين.
وفي نهاية الأمر أضحت الصور المتلفزة أكثر سلالة من حيث الضبط، وهو ما يعني سبب الاستخدام المنتظم لأشرطة الألوان وأنماط الاختبار الأخرى كان أقل أهمية على أساس منتظم، بيد أن تلك الأشرطة صارت جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحياة العصرية، لاسيما على قنوات الكابل التي لم يكن لديها محتوى يكفي لملء يوم كامل.
لماذا يبدو نظام شريط الألوان NTSC على تلك الشاكلة؟
شهد نمط اختبار شريط الألوان تطورًا جذريًا ولمرات عدة على مر السنين، وذلك بهدف تغطية أنظمة ألوان مختلفة، بدعم من المباديء التوجيهية الأساسية لمجموعات NTSC التي تديرها جمعية مهندسي الصور المتحركة والتلفزيون.
ويوضح الفيديو المبين أعلاه، تطور التسلسل الدقيق لأشرطة الألوان منذ ظهورها للمرة الأولى في العام 1954 - حيث احتلت الأشرطة السفلية، وهي جزء صغير من تسلسل الاختبار في الوقت الحالي، مساحة تزيد عن نصف الشاشة.
تصميم شريط الألوان
ومع ذلك فإنه حتى إذا تطور التصميم العام، وأضحت حالة الاستخدام أضيق نوعًا ما، فإنها تبقى شائعة على نحو لا يصدق.
ولعل تصميم أشرطة الألوان التي تحظى بالشهرة الأكبر على الإطلاق هو ذلك الذي الذي وضعته جمعية مهندسي الصور المتحركة والتلفزيون في العام 1978، وقد خضع هذا التصميم للتحديث في العام 1990، وهو يستخدم ثلاثة صفوف من الأشرطة.
الصف الأول من تلك الأشرطة والذي صُمم خصيصا لإظهار حقل لون أساسي، يعول على مزيج عام من الألوان الأساسية الثلاثة - الأحمر والأخضر والأزرق - في مجموعات مختلفة تبدأ من الأبيض (على الرغم من أنه يتم عرضه على أنه لون رمادي عمليًا )، ثم تنتقل إلى اللون الأصفر (مزيج من الأحمر والأخضر)، والسماوي (مزيج من الأخضر والأزرق)، والأخضر، والأرجواني (مزيج من الأحمر والأزرق)، والأحمر، والأزرق. (تضيف بعض المتغيرات، بما في ذلك المواصفات الأصلية للعام 1954 وإصدار HDTV الأحدث، درجات اللون الرمادي أو الأسود).
وعلى شاشة التلفاز، تظهر هذه الكتل على شكل صف من الألوان. ومع ذلك فإنه إذا ما نظرت إلى الأشرطة على شاشة، ستجد أنها ستعرض الألوان على شكل تصميم درجات السلم، بهدف إبراز مقياس السطوع، حيث سيوجد اللون الأكثر سطوعًا على اليسار، فيما سيوجد اللون الأغمق على اليمين.
والصف الثاني الصغير، الذي تمت إضافته في إصدار العام 1978 من أشرطة الألوان، فهو موجود بشكل أساسي كنظام محاذاة للون من المعادلة. وإذا ما كان يروق لك عرض نسخة زرقاء من الشاشة فقط، كما تفعل الكثير من الأدوات والأجهزة الاحترافية، فستتطابق الأشرطة الوسطى بشكل وثيق مع الجزء العلوي. ونتيجة ذلك هي أنه سيكون في مقدورك قياس تدرج اللون والتشبع على نحو سريع وموضوعي، وهو ما سيفيدك إذا كنت، على سبيل المثال، تعمل مع الكثير من معدات الفيديو وتحتاج إلى معايرتها.
أما الصف الأخير فيحتوي على كتلة بيضاء ذات كثافة كاملة وآخرى سوداء ذات كثافة منخفضة. وإضافة إلى الكتل الأخرى - كتلة أرجوانية وزرقاء باهتة تُستخدم لضمان إزالة تشكيل إشارة اللون بشكل صحيح، وسلسلة من الأشرطة السوداء القصيرة تساعد في معايرة المستويات السوداء على الشاشة - يعمل الصف السفلي بشكل فعال للمساعدة في ضبط الإعدادات المختلفة.
وبناء عليه يكون في استطاعتك معايرة الشاشات بشكل متسق ومثالي في جميع المجالات - وهو شيء كان ولا يزال مهما في عالم إنتاج الفيديوهات، حتى لو كانت أجهزة التلفاز الحديثة لدينا تحتاجه بدرجة أقل.
إن تصميم شريط الألوان، الأكثر تعقيدًا مما يبدو ، منتشر تمامًا في الحياة الحديثة لدرجة أننا نتجاهله نوعًا ما.
لكن أحد الأشخاص الذين لم يتجاهلوه كان ديفيد دي هولمز، المؤسس المشارك الراحل لأشرطة الألوان، والذي توفي في العام 2006. ففي أعقاب وفاته، أُرسلت رسالة عبر البريد الإلكتروني كان قد سبق وأن أرسلها إلى أفراد عائلته، إلى موقع إنتاج الفيديو الجامعي Video University. وكان لمولد شريط الألوان الذي ابتكره تأثير واضح على الثقافة الحديثة.
وكتب هولمز إلى أفراد الأسرة في العام 2005 "لاحقًا، عندما كنت أسافر حول العالم، رأيت مولدات شريط الألوان في كل مكان. كان هناك عشرات الآلاف منها".
وأضاف هولمز: " إذا شاهدت أي غرفة أخبار على شاشة التلفاز، فمن المحتمل أن ترى أشرطة ملونة على أحد الشاشات. تظهر تلك الأشرطة على الهواء بين الحين والآخر من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في لندن وغيرها. إنها تماما مثل أول شريط ألوان ابتكرته قبل 55 عامًا".
لكن بالطبع ما يجعلك تشعر بالآسى والحزن هو أن أيا من هولمز أو لاركي قد تلقى إشعارًا واسعًا لهذا الاختراع الذي لا يزال قيد الاستخدام في المنشآت الخاصة بإنتاج الفيديو على مستوى العالم.
ثمة برامج متلفزة وأفلام لم تحظ سوى بانتشار أقل من الأشرطة الملونة على مر السنين، وقد ظهرت ثم اختفت. لقد تغيرت أشرطة الألوان بالتأكيد - كان يجب أن تتغير إلى حد ما، نظرًا للحقيقة التي مفادها أن أحجام الشاشة لدينا قد تغيرت - لكنها ظلت ثابتة، ليس فقط لاختبار جودة الصورة، ولكن باعتبارها جزءًا أيقونيا من التلفاز الذي تعد جزءًا لا يتجزأ منه.
وبناء على ما سبق يتعين عليك أن تحتفي بهذا الاختراع الرائع من خلال مشاهدته على شاشتك لفترة من الوقت.