دائرة الإبداع والأرباح: التداخلات بين المستثمر والمطور في صناعة ألعاب الفيديو
تمتاز صناعة ألعاب الفيديو عن غيرها من مجالات الترفيه الأخرى، أنها تحوي جانبًا إبداعيًا يظهر بقوة في كل منتج يتم إطلاقه من الألعاب الإلكترونية، وهو ما يمهد الطريق للعقول المالية لاستغلال ذلك الإبداع بتوقيع المزيد من العقود التجارية المربحة.
صناعة ألعاب الفيديو.. ماذا تشمل؟
في عام 2017 قدرت منظمة برمجيات الترفيه ESA، وهي رابطة تجارية لصناعة ألعاب الفيديو مقرها واشنطن، أن هذه الصناعة تضم ما يزيد عن 220 ألف عامل من التخصصات المختلفة.
التقرير الذي نشرته المنظمة الأمريكية آنذاك، تعكس أرقامه ضخامة حجم قطاع صناعة ألعاب الفيديو، ومن الأمثلة على الإحصاءات المثيرة لحجم صناعة الألعاب بالولايات المتحدة وحدها، ومنذ نحو 4 سنوات ما يلي:
- 2300 شركة برمجيات عاملة في القطاع
- 525 شركة نشر
- 66000 عامل أساسي
- 220000 إجمالي العمال الآخرين بالقطاع
صناعة ألعاب الفيديو تتضمن 6 مستويات هي:
- تطوير ألعاب الفيديو، وتشمل المبرمجين، المصممين، فناني الألعاب، البرمجيات الوسيطة وأدوات تطوير أخرى
- النشر، ويشمل مصدر تمويل تطوير اللعبة وتوفير التسويق والإعلان اللازمين لها
- التوزيع، ويتضمن عمليات تصنيع ونسخ وتغليف وسائط الألعاب التي تباع بالتجزئة
- بائعو التجزئة، ومنهم تجار الألعاب والمتاجر الكبرى التي تسوق للعبة
- الشركات المصنعة للأجهزة والمنصات، والتي تكون هدفًا للصناع بتطوير ألعاب تتوافق مع معاييرها
- المستهلكون، وهم عملاء تلك الصناعة المباشرين ويقصد بهم اللاعبين
الاستثمار في ألعاب الفيديو
بداية دعونا نلقي نظرة نصية على الآلية المبسطة لجني المال عبر صناعة ألعاب الفيديو الضخمة، قبل الغوص أكثر في قضية «دائرة الإبداع والأرباح» التي سنتحدث عن معناها أكثر لاحقًا.
اقرأ أيضا: أكثر الألعاب الإلكترونية رواجا خلال فترة الحجر
ولا شك أن كسب الإيرادات المالية في هذه الصناعة، لا يتم عبر طريقة واحدة بمفهوم متعارف عليه، وإنما نستطيع حصر الطرق الشائعة إلى قسمين:
- إقبال من المستثمر الواحد
- شركة نشر مدعومة ماليًا
إنّ إقبال المستثمر المستقل هو ما يمثله أي شخص منا يريد وضع بعض من أمواله في مشروع لعبة فيديو أعجبه، وفي أغلب الأوقات لا يستطيع ببساطة التوجه للعبة أعجبته والاستثمار فيها لكسب حصة من مبيعاتها لاحقًا، وإنما ذلك صعب للغاية في أغلب الحالات بسبب المبلغ المالي الصغير نسبيًا الذي يستعد الشخص الواحد دفعه لقاء الاستثمار، وأيضًا حجم التعقيد القانوني وراء حقوق نشر اللعبة بين الشركة والمطور والمستثمرين الآخرين، وإشكالات قانونية أخرى تجعل من ذلك أمرًا متعبًا لا داعي له (كما قلنا في أغلب الحالات وليس دائمًا).
وإنما عادةً ما يتوجه المستثمر إلى شركة مسبقة التأسيس في هذه الصناعة وتمتلك من الشعبية الناجحة ما يكفي لجذب اهتمامه، ووقتها سيكون هذا الشخص بشراء سهم أو أكثر في هذه الشركة وعليه يستطيع جني المال من أرباح هذه الأسهم، أو عبر المتاجرة به تمامًا مثلما يفعل مع أي شركة أخرى خارج صناعة ألعاب الفيديو.
أما شركة النشر المدعومة ماليًا فهي الوعاء الذي يستوعب اهتمام المستثمرين حول العالم، ومن المهم جدًا لها أن تكون شركة مفتوحة عالميًا، فليس من المنطق أن تكون على المستوى المحلي فقط، وتقليل فرصة جمع رؤوس الأموال والميزانيات الكافية لأعمالها.
وغالبًا ما تبدأ أي شركة ألعاب من قبل مستثمر كبير، يؤسس الشركة ويمولها، بينما يسعى للاتفاق مع استديوهات تطوير يعتقد أنها ستقدم محتويات جذابة للمستخدمين حول العالم، ويوافق على تمويل مشروعه مقابل الحصول على الإيرادات المالية جميعها ومنح الاستديو حصة منها (أو أي صورة اتفاق أخرى يمكن أن يصل لها الطرفين).
ومن الممكن أيضًا أن تكون الشركة الناشرة هي نفسها المطورة، أو أن يكون الاستوديو المطور هو الناشر المستقل لمشروعه، وهذا يخلق فرصة أكبر بكثير لجمع الأرباح، لكن لا يستطيع الاستغناء عن أهمية المستثمرين لكونه الممول الرئيسي لاستمرار عمله وتغطية تكاليف مشاريعه المستمرة.
تقديرات الأرباح بين المستثمرين والشركات
لا يوجد تقديرات ثابتة بالنسبة لقيمة الأرباح المتوقعة للمستثمر الواحد، فهذا من الصعب تحديده بمعدل معين نظرًا لاختلاف حالة كل شركة عن الأخرى، وسعر وتقلبات أسهمها، لكن يمكن القول كمعدل بسيط إن كل استثمار يستطيع جمع ما بين 10% و15% من الأرباح، مقابل قيمة استثماره، وذلك قد يكون على المستوى السنوي حسب توزيعات الأرباح.
بالانتقال إلى الشركات، فإن الكثير منها يحصد ملايين الدولارات، وعلى سبيل المثال عملاقة هذه الصناعة شركة سوني قد جمعت خلال مشوارها الطويل في نشر وتمويل ألعاب الفيديو ما يتجاوز 20 مليار دولار أمريكي.
اقرأ أيضًا: تعرف على الجديد بعالم الألعاب في معرض الترفيه الإلكتروني E3
عندما نتذكر أثناء قراءة هذه الأرقام الهائلة بأن الشركة والمستثمر هما وجهان لعملة واحدة، نستطيع الاستيعاب معًا زيادة الاهتمام بشكل كبير من قبل رجال الأعمال حول العالم وكيف سوف ينعكس ذلك بشكل أو بآخر على صناعة هذه الألعاب نفسها، لنصل أخيرًا إلى جوهر القضية وهو دائرة شائكة تربط شغف المطور بضرورة كسب الأرباح.
إذًا ما دائرة الإبداع والأرباح؟
نعتبر العلاقة بين الصانع الشغوف للعبة والمستثمر ذي الاهتمام المالي البحث علاقة أشبه بحلقة دائرية لا يمكنه الهروب منها أو الالتفات بعيدًا، بل ستبقى في الإطار المستدير نفسه طيلة الوقت، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها دائرة متساوية القيمة بين الاثنين.
بدأت اهتمامات رجال الأعمال على مر السنوات تضع ضغطًا كبيرًا على شركات التمويل، للبحث عن الأرباح بأفضل شكل وأقل تكاليف، حتى ولو أدى ذلك إلى تقليص جودة الإبداع في المشروع الترفيهي، فطالما هنالك إيرادات مالية سوف تستمر الدائرة بالتوسع لمصلحة المستثمر وتضيق على رقبة المطور.
ونهضت في العقد الأخير جدالات حول انخفاض جودة ومعايير صناعة هذه الألعاب الترفيهية والرسالة المبنية عليها وراء البحث عن المربح أكثر، ومع أنها لا تزال إلى اليوم متمسكة بضرورة الإبداعات الفنية لكونها جوهر أساسي لجذب المستهلك في أغلب الحالات إلا أن سياسة الدائرة هذه قد تنقلب على أصحابها رأسًا على عقب.
المثال الأفضل على هذا هو حادثة حصلت منذ فترة قصيرة للشركة الضخمة Square Enix بعد أن وضعت خطة مقنعة تجاريًا، وهي استغلال شعبية ومحبة الأبطال الخارقين لتطوير لعبة فيديو عنها بآليات لعب بسيطة ومفهومة لأغلب فئات اللاعبين بعنوان Marvel's Avengers، ولكن كشف التقرير المالي الرسمي للشركة أنها تعرضت لخسارة بما يعادل 67 مليون دولار نتيجة فشل مبيعات اللعبة بالوصول إلى الرقم المطلوب، وحتى اليوم لم تكن كافية لتغطية تكاليف التطوير، والسبب أنها اعتمدت على فكرة تجارية بحتة مما أدى إلى انقلاب السحر على الساحر!
هل سوف يستمر ذلك بالحدوث خلال السنوات اللاحقة؟
في الحقيقة دائرة الإبداع والأرباح هذه معقدة ولا يبدو أنها تستطيع الاستقرار على طبيعة معينة (أي سيطرة جانب على آخر) فمن الممكن أن تتكرر الحادثة السابقة مرة أخرى ومرتين وثلاثة لكن سوف يؤدي ذلك إلى موازنة الدائرة من جديد تجنبًا لتحمل المزيد من الخسائر والتكاليف السلبية.
اقرأ أيضا: أكثر 10 ألعاب أونلاين ممارسة على مستوى العالم
ومن جانب آخر سوف تستمر التدخلات المالية بقوة وتنهض أكثر وأكثر في هذه الصناعة كلما شهدت قفزات في الإيرادات المالية مما يعني أن خطر الخسارة سيرتفع وخطر انحدار القيمة الفنية والإبداعية سوف يزداد أكثر وأكثر مما يضع أمام المستثمر أو الشركة دراسات بحاجة إلى دقة قبل الإقدام على خطوة استثمارية كهذه.