هل تهدد عملة بيتكوين قيمة الذهب في 2021
الخطوات التصاعدية للعملات الرقمية أشبه بالصواريخ المندفعة بسرعة لم يكن من الممكن للجميع إدراكها والتمسك بها ليلحق بتيارها وربما كسب بعض الثراء من خلالها.
لا يمكن الجزم أيضًا بأن العملات الرقمية دائمًا كانت مربحة بل من المعتاد دومًا في العلوم الاقتصادية وربما الحياتية أن من يصعد بسرعة يقع بسرعة.
برغم ذلك، نحن الآن في الأيام الأخيرة لسنة 2020 والسؤال الهام لأي مستثمر سوف تحدد الإجابة عليه مشوار مغامرته في العام المقبل 2021 : هل من الخطر الاحتفاظ بالذهب الثمين؟
قضية التحول الرقمي
من أوائل الأسباب الداعمة للمخاوف وراء هذا السؤال هي قضية التحول الرقمي في عالمنا والتي بدأت منذ عشرات السنوات وتستمر بوتيرة سلسة لا يبدو أنها سوف تتوقف بأي وقت قريب.
إذًا لما قد يقف الذهب بوجهها؟
تمامًا مثلما استغنينا عن الورقة والقلم وباتت الأجهزة الرقمية هي النقطة الرئيسة لمعظم أنشطة حياتنا اليومية والعملية، قد ينطبق ذلك أيضًا بنفس الآلية على العملات الورقية والذهب لتصبح تلك الرقمية هي البديل التدريجي لها.
ليس هنالك جدل كبير حول حقيقة الانتقال إلى العصر الرقمي بل من الصعب أصلاً إنكار ذلك وأنت تقرأ هذه المقالة عبر هاتفك أو شاشة من جهاز مختلف.
تمامًا مثل المستثمر الذي لا يستطيع إنكار التغيرات الكبيرة التي أدارت حياتنا رأسًا على عقب وخضعت لها الشركات الضخمة والصغيرة حفاظًا على نجاتها.
«مايكروسوفت » تستخدم أعضاء جسم الإنسان لتعدين العملات الرقمية !
بنفس الوقت، القضايا المالية أكثر تعقيدًا وتحتاج إلى دراسات كثيرة وليس من الممكن توقع المسيرة التي ستتخذها في السنوات القادمة.
من الطبيعي أن نفضل جميعًا التطور التقني نحو الأفضل تسهيل أمور حياتنا وإزالة الجهد الشديد في روتين العمل ولكن الأمر مختلف بالكامل عندما يتعلق بالأمر بالاقتصاد.
الأزمة الاقتصادية في الحقيقة لا تزال موجودة منذ عقود من الزمن وحاولت المدارس الاقتصادية القديمة (الكلاسيكية) وضع خطط استراتيجية لإنهائها وثم دخلت بعدها المدارس الحديثة ومدارس أخرى تمزج بين الاثنين.
لكن جميعها حتى يومنا هذا لم يستطع علاج الأزمة الاقتصادية بالكامل وإنما "العجز في الميزانية" و "تذبذب الأسواق" تعتبر من أبرز المشكلات الدائمة المستمرة والمتجددة.
هذه التخبطات الاقتصادية التي نمت معنا تجعل من قضية التحول الرقمي مهمة وغير مهمة بنفس الوقت، فعندما يتعلق الأمر بالذهب تتضاعف هذه الأزمات والتعقيدات الاقتصادية أكثر وأكثر فنحن نتحدث عن واحدة من أقدم العملات في العالم ومن أوائل المواد التي استُخدمت كركيزة القيمة التبادلية قبل ابتكار الأوراق المالية.
قضية كسر الأسقف والعملات الرقمية
إذا سألت أي خبير اقتصادي عن العملات الرقمية وطلبت منه التعبير عنها بكلمتين أو ثلاثة، فسوف تتكرر على مسامعك كلمات مثل "أرقام قياسية، تجاوز التوقعات، كسر الأسقف، شديدة التذبذب" جميعها في الحقيقة كلمات مترادفة تحمل المعاني ذاتها (باستثناء الأخيرة) حول الاندفاع المفاجئ لنجاح هذه العملات.
بلغت قيمة بيتكوين في ديسمبر 2020 أكثر من 23 ألف دولار وهذه قيمة الوحدة الواحدة منها، أي بالتالي من استثمر في سنة 2010 بوحدة واحدة من هذه العملة الرقمية أصبح الآن ثريًا وقادرًا على شراء سيارة جديدة مثلاً.
وذلك لأن قيمتها في ذلك الوقت لم تتجاوز بضعة دولارات، فما بالك أيها القارئ التحول الجذري للمستثمر الذي اشترى آلاف الوحدات من هذه العملة الرقمية وحالته اليوم من الثراء.
إذًا، من البديهي عند التفكير بمنظور استراتيجي بحت أن نقوم جميعًا بالتوجه نحو الاستثمار بعملة البيتكوين والتخلي عن الذهب الذي لا تتجاوز قيمة الأونصة الواحدة اليوم ألفا وقليلا من الدولارات، أليس كذلك؟
ومن المحتمل أن تنخفض قيمة الأونصة أكثر وأكثر في الأشهر التالية، صحيح؟
لا في الحقيقة.
لا يمكن الجزم بصحة ذلك وإنما علينا الآن العودة إلى المصطلح الثاني الأكثر شعبية عند الحديث عن المعلات الرقمية "بيتكوين" وغيرها.
وهو أنها شديدة التذبذب.
بمعنى عدم وجود أساسات منطقية لبناء التوقعات عليها أو إمكانية تثبيت قيمتها واستقرارها مثل الدولار أو الجنيه الاسترليني وغيره من العملات.
بل في الحقيقة حدثت تخبطات كبيرة في سنة 2019.
وفي بعض الحالات أصبحت ترتفع وتنخفض بمعدل آلاف الدولارات للوحدة الواحدة في غضون يومين لا أكثر، فقد حققت وقتها أرقامًا قياسية سابقة بالوصول إلى 19 ألف دولار لقيمة الوحدة الواحدة ولكن بعد يومين فقط انهارت إلى 11 ألف دولار.
ومن المعروف أن عدم الاستقرار والتذبذب من أكثر الأشياء التي يبغضها المستثمر وتؤدي إلى نفوره بعيدًا.
الآن بعدما وضعنا نقاط النقاش الأساسية سنتمكن من الإجابة على صلب السؤال قيد النقاش وبالاستعانة بدراسات وتعليقات من خبراء السوق حول تأثير البيتكوين على قيمة الذهب.
هل قيمة الذهب في خطر؟
يرى بعض المستثمرين ضرورة قصوى لتحويل تركيزهم الكامل من الذهب إلى عملة بيتكوين الرقمية فذلك يبدو للجميع القرار الصائب نظرًا لارتفاع قيمة العملات الرقمية أمام الأداء المتخبط قليلاً للذهب.
- للتعليق على هذا الأمر، يقول "جيف كوري" خبير اقتصادي ورئيس عالمي لأبحاث السلع في قسم أبحاث الاستثمار العالمي في مصرف جولدمان ساكس الاستثماري، إن الذهب قد شهد بالفعل بعض الانخفاض بالقيمة مقابل الدولار وبعض العملات الأخرى وهو ما حرّض مشاعر القلق عند المستثمرين بأن تصبح عملة بيتكوين بديلاً للذهب للتحوط من أزمة التضخم وانخفاض القيمة المفاجئ.
ويضيف كوري قائلاً بأن هنالك بعض المستثمرين الذين اتخذوا خطوة الاستبدال بين الذهب وعملة بيتكوين بالفعل ولكنه يؤكد قطعًا أن العملة الرقمية سابقة الذكر لا تهدد قيمة الذهب لاعتباره عملة الملاذ الأخير.
- هذا ويجتمع خبراء مصرف جولدمان الاستثماري على هذا الرأي ويستندون باعتقادهم الثابت إلى انسحاب كبار المستثمرين والممولين من الاستثمار بعملة البيتكوين لما تعانيه من مشاكل عديدة.
أبرز هذه المشاكل غياب الشفافية وما يصاحبه ذلك من تعقيدات أخرى بخصوص المرونة والاستقرار، بالإضافة إلى طبيعة الاستثمار المضارب على عملة البيتكوين يجعلها أصل شديد الخطورة، وأن حالات الانخفاض بقيمة الذهب ليست بالضرورة مرتبطة بزيادة الإقبال على عملة البيتكوين بل قد تعود إلى اتباع سياسة استثمار معينة مثل التركيز على أصول عالية الخطورة وليس لوجود قلق عام حول قيمة الذهب.
ومن هذا المنطلق يعتبر خبراء المصرف التجارة والاستثمار بعملة بيتكوين تجارة خطيرة مهما كانت مربحة، بينما الذهب أمر مختلف تمامًا، لكونه من الأصول الدفاعلية الرئيسية لمحاربة حالات الأزمات المختلفة ومن الطرق الأمثل للحفاظ على رأس المال للمدى الطويل.
لا يرى كوري وزملاؤه تهديدًا حقيقيًا لقيمة الذهب في العام المقبل بل ويعتقد أيضًا أنه من الممكن لكل من الاثنين أن يتعايشا في البيئة الاقتصادية نفسها.
- يمتلك خبراء بنك "جي بي مورغان" نظرة مثيرة للاهتمام حول مستقبل هذا الجدل الحائر.
يعتقدون أن العملة الرقمية قد تصبح البديلة للذهب وأمثاله في المستقبل ولكن لا يرون حدوث ذلك الآن.
السبب هو أن معظم المستثمرين بالعملات الرقمية هم في الحقيقة من جيل الألفية المعاصرين والذين لا يحتكون كثيرًا بقضايا السوق الاقتصادية ودراساتها على عكس المستثمرون الأكبر سنًا، إلا أنهم سيمتلكون تأثيرًا رئيسيًا مباشرًا على المدى الطويل وهو المبدأ الذي يعزز نظرية بنك "جي بي مورغان" حول استقرار قيمة الذهب الآن وربما للسنوات اللاحقة أيضًا لكن ما بعد ذلك قد يشهد سيطرة تدريجية من العملات الرقمية.
الذهب ليس معرضا للخطر إذا أردنا الإجابة على السؤال ببساطة شديدة، ولكن أن يكون أغلى أو أرخص من البيتكوين هو موضوع مختلف تمامًا.
المصدر : 1