رائد الأعمال بدر الشيباني لـ« الرجل»: ألفت كتابين وتسلقت 5 قمم وزرت 88 بلدًا
جمع من كل بحر قطرة، فهو صيدلي بشهادة أكاديمية، ورائد أعمال يشغل منصب المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة "كاي" القابضة، وهو رياضي منذ الصغر، ومغامر يعشق التحديات، تسلق حتى اليوم 5 قمم، وهو كاتب إعلامي أصدر عدة كتب منها "انفصل لتتصل"، يتحدث من خلاله عن رحلة التحول التي مر بها.
الدكتور بدر الشيباني متحدثًا لمجلة "الرجل" عن ريادة الأعمال، وكيف تحول من الصيدلة إلى أول نادٍ رياضي، ومن ثم كيف عشق المغامرة بكامل تفاصيلها، وماذا قال عن القطب الجنوبي وصعابه، ولماذا قال في كتابه "أتمنى أن أوقف الزمن وأنظر قليلاً إلى السماء".
تحولات متلاحقة
حين أنهى الثانوية، قدّم أوراقه لجامعة الملك سعود بالرياض بقصد دراسة الطب، لكن اختباره في السنة التحضيرية لم يؤهله لدخول كلية الطب، فتحول لدراسة الصيدلة الإكلينيكية، وأعجب بهذا التخصص.
يوضح "استهوتني علوم الصيدلة فكانت دراسة طبية من جهة، ومن جهة أخرى تتعرف على تركيب الأدوية. وعلى الرغم من أن المجموع يؤهلني للعودة للطب، لكني لم أفعل، وبعدها قررت التوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية والحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، فقد كانت الخطة أن أصبح زميلاً أكاديميًا داخل أروقة الجامعات السعودية، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر حالت بيني وبين هذا الحلم".
فبعد عام واحد من وجوده في الولايات المتحدة تقررت عودته لأرض الوطن، ما تسبب له في حالة من الإحباط والحزن، أدخلته في دوامة من الانفصال الواقعي، لكن كان هناك باب آخر ينتظره، يقول "على الرغم من حالة الحزن الشديد التي كنت أعانيها، فإن عشقي للرياضة لم يتوقف وكنت أمارسها بمثابرة، فهي شغفي منذ الطفولة".
ويتابع "وفجأة دون سابق إنذار، وخلال إحدى جلساتي الانفرادية، قررت إنشاء ناد رياضي بمواصفات فريدة ومختلفة".
الحلم المؤجل
الرياضة كانت حلمه المؤجل، وها هو يعود إليه وبقوة يقول "كنت أمتلك حلم النادي الرياضي، فقد بدأ يراودني مرة أخرى، وتحدثت مع الوالد، ووافق على الفور، بل دعمني ماديًا بمبلغ مائة ألف ريال عام 2004م".
ولكن طموحه كان أكبر من رأس ماله، الذي دار حول افتتاح أكبر ناد رياضي في جدة، وفي أفضل موقع جغرافي في المدينة (مطل على كورنيش جدة)، وبحث عن المكان، وتحدث مع صاحبه في محاولة لإقناعه بالتأجير ومن الدخل يبدأ بالسداد، وبالمنطق ذاته حصل على المعدات الرياضية، ومن قبل أن يفتتح النادي بدأ بيع الاشتراكات.
ولكن خلال هذا العمل اكتشف أن الموضوع يتجاوز المكان، والزمان، والمعدات، مضيفًا: "خلال مفاوضاتي لبدء المشروع سواء فيما يخص المكان، أو المعدات، اكتشفت أن العمل يتجاوز هذه التفاصيل. المهارة ليست فقط في تحقيق الحلم، بل علينا امتلاك مفاتيح النجاح ليكون الحلم واقعًا، لذا بدأت بحضور دورات في إدارة الأعمال، وقراءة الكتب، وانضممت إلى نوادي ريادة الأعمال، وأسسنا لجنة شباب الأعمال في الغرفة التجارية في جدة، واللجنة الوطنية لشباب الأعمال في الغرف التجارية بالرياض، أيضًا افتتحنا فرعًا لمنظمة رواد الأعمال العالمية".
يضيف "بدأت المهارات تتطور بالخبرة، وفي عام 2006 قررت مواصلة دراساتي العليا، وحصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال".
وبالتوازي كان الشيباني حريصًا في التوسع في ناديه الرياضي وافتتاح فروع أخرى، وليس هذا فقط بل قرر أن يحول جزء أحد النوادي إلى مطعم وكان أول مطعم "كافيه وفاشن" وأُعلن عنه بشكل مكثف.
الفشل والذهب
على الرغم من الحملة الإعلانية لأول مطعم يجمع ما بين "الفاشن" و"الكافيه" فإن الفشل كان حليفه، يقول: "بعد عام ونصف العام وعلى الرغم من كل الحملات الإعلانية في الصحف، والقنوات التلفزيونية، التي استعنت بها لم يحقق المشروع النجاح المأمول منه، ليكون أول فشل أتعرض له، ونقرر إغلاق المطعم".
ولكن الإغلاق كان بصيغة مختلفة تمامًا عن المألوف، حيث نظمنا حفل تأبين، وطلبنا من المدعوين الحضور باللباس الأسود، وكانت هناك موسيقى حزينة مصاحبة للحفل، وعند إنزال لوحة المطعم كانت كأنها جنازة. هذا التأبين نقل في وسائل الإعلام المختلفة منها قناة العربية، وmbc، وغيرها من القنوات والصحف والإذاعات، لأتلقى بعدها كمًا من الاتصالات متسائلين عن شركة العلاقات العامة التي نظمت الحفل، ولأني كنت صاحب الحفل والفكرة والتنظيم، كانت فكرة إنشاء شركة للعلاقات العامة، وهي فرصة جاءت على طبق من ذهب".
لم تكن تراخيص شركات العلاقات العامة متعارفًا عليها في تلك الفترة، ولكن الدكتور بدر أصر على إصدار أوراقه الرسمية ليؤسس شركة "حدث العربية"، التي تغير اسمها لاحقا إلى شركة "sash and company"، وحاليًا تعد من كبرى شركات العلاقات العامة في الخليج، وتتعامل مع أهم الوزارات والدوائر والجهات الحكومية السعودية.
توسع ثم تقلص
توسعت أعمال الشيباني وبدأ يشد بعضها بعضًا، وتوزعت سجلاته التجارية ما بين عقارية، ورياضية، واستشارية، وصيدلانية، وعلاقات عامة، وحلول أمنية، وغدا لديه نحو 150 موظفًا، ولكن تذبذب الاقتصاد المحلي والعالمي فرض نفسه عليه، يوضح: "حتى عام 2016 كانت لدينا سبع شركات قائمة. في عام 2017 بدأت الاهتزازات الاقتصادية ما دفعنا إلى تقليصها لأربع شركات: الأندية الرياضية -وكانت بداية النوادي الرياضية النسائية لنفتتح عددًا منها- ومجال المعدات الرياضية، ومجال الحلول الأمنية، ومجال العلاقات العامة".
ويضيف متابعًا "في عام 2019 بعت حصتي مضطرًا في شركتين، وبداية 2020 جلست مع نفسي وكانت الأزمة الاقتصادية مستمرة، إضافة إلى ملامح جائحة كورونا الآخذة بالانتشار، قررت حينها التركيز على شركتي (ساش أند كومبني) شركة الاتصال والعلاقات العامة، وتعد من كبرى شركات الاتصال الحكومي، وشركة «سبورت سب»، المتخصصة في «الأحداث الرياضية». وأنا شخصيًا حاليًا متجه للاستثمار في الشركات العالمية".
اعمل بذكاء
بين صعود وهبوط، اغتنت تجربة الشيباني الممتدة لنحو 18 عامًا. وعن أهم التحديات وسبل مواجهتها يقول "الجهل نعمة، لو كنت أعلم ما ينتظرني في ريادة الأعمال من صعود وهبوط لم أكن لأفكر في دخول هذا المجال، ولاخترت الوظيفة المضمونة. مشكلة ريادة الأعمال أنها غير مستقرة وتواجه دورات عنيفة، التحدي الكبير هو الجهل، والمشكلة الثانية الأنا، حيث إن كل شخص يدخل المجال مقتنع بمشروعه، وتعمى عيناه عن الصورة العامة، ويصر على تحقيق أفكاره. يستطيع البعض النجاح، ولكن أكثر من 90% يتعرض للفشل ويضطر للإغلاق".
وأكبر نصيحة يقدمها للشباب "اعمل بذكاء ولا تعمل بجهد"، ويضيف "الفترة الحالية لا تسمح بالعمل بجهد أكبر، لأن وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات المتاحة تتيح العمل باستغلال الفرص، ولكن على رائد الأعمال التصرف بذكاء واستثمار جهوده وطاقته وتوظيفها بالشكل الصحيح".
منوهًا بأن التعلم يأخذ وقته، ومعظم "الخسائر" على حد قوله تكون خلال الخمس سنوات الأولى، والبعض يستطيع الاستمرار إلى عشر سنوات، والقلة القليلة تستمر.
مغامرات خارج المألوف
بعيدًا عن ريادة الأعمال ومشاريعه، كانت حياة الشيباني الشخصية تمر بتحولات غير عادية، ولعل إصابته بضغط الدم المرتفع كان نقطة تحول ثالثة أو رابعة جعلته يفكر جديًا بماذا يريد أن يحقق خلال سنواته القادمة. يقول: "أنا رياضي وأمتلك شغفًا في رياضات مختلفة، إضافة إلى عشقي للسفر. وفي عيد ميلادي الخامس والثلاثين خلوت بنفسي، واكتشفت أن تأجيل الأحلام يفقد الناس أرواحهم، وتحل آجالهم دون أن تتحقق، لذلك تناولت قلمًا وورقة وكتبت قائمة أمنيات، منها: تأليف الكتب، وحقًا ألفت كتابين: "انفصل لتتصل"، و"في العضل"، وزيارة 100 دولة وحاليًا وصلت إلى 88 دولة، وزيارة بركان حي، والسباحة مع القروش، وزيارة القطب الجنوبي ..... وغيرها".
ويتابع "عند تحقيق حلم يستبعد من القائمة، وأصبح هذا النوع من الإنجاز متعة، حتى حضرت دورة لمتحدث تحفيزي بريطاني وهو مغامر من الدرجة الأولى، وكانت الدورة عن الحياة والموت والشخص في دائرة الراحة، ولتتطور الشخصية علينا الخروج من دائرة الراحة".
منوهًا بأنه قرر العمل بالنصيحة بل نقلها إلى زوجته ليقررا حينها تسلق جبل، وحقًا بدأت رحلة البحث ومن ثم التجهيز لأول خطواته في هذا المسار وتسلق جبل "كلمينجارو" في تنزانيا جنوب إفريقيا. وفي ليلة رأس السنة لعام 2015، كانت أول تجربة على رأس قمة الجبل وتحقيق الحلم.
من هنا بدأ الشيباني يشعر بأهمية الانفصال والعيش خارج حدود المألوف، ليصل إلى مسامعه تحدي القمم السبع، يقول: "بعد التجربة الأولى ينكسر لديك حاجز الخوف من الانفصال، والبعد عن الآخرين، وإغلاق هاتفك الخلوي مدة أسبوع أو أكثر، هنا بدأت أعشق هذه الرياضة وسمعت عن تحدي القمم السبع، وحقيقة ناسبتني جدًا بحكم المغامرة التي نعيشها في كل مرة، التأمل الذي يحتويك بحكم السير لساعات طويلة والتفكير بكل القرارات، والرجوع بأفكار وحلول، واستراتيجيات مستقبلية".
مؤكدًا أنه أنجز خمس قمم جبلية في كلٍ من الأرجنتين، وروسيا، وإفريقيا، وأعلى جبل في قارة أستراليا، وأعلى جبل في القطب الجنوبي. وبعد عدة أشهر متوجه إلى قمة إيفرست، ثم أمريكا الشمالية.
هذا وقد نوه الشيباني بأن تسلق الجبال ينقسم إلى نوعين إما تقني وإما غير تقني، موجهًا أن "لكل جبل طبيعة مختلفة، ومن الضروري سؤال أصحاب الخبرة من المتسلقين والاتصال بهم، التواصل مع مرشد من أهل المنطقة، إضافة إلى الاستعداد البدني، الذي قد يستغرق حوالي 6 أشهر".
ومغامرة بركان حي
من تسلق القمم انتقل الشيباني ليعيش مغامرة من نوع مختلف يقول "انضممت لمجموعة «إيبيكس»، وهي مجموعة عالمية من محبي المغامرة وريادة الأعمال، ودائمًا نرتب رحلات مشتركة، وكنا قد اكتشفنا وجود خمس بحيرات بركانية حية في العالم، إحداها لم يتوجه لها، وهي في «نيجراكوا – جبل مسايا»، فقررنا التوجه لها. وبالطبع استعنا بأحد علماء البراكين من الأرجنتين، وكان معنا فريق من نيوزيلندا لعمل تجهيزات التنقل عن طريق الحبال الحديدية ( zip line ) وحقًا قضينا يومًا كاملاً فيها والتنقل، وتصوير المنطقة، كانت تجربة رائعة".
وحامل لشعلة الأولمبياد
يكشف الشيباني أنه اختير من قبل شركة سامسونج للترشح لحمل شعلة الأولمبياد مضيفًا: "رُشح أكثر من 24 مليون شخص على مستوى العالم ممن قدموا أعمالاً خيرية مؤثرة، وكنت قدمت أكثر من حملة رياضية خيرية تحارب السمنة. ومن المجموع اختير 8 آلاف شخص، كنت من المحظوظين بوجودي بينهم، وقبل الحدث بنصف ساعة طالبوني بالجري 3000 متر بدلاً من 1000 متر، لأن بعض السكان موجودون خارج المدينة، ووافقت على ذلك، وكان شعورًا أكثر من جميل، للمشاركة في حدث دولي، وكانت بلدية لندن قد قدمت الشعلة تذكارًا لكل من شارك في حملها".
وكانت 8 دقائق من الشهرة، عاشها الدكتور بدر وصف فيها مشاعره بأنها أكثر من رائعة، وبات بينه وبين عمدة مدينة لندن في تلك الآونة صداقة، وهذا الحدث ذكرى حفرت في قلبه.
ولم يكن هذا هو الحدث الوحيد في حياته فقد اختير من قبل مجلة "فوربس" أحد أبرز الشخصيات تأثيرًا في كل من عام 2016 – و2017، يقول "هذه الفترة كانت السعودية تعيش زخمًا كبيرًا في ريادة الأعمال، وكنت حينها ما زلت أمتلك عدة شركات فرشحت للجائزة، ولكن بعد هذه الفترة أصبحت أكثر بعدًا عن هذه الجوائز، لأني اكتشفت أن الجوائز والظهور المتكرر يبعدان الشخص عن الهدف، فالنجاح يتحدث عن نفسه ولا يحتاج إلى كثير من الضوء، وبحكم عملي في مجال العلاقات العامة والإعلام أصبحت أدرك تمامًا أن الإعلام سلاح ذو حدين يجب الحرص في التعاطي معه".
ومشروع للأطفال
من خلال شركة "سبورت سب" يركز الشيباني على جيل الغد حيث يعمد حاليًا لإقامة الدورات التدريبية الرياضية للأطفال والمراهقين في محاولة لزرع أساسيات الرياضة. وعن هذا التوجه يقول: "لفترة طويلة كانت الرياضة محصورة داخل المدارس وذهن الطفل في الكرة (كرة القدم)".
ويضيف "لكن حاليًا بدأنا وبتوجيه من الدولة التركيز على كثير من الرياضات المختلفة، نخطط الآن لاستغلال مهارات الطفل الجسدية الحسية ليكتشف بنفسه أنواعًا مختلفة من الرياضة، من خلال المعسكرات الصيفية، ومن يمتلك الموهبة يوجه إلى «أكاديمية مهد»، لتطويع مهاراته بشكل أكبر، والتركيز على إبراز مكان القوة لديه ليحقق بطولات مستقبلية".
مغامراتي القادمة
يكشف الشيباني لمجلة الرجل أنه عاهد نفسه "بعدم افتتاح أي مشاريع جديدة حتى أنتهي من تحدي القمم السبع، الذي ينتهي بقمة إفريست وهو التحدي الأصعب، ومن ثم لدينا تحدي "سلام ماستر"، وهو قطع القطب الجنوبي، ثم قطع القطب الشمالي، للوصول إلى الدائرة 90 وهي التي تفقد البوصلة اتزانها".
وقصة نجاح دولية
أما على مستوى الأعمال فالتركيز سيكون مستقبلاً على شركة "ساش أند كومبني" للعلاقات العامة، لتفعيل برامج مختلفة مع الدوائر والجهات الحكومية، ومواكبة رؤية السعودية 2030. ويضيف: "سنتوسع خلال هذه الفترة بصورة أكبر بما يتناسب مع توجه الدولة، وإبراز السعودية كقصة نجاح دولية".