لماذا تفشل بعض الشركات الكبيرة بعد تحقيق النجاح؟
أصبح الاقتصاد والظروف العالمية أكثر تعقيدًا اليوم من أي وقت مضى، مما أدى إلى خسارة العديد من الشركات الكبيرة التي كانت ناجحة في يوم من الأيام، فبعضها كان بسبب الإفلاس وأخرى تقلص دورها بشكل كبير في الأسواق ضمن مجالها، ومن أشهر الشركات التي واجهت هذه الظروف "Thomas Cook" و"Jamie's Italian" و"Carillion".
لقد تغير العالم بشكل كبير منذ ولادة العديد من الإمبراطوريات الصلبة والمعروفة والموثوقة. فعلى سبيل المثال تأسست شركة توماس كوك بفضل تفاني رجل واحد في عام 1841، الذي عمل على توفير رحلات القطار ليوم واحد بأسعار زهيدة للغاية، وعملت الشركة في السنوات الأخيرة على إعادة هيكلة وابتكار نفسها بهدف التطوير ومواكبة السوق الحالية بأسلوب قد تعجز عنه العديد من الشركات الأخرى، وهذا ما يقودنا إلى السؤال لماذا تفشل الشركات الكبيرة بمجرد نجاحها؟
لا تقتصر الإجابة على هذا السؤال بالقول إنها فشلت بمواكبة الأسواق، ولكنها تتعلق أيضًا بآلية العمل والأشخاص الذين يتخذون القرارات التي تفشل في مواكبة السوق، ويكمن السؤال فيما إذا كانت هذه العادات والسمات التي بنت مثل هذه الإمبراطوريات العظيمة صالحة للاستخدام في وقتنا الحالي.
وفي حالة إمبراطورية توماس كوك فإنها استغرقت سنوات طويلة للاصطدام بالجبال الجليدية الاقتصادية التي أدت إلى سقوطها، إلا أن الحل يكمن في تجنب الجليد بالمقام الأول إلى جانب وجود القدرة على التكيف في إحداث التغيرات المطلوبة. وتشمل عوامل النجاح والاستمرارية على العديد من العناصر الهامة والضرورية في ثلاثة مجالات رئيسة وهي عوامل القيادة والعوامل المالية وعوامل التمايز.
- عوامل القيادة
ضعف القيادة
تفشل الأعمال التجارية بسبب ضعف القيادة فيها حيث يجب أن تكون قادرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب بدءًا من الإدارة المالية وصولًا إلى إدارة الموظفين، كما يتدحرج فشل القيادة لينتقل إلى جميع أقسام الشركة.
وهنا تأتي أهمية الخبرة الموجودة لدى قادة الأعمال التي تمكنهم من اتخاذ القرارات الصحيحة إلى جانب الاعتماد على التحليلات وخاصة في مشهد الأعمال المتغير يوميًا مما يساعد على دفع عملية صنع القرار المستنير.
قلة التركيز
يؤدي انخفاض مستوى التركيز إلى فقدان الشركات لميزاتها التنافسية في السوق، حيث تقوم الشركات مع نمو أعمالها بإضافة منتجات وخدمات متزايدة إلى محفظتها مما يجعل العرض محيرًا وعموميًا بشكل متزايد، في حين يساعد التركيز على منتج واحد بالإضاءة على المجال الرئيس الذي يجذب غالبية العملاء، وتعتبر الشركات الناشئة مثالًا رائعًا في هذا المجال لكونها تركز على خدمة أو منتج واحد.
التعلم من الفشل
لا يوجد أي شركة تجارية لم تواجه الفشل في بعض مشاريعها، إلا أن المشكلة تكمن في عدم تحليل أسباب هذا الفشل من أجل تجنبها في المستقبل، وغالبًا ما يكون قادة الأعمال غافلين عن أخطائهم أو لا يريدون الاعتراف بها، فعلى الرغم من صعوبة المرور بهذه التجربة إلا أن التعلم منها يساعد في اجتياز عقبات كبيرة وتكسب الشركات الخبرة اللازمة للتكيف مع السوق.
قلة الاستثمار في التكنولوجيا
يجب أن تعيد الشركات الاستثمار في نفسها، وهذا ينطبق على تطويرها من الناحية التكنولوجية التي تساعد بأدواتها الجديدة على الإنجاز السريع بكفاءة أعلى مما يمنح الشركة ميزة التفوق على المنافسين. وتميل التحسينات في التطورات التكنولوجية المختلفة إلى تعزيز التوسع في عدد لا يحصى من الطرق، لذلك على الشركات أن تسعى دائمًا لاكتساب التقنيات الجديدة والاستفادة من جميع مزاياها.
الإدارة الضعيفة
تعتمد جميع أنواع الإدارة على مجموعة من المهارات الضرورية التي تنظم وتساعد على تطوير العمل ضمن الشركة.
إنفوجراف| هكذا تختلف الشركات الكبيرة في الموارد البشرية عن الصغيرة
والافتقار إلى هذا النوع من المهارات يساهم في تدحرجها نحو الهاوية وهذا يشمل عدم القدرة على الاستماع والعمل من دون وضع أية معايير أو أنظمة، بالإضافة إلى عدم وجود تواصل بين أعضاء فريق العمل و تجاهل الشكاوي من قبل الموظفين و العملاء على حد سواء و ضعف واضح في الإدارة بشكل عام.
- العوامل المالية
الافتقار إلى التخطيط
تفشل الأعمال بسبب عدم وجود تخطيط قصير المدى وطويل الأجل، لذلك يجب أن تضع الشركات خططًا استراتيجية لتحديد مسار العمل على مدار الأشهر والسنوات القادمة، ويجب أن تتضمن أهدافًا ونتائج قابلة للقياس إلى جانب قوائم مهام محددة مع التواريخ والمواعيد النهائية، حيث إن التخطيط الجيد أولى الخطوات في طريق النجاح.
نقص رأس المال
إن عدم امتلاك القدرة على جذب المستثمرين من أخطر العوامل التي تهدد الشركات، فغياب رأس المال الضروري لدفع الفواتير والقروض والالتزامات المالية الأخرى يجعل من تطور الشركة ونموها أمرًا مستحيلًا ويعرّض العمليات المالية اليومية للخطر.
تصاعد الديون وعجز الرواتب التقاعدية
تشير الديون المتصاعدة والعجز الهائل في الرواتب إلى حجم المشاكل المالية التي تواجهها الشركة التي سينتهي بها المطاف إلى اصطدام بجبل الجليد الاقتصادي و فشل الشركة ماليا.
التوسع المبكر والمفرط
إن التوسع كشركة يعد من الأمور الأساسية إذا تمت في الوقت المناسب، فببساطة إن القيام بتوسيع نطاق العمل في وقت مبكر سيؤدي إلى انهيار الشركة بسرعة كبيرة.
عن ماذا تبحث الشركات الكبيرة الراغبة بالاستحواذ على نظيرتها الناشئة ؟
فعلى سبيل المثال، يزداد الإنفاق بشكل هائل في حال المبالغة بعملية التسويق أو عند تعيين عدد كبير جدًا من الموظفين بسرعة كبيرة، لذلك قبل الذهاب إلى توسيع نطاق العمل ليشمل عددا آخر من القطاعات أو الدخول في أسواق جديدة يجب التأكد من السيطرة على السوق الحالية.
نسبة الأرباح المتدنية
تعتبر نسبة الأرباح من العوامل الرئيسية لنمو جميع الشركات في أي مجال، لذلك يجب التركيز بشكل دائم على العملية الربحية والعمل على تطويرها وسد الثغرات فيها، حيث تدل الإحصاءات على أن 40% فقط من الأعمال التجارية الصغيرة تحقق نسبة أرباح جيدة في حين 30% منها تخسر، و30% من هذه الشركات لا تحقق أي نوع من الخسارة أو الربح.
سوء الإدارة المالية
إن وضع وامتلاك رؤية كاملة وفهم عميق للوضع المالي في الشركة والقدرة على الاستجابة للتغيير المستمر من الأمور بالغة الأهمية، حيث يعتبر سوء الإدارة المالية من أهم الأسباب التي تقود الشركات الكبيرة إلى الفشل وخاصةً تلك التي تعتمد على القرار الغريزي بدلًا من النمذجة والتحليل المتطور، كما يجب أن تمتلك الشركات القدرة على قراءة الأرقام والتكيف السريع مع تغيرات السوق على مدار الساعة.
- عوامل التميز
قيمة مضافة فريدة من نوعها
لا يكفي أن تمتلك الشركة منتجًا رائعًا وإنما يجب أن تقدم من خلاله قيمة مضافة فريدة من نوعها تميزها عن بقية الأنواع لكي لا تضيع في سوق المنافسة، وعليه يتوجب على قادة الأعمال في الشركات الإجابة عن أسئلة مثل ما الذي يميز أعمالنا وخدماتنا ومنتجاتنا؟ بالإضافة إلى دراستهم وفهمهم لأسلوب منافسيهم لتميّز عنهم فيما يقدمونه، وإذا فشلوا في التفريق بين منتجاتهم وأخرى منافسة فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى الفشل في بناء علامة تجارية.
اضطراب السوق
يتزايد عدد الشركات الناشئة الخاصة بشكل سريع مما يجعل المنافسة في السوق تصبح شرسة بشكل أكبر، حيث يسعى هذا النوع من الشركات إلى التفوق على المنتجات المتوسطة والعالية الجودة لزيادة هوامش الربح من خلال تقديم بديل جديد ومناسب للسوق. ولمواجهة هذه الشركات، يجب الاعتماد على الابتكار والإبداع في تطوير المنتجات الحالية والجديدة للشركة لتحظى بميزات تنافسية تتفوق على غيرها.
المنافسة
تقوم جميع الشركات في أي مجال بتوفير منتجات وخدمات عالية الجودة في معظم الأحيان، ولكنها تتجاهل المنافسة في السوق مع الشركات الأخرى التي تسعى لأن تتفوق بمنتجاتها المميزة التي قد تشكل مفاجأة غير سارة لشركات أخرى، لذلك يجب الانتباه إلى كل ما يقوم به المنافسون ومراقبتهم جيدًا لمعرفة مواردهم وخططهم التسويقية.
تجاهل احتياجات العملاء
يعتبر العملاء سر النجاح الدائم للشركات لذلك ينصب كل الاهتمام على متابعتهم وتقديم الأفضل لهم، حيث تبدأ أولى الخطوات نحو الهاوية عند تجاهل احتياجات العملاء والفشل في التواصل معهم والاستماع إليهم.
يعد فهم هذه العوامل الثلاثة جزءًا أساسيًا من خطة النجاح التي تتبناها الشركات، حيث يكون للقيادة التأثير الأكبر على خريطة عمل المؤسسة لكونها تمتلك القدرة على اتخاذ جميع القرارات المناسبة لتحقيق النجاح المالي على المدى القصير والمتوسط والطويل. وفي بيئة الأعمال المعقدة، يلعب الترابط والتواصل بين أعضاء فريق العمل دورًا مهمًا في النجاح، حيث يتغير دور القادة الماليين بسرعة ليصبحوا شركاء في الأعمال المالية، وينتقل أصحاب التفكير المستقبلي إلى ما هو أبعد من الأدوات المالية للسنة الماضية، ليعملوا على تنفيذ برمجيات التخطيط الاستراتيجي للتنبؤ وتحليل السوق من أجل ضمان اتخاذ قرارات أكثر فاعلية في بيئة أعمال سريعة التغيير.