"الحجامة" في أولمبياد طوكيو.. امتداد للطب البديل في عالم الرياضة
في منافسات السباحة بدورة الألعاب الأولمبية المقامة حاليا في طوكيو، شوهدت دوائر داكنة على أجساد العديد من الرياضيين بينما كانوا يسبحون داخل الماء ويحققون الأرقام المختلفة.
ظهر السباح الياباني أكيرا نامبا بهذه الدوائر، وكذلك الأسترالي كايل تشالمرز، وهذه ليست المرة الأولى التي توجد فيها تلك الدوائر على أجساد رياضيين وبالأخص سباحين، وتحديدا في الأولمبياد.
في أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2016، كانت تلك الدوائر موجودة على جسد البطل الأولمبي الأسطوري مايكل فيليبس، على ظهره بالتحديد، وحينما كان يحصد الجوائز المختلفة كانت تشاهد تلك العلامات، كذلك شوهدت تلك العلامات على جسد لاعب الجمباز الأمريكي المميز أليكس نادور.
فما قصة تلك الدوائر، ولماذا يصر عليها الرياضيون؟
هذه العلامات تعود إلى تكنيك صحي يسمى "الحجامة" وهي وسيلة علاج طبيعي قديمة ظهرت في الشرق الأوسط والثقافات الآسيوية، وهي تقنية يعتقد أن لها العديد من الفوائد من بينهما تعزيز حركة الدورة الدموية وإزالة الشد العضلي وتعزيز القوة العظمية، وفي خضم كل ذلك تبدو التفسيرات العلمية لهذه التقنية قليلة إلى الآن.
ما هي الحجامة؟
الحجامة هي طريقة من طرق الطب البديل تعمل عن طريق شفط الجلد باستخدام أكواب زجاجية أو خزفية أو بالخيزران أو البلاستيك، تعتمد هذه الطريقة على إنشاء ضغط سلبي داخل الوعاء الذي يشفط فيه الجلد من خلال ربط جهاز شفط بالكوب بمجرد وضعه على الجلد، مما يؤدي إلى سحب الهواء.
شد الجلد بهذه الطريقة يعتقد أنه يزيل ضغط العضلات والأنسجة الضامة ويعزز تدفق الدم إلى المناطق التي تم شفطها، وبالتالي يعمل هذا على تعزيز عملية الاستشفاء بالجسد.
وهناك شكل أقل استخداما من الحجامة يسمى بـ"الحجامة الرطبة" وفيه يتم الشفط بطريقة أكثر اعتدالا على الكوب، ويترك في مكانه لفترة أطول قليلا، وبعد إزالته يستخدم المعالج فروة رأس صغيرة لعمل جروح عبر الجلد، ثم يشفط ثانية لسحب كميات صغيرة من الدم، ووفقا لدراسة نشرت في عام 2018، فإن الحجامة الرطبة قد ثبت دورها في تقليل كميات المواد السامة في الدم.
من أين نشأت الحجامة؟
أصول الحجامة غير واضحة بشكل ثابت، فقد تم استخدام الحجامة الرطبة في الطب الإيراني التقليدي عبر التاريخ، اعتقادا من المعالجين بأنها تحسن مظهر الأنسجة الندبية، وقد تم إجراء الحجامة الرطبة والجافة في الصين في خمسينيات القرن الماضي.
ولكن الأكثر ورودا هو أن أصول الحجامة أقدم من كل هذا بكثير، فقد مارسها الطبيب اليوناني القديم أبقراط، الذي مارس الطب حوالي عام 400 قبل الميلاد، واستخدم الحجامة لعلاج الأمراض الداخلية.
كما أوصى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالحجامة الرطبة، ولذلك فإنها مستحبة وأكثر شيوعا في العالم الإسلامي.
لماذا تترك الحجامة علامة؟
يتم وضع اللاصق الماص على الجلد لبضع دقائق فقط، ولكن هذا اللاصق طويل بما يكفي للتسبب في تمزّق الشعيرات الدموية الموجودة أسفل سطح الجلد مباشرة، مما يؤدي إلى ظهور كدمات داكنة تحت الجلد.
سر شهرة الحجامة
كان الرياضيون حول العالم يتلمسون استخدام الحجامة، ولكن في 2016 كان الأمر أشبه بثورة، حين شوهدت علامات داكنة على ظهر البطل الأولمبي الأسطوري مايكل فيليبس في أولمبياد ريو دي جانيرو، وأتى هذا إبان ميدالية ذهبية من ميداليات أسطورة السباحة الأمريكية.
تحدث فيليبس آنذاك إلى شبكة سكاي سبورتس، مؤكدا أنه يقوم بعمل الحجامة على الكتف أكثر من أي مكان آخر لأنه المكان الذي يسبب عمل الحجامة فيه الألم لفيليبس أكثر من غيره، في إشارة إلى اقتناعه التام بأثر الحجامة الإيجابي على الجسد وعمليات الاستشفاء رغم بعض الآلام.
قال فيليبس آنذاك: "هذا هو المكان الذي عادة ما يؤلمني أكثر وفعلت ذلك قبل كل لقاءاتي، هذا هو الحل الذي ألجأ إليه".
وأضاف آنذاك: "لقد طلبت للتو عمل بعض الحجامة وتجديدها، أشعر بالتوجع ويترك الأمر كدمات وحينها أتأكد أن الأمور على ما يرام".
الحجامة في كرة القدم
ربما لا يقوم العديد من لاعبي كرة القدم بعمل الحجامة، لكن أشهرهم مؤخرا هو نجم ريال مدريد الإسباني كريم بنزيما، والذي ظهر في أكثر من صورة وهو يقوم بعمل تقنيات الحجامة للاستشفاء ونشر هذه الصور بنفسه على إنستجرام.
الحجامة خارج عالم الرياضة
بعد ظهور مايكل فيليبس بتلك العلامات وتناول العديدين حول العالم لمفهوم الحجامة وكل ما يتعلق بها، أكدت الممثلة جوينيث بالترو أنها لطالما استخدمت هذا العلاج القديم حتى قبل وقت طويل من الرياضيين في الألعاب الأولمبية.
وكتبت بالترو على موقع Goop الإلكتروني: "استخدمت الحجامة قبل أن يفوز مايكل فيلبس بأول ميدالية ذهبية له".
لا تبالغ بالترو حيال هذا الأمر، ففي عام 2004، ظهرت على ظهرها بقع حمراء مماثلة أثناء حضورها العرض الأول لفيلم في مدينة نيويورك.
وأوضحت بالترو إيمانها بقدرة العلاج بالحجامة على عمل تأثيرات إيجابية على الجسد فقالت: "الطب الشرقي له نهج مختلف عن الطب الغربي - إنه أكثر شمولية. تتم معالجة جذر المشكلة، على عكس الأعراض التي يتم التعامل معها من خلال الأدوية الموصوفة".
علميًّا.. هل الحجامة أمر مفيد؟
لا يوجد دليل علمي قاطع على أن الحجامة لها أي فوائد صحية، وقد خلص المركز الوطني الأمريكي للصحة التكميلية والتكاملية إلى أنه "لم يتم إجراء أبحاث كافية عالية الجودة" للسماح بالتوصل إلى استنتاجات حول ما إذا كانت الحجامة مفيدة.
لكن اقترحت إحدى الدراسات المنفصلة، التي نُشرت في مجلة الطب التقليدي والتكميلي في عام 2019، أن الضرر الذي يلحق بالجلد والأوعية والشعيرات من الحجامة قد يحفز عملية في الجسم تمنع الألم، ما قد يكون إيجابيا في بعض السياقات وسلبيا في سياقات أخرى.
على كل حال، العلاج بالحجامة يأخذ طريقه بالتدريج إلى عالم الرياضة وحول العالم، ومع انتظار الفصل علميا في المسألة، ستبقى العلامات الداكنة التي ظهرت على أجساد الأبطال الأولمبيين دليلا على أن العلم الحديث لم يفسر إلى الآن كل شيء عن أجسادنا.