الموارد البشرية في المنظمات: ضرورة حتمية أم كماليات إدارية؟
إن المنافسة الشرسة والمحتدمة بين الشركات الإقليمية والمحلية بشكل عام، والعالمية العملاقة العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات بشكل خاص، قد أدّت منذ زمن ليس ببعيد وخاصة بعد تبلور مصطلح العولمة للوجود، إلى الاهتمام الجدّي بالاستثمار في تنمية الموارد البشرية، إذ صار يقينا لدى جميع ممارسي الإدارة والتسيير أن الاستثمار في الموارد البشرية هو أهم أسباب النجاح.
وحتى من خلال الاطلاع على اجتهادات المنظرين في الفكر الإداري، نجد أنه مهما تطورت التكنولوجيات وتيسّرت أنماط الإدارة والتسيير، فإن الاستثمار في الموارد البشرية يعتبر الأساس دائماً وفي كل العصور والأزمنة، لأن العنصر البشري هو الذي يفكّر ويبدع ويبتكر ويطوّر، لذلك فإن الموارد البشرية أصبحت من أهم اهتمامات الإدارة التنفيذية ونجدها دائما ممثلة بمكتب أو مصلحة الموارد البشرية، باعتبار أن التنظيم لا يرقى إلا بسواعد عناصره البشرية. فما هي الموارد البشرية بالضبط؟ وما هي أهميتها في التنظيم؟ وما هي وظائفها داخل المؤسسة؟
ما هي الموارد البشرية؟
الموارد البشرية humaines ressource وتعرف اختصاراً بـ HR وهو المصطلح الشامل المستخدم لوصف إدارة وتطوير الموظفين في المنظمة في النهاية. الأمر كله يتعلق بزيادة أداء الموظفف تقليديّاً.
لقد ركّزت الموارد البشرية على التوظيف والفصل ومراجعة الرواتب السنوية للمدرسة القديمة. ولكن في الآونة الأخيرة، تم إعادة صياغة الموارد البشرية بشكل إيجابي وهي تغطي الآن نطاقاً أوسع بكثير.
وتلعب الموارد البشرية دوراً مهماً في تطوير ثقافة العمل الإيجابية وتحسين مشاركة الموظفين وإنتاجيتهم.
كما تأخذ وظيفة الموارد البشرية زمام المبادرة فيما يتعلق بصحة الموظفين والتنمية الشخصية لهم باعتبارهم أهم عنصر في التنظيم.
قد يكون من السهل التغاضي عن الموارد البشرية في الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث يباشر العديد من رواد الأعمال أعمالهم بشكل سريع دون أن ينتبهوا لأهمية المورد البشري، لكنهم فيما بعد يتصارعون مع إدارة الأفراد حين يبدأ العمل في الازدهار.
تستغرق إدارة الموظفين وقتاً وتتطلب مهارات محددة، لذلك قد تكون سبباً رئيساً في تراجع بعض التنظيمات والمؤسسات بعد تحقيقها لنتائج مقبولة، ويرجع ذلك لسوء تسيير واستغلال وإدارة العنصر البشري.
الموارد البشرية هي مجال خبرة يفتقر إليه العديد من أصحاب الأعمال، بغض النظر عن المهارات الأخرى، فإن قيمة الموارد البشرية في الأعمال التجارية لا تظهر دائماً على الفور، فمع وجود عدد قليل فقط من الموظفين، يشعر رجال الأعمال أنه يمكنهم أن يعتمدوا على أنفسهم عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يوظفونهم ويديرونهم.
ولكن مع نمو الأعمال التجارية الكبرى، غالباً ما يجد القادة أنه ليس هناك وقت للتعامل مع إدارة الأفراد اليومية والتوظيف. ويمكن بسهولة أن يضيع التركيز على الأشخاص، وهذا خطأ مكلف ويمكن أن يؤثر على رضا الموظفين وثقافتهم ونجاحهم على المدى الطويل بعيد الأمد والذي يحدد إدارياً بخمس سنوات على الأقل.
يجب الأخذ بعين الاعتبار أن عواقب ضعف إدارة الموارد البشرية له تأثير كارثي، فعندما لا يشعر الموظفون بالدعم الكافي، ولا يتم منحهم الفرص، ومع تراكم ساعات العمل الطويلة يتأثر دافعهم للأداء.
وهنا نفتح باب الرضا الوظيفي لأن إدارة الموارد البشرية المثلى هي السبب في الوصول إلى تحقيق الرضا الوظيفي.
فيجب على رجل الأعمال الاهتمام بالموارد البشرية الفعالة، وسيرى حتما تأثيراً غير مباشر على أرباحه النهائية، يتطور هذا التأثير الإيجابي ليجعل التنظيم أكثر ربحاً والأهم من ذلك كله، أكثر استقراراً.
إن النجاح الفردي وثقافة المؤسسة ونظام الأعمال والبيزنس – كمفهوم واسع - هي محاور تشترك وتتكامل فيما بينها، والتناسق الفعال بين تلك العناصر يكون له تأثير واضح على العملاء خارج التنظيم والذين يشار إليهم دوماً بالجمهور الخارجي للمنظمة أو المؤسسة؛ ونأخذ شركة UBERعلى سبيل المثال:
فلقد ابتليت هذه الشركة بمجموعة متتالية من المشاكل التي لها علاقة بالموارد البشرية، وأهمها مشاكل متعلقة بالتحرش الجنسي تجاه الموظفين.
ومع تجاهل الشكاوي المتتالية، أثرت الدعاية بشكل كبير على الجمهور الخارجي للمؤسسة، ووجدت (الإشاعة) طريقها لضرب كيان التنظيم.
اليوم يمكن القول إن تأثير الإدارة السيئة للموارد البشرية أو ما يعرف بـ BAD HR كان كارثياً على هذه العلامة في الشق المتعلق بثقة الموظف وراحته.
أهمية الموارد البشرية في الجائحة
لقد كان لفيروس كورونا تأثير عميق على إدارة الموارد البشرية، فقد أجبرنا على إعادة تقييم الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا. وكجزء من هذا، تحتل وظيفة الموارد البشرية مركز الصدارة فيتم تقييم الشركات بشكل عام من خلال النظر الى مجموعة القرارات التي تم اتخاذها والطريقة التي تم التعامل بها مع الموظفين في ظل الأزمة العالمية.
وعلاوة على ذلك، فإن تأثير عدم اليقين الاقتصادي المستمر والمستقبل الضبابي لمستقبل الأعمال، والعمل عن بعد الغير مخطط له. والتأثير المؤثر للغاية على الصحة العقلية للموظفين، يجبر الشركات في جميع أنحاء العالم الصناعي على وضع الموارد البشرية في قلب عملياتها. وذلك من خلال دعم المديرين بمهارات الإدارة عن بعد والاهتمام بشكل فائق بعواقب الانكماش في الأعمال التجارية.
وتعد الموارد البشرية أمراً بالغ الأهمية للإدارة الفعالة للأعمال أثناء الجائحة أو أي حدث مهم آخر ويمكننا القول أنها تظهر جلية في استراتيجية إدارة الأزمات وتصميم الخطط البديلة والتكتيكات الفرعية للاستراتيجية العامة للمنظمة. بمعنى أدق ومختصر تعتبر الموارد البشرية من مكونات الإستراتيجية العامة للمؤسسة.
ما هي الوظائف الرئيسة للموارد البشرية؟
للموارد البشرية وظائف أساسية متمثلة في :
1- الإعداد والتوظيف
قد يكون العثور على الأشخاص المناسبين للعمل في مؤسستك أمراً صعباً بعض الشيء، فبعض عمليات التوظيف يمكن أن تستغرق شهورا طويلة من الإعداد، لذلك تكون المؤسسة في تلك الفترة تعيش حالة من الارتباك التنظيمي لأنها ستتخذ أحد أهم القرارات، وهي التوظيف، وإذا تكلمنا عن التوظيف فإننا نعني الانتقاء المثالي لأشخاص تتوفر فيهم الميزات التي تقود لنمو التنظيم أو إفادته.
هؤلاء الأشخاص الذين يصطلح عليهم بأصحاب المواهب. وحتى تصل المؤسسة إلى هؤلاء، لا بُدّ من الاهتمام بمسألة الإعداد، وحتى لا يتم الخلط بينه وبين التوجيه.
يشير الإعداد إلى التجربة الكاملة للتوظيف والترحيب والتوجيه والانخراط لعضو أو موظف جديد ومساعدته على التكيف مع ثقافة المؤسسة، كما يزيد الإعداد الجيد من مشاركة الموظفين ويزيد من الاحتفاظ بهم من خلال تحقيق الولاء التنظيمي.
وفي المقابل، يمكن أن يكون للإعداد السيئ تأثير سلبي كبير جداً، الأمر الذي سيضيع أصحاب المواهب أو يهملهم من خلال التأطير والتكوين السيئ.
2- إدارة الأداء والتدريب
تعد إدارة الأداء والتدريب والتطوير جزءاً كبيراً من الموارد البشرية وموضوعاً من أهم الموضوعات التي يجب طرحها في مناقشة إدارة الموارد البشرية جميع الموظفين تقريباً لديهم فجوات في المهارات، وإدارة الموارد البشرية من خلال غرفة التكوين والتدريب وإدارة الأداء، هي المسؤول الأول عن معالجة هذه المشكلات.
كما يمكّن نظام إدارة الأداء الفعال المديرين من تقديم الدعم للموظفين الذي يحتاجون إليه وتحديد الموظفين البارزين والذين لهم مستقبل زاهر.
فالتطوير المثالي والتكوين المدروس والمركز والدقيق، تعتبَر من أبرز المواضيع التي تحسن تواجد الموظفين وتصقل مواهبهم، وتقودهم للإنتاجية وتقليل معدلات الرفض والتمرد وإرساء الثقافة التنظيمية الرشيدة.
في مديرية الموارد البشرية يساعد التدريب الشامل المبني على إدارة الأداء على التطوير الذاتي وتقوية الروابط الضعيفة بين الجمهور الداخلي للمؤسسة، ويقود حتماً لإضفاء الميزة التنافسية، وهي أهم الأهداف التي يسعى إليها كل مدير تنفيذي.
3- بناء ثقافة التنظيم والمحافظة عليها
لم تعد ثقافة العمل الإيجابية شيئاً لطيفاً. إنه يدفع مشاركة الموظفين والرضا الوظيفي والاحتفاظ بالموظفين، ويحدد نجاح الأعمال. تلعب الموارد البشرية دوراً رئيساً في تطوير ثقافة المنظمة وتعزيزها وتغييرها.
تلعب الموارد البشرية دوراً رئيساً في تطوير ثقافة المنظمة وتعزيزها أو تغييرها، وتعد الثقافة التنظيمية في معناها الضيق، المرآة العاكسة للمنظمة نحو الجمهور، سواء كان هذا الجمهور داخلياً أم خارجيّاً، فهي تحوي في مصفوفتها كل شيء عن المنظمة وهي بالغة الأهمية لتحقيق ضروريات أخرى كالرضا الوظيفي والتطبيق الاستراتيجي.
لذلك نجد أن الموارد البشرية تتدخل مباشرة في صياغة ثقافة المنظمة أو المؤسسة، ولن نجد مؤسسة مهملة لإدارة الموارد البشرية وهي تقدم ثقافة متكاملة لها، بل سيكون هناك خلل لأن ما تقوم عليه الثقافة التنظيمية هو بالأساس إدارة فعالة ومتكاملة للموارد البشرية، بما يشمل إدارة الأداء والتكوين والتطوير والتوظيف والتأهيل، وهي فصول أساسية لنجاح المنظمة ونعني بالنجاح هنا إسقاط الاستراتيجية الرئيسة أو أحد بدائلها بشكل ناجح على أرض الواقع.
4- الاتصال التنظيمي
يعتبر الاتصال من أهم الضروريات في الأعمال التجارية بشكل خاص والإدارية بشكل عام، فهذه التجمعات البشرية تتطلب دائما اتصالات وارتباطات فعالة حتى تحقق الانسجام، ويجب ألا يخفى على المديرين التنفيذيين الكلاسيكيين أن الاتصال هو شريان التنظيمات الحديثة، لأن الاختلال الاتصالي في المنظمة سيجعلها تتخبط بشكل أو بآخر وسقودها بأمراض تنظيمية خطيرة تهدد في بعض الأحيان حتى بزوال التنظيم.
إدارة الموارد البشرية هي الجهة التي يتم فيها تحديد الطريقة المثلى التي يتم فيها الاتصال بشكل نفعي، وفي بعض المؤسسات الكبرى تقوم إدارة الموارد البشرية بالتنسيق مع جهاز العلاقات العامة على رسم المخطط الكلي لسير المعلومة داخل وخارج التنظيم، فالتواصل الجيد والمتين يخفف إلى أقصى الحدود من سوء التفاهم، ويزيد من التناسق بين الموظفين، ويصنع علاقة مثلى مع العملاء، ويقود للابتكار، وبالتالي يعود بالإيجاب على المنظمة.
5- الامتثال القانوني والتنظيمي
العاملون في قسم الموارد البشرية لهم دراية واسعة بالمسائل القانونية كالدستور والقوانين الدولية وقانون العقوبات بالإضافة إلى القانون الداخلي للمنظمة والمسائل المتعلقة بالشق الإداري في التنظيم، فقسم الموارد البشرية يعنى بفهم المتطلبات التنظيمية للأعمال التي لها ارتباط بالموظفين.
ولا ينبغي الاستهانة بهذا الحجم الذي تشغله هذه الإدارة فمثلا قد يقود سوء التقدير والجهل بالقوانين إلى تذبذب نظام الفصل من المناصب، وهو موضوع يعتبر الخطأ فيه باهظ الثمن لأنه سيكبد المؤسسة خسائر فادحة لفائدة الموظفين وتحت حماية القانون وهي أمور سيكون لها تأثير سلبي على سمعة المؤسسة.
إن عدم الاهتمام بالموارد البشرية وإدارتها، قد لا يكون له نتائج سلبية كبيرة على المؤسسات الصغيرة أو المتوسطة ولكن هذه المؤسسات قد تكبر وتنمو، وحتما ستجد نفسها فقيرة من ناحية تأطير وإدارة موردها البشري، هذه النقطة حتما ستقود للعشوائية في كثير من الأحيان لأن التعامل مع الجانب البشري سيصبح ضرورة في وقت ما، ومع عدم وجود تأطير وخبرة مسبقين لهذه الغرفة الإدارية، سيصبح التوظيف يتم بشكل عشوائي ما يعني أن المشاكل ستكون جزءاً من أجزاء التنظيم.
في الواقع فإن تعيين مدير موارد بشرية بالمؤسسة هو خيار ذكي يتخذه المدير التنفيذي الممتاز، مهما كان حجم تنظيمه ما دام يحتاج لموظفين، وهو ما سيقود للتنمية كنتيجة حتمية، وبالتالي التفوق وضمان مستقبل أفضل للمؤسسة والتنظيم.