قمة G20 الرياض 2020.. نحو إدارة رشيدة لأزمة عالمية
"اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع"، بهذا الشعار، افتتحت السعودية قمة مجموعة العشرين الخامسة عشرة بالرياض، تحت رئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسط ظروف استثنائية بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد COVID-19، والذي كان أهم المواضيع التي تمت مناقشتها في هذه الدورة، وذلك بسبب التأثير الخطير الذي أثر به هذا الوباء في الاقتصاد العالمي على مدار ما يقارب السنة منذ ظهوره. خلصت هذه الدورة إلى مجموعة من النتائج المهمة والضرورية للنهوض بالاقتصاد العالمي باعتبار أن مجموعة العشرين تضم الدول الاقتصادية الكبرى، فإن كل الأنظار كانت قد اتجهت للعاصمة الرياض يومي 21 – 22 نوفمبر 2020، على أمل الخروج بنتائج هامة تخرج بالعالم إلى واقع أفضل، فما هي أبرز النتائج التي تم الاتفاق عليها؟ وما هي تأثيرات ذلك على المستقبل العالمي؟
1- الانتعاش الاقتصادي مرهون بالسيطرة على الفيروس المستجد:
خلال هذا الاجتماع الذي يعتبر الأهم منذ ظهور جائحة كورونا، تعهدت الدول الـ 20G والتي تعتبر أقوى الاقتصادات العالمية بقيادة معركة لا هوادة فيها ضد أزمة فيروس COVID-19 والآثار التي ترتبت عنه، سواء تلك الآثار الاقتصادية التي عصفت بالأسواق أو الصحية التي جعلت المستشفيات جحيما يعج بالحالات المصابة، حالة خانقة عاشها العالم في النصف الأول من السنة الجارية، وبالنسبة لتحسن الأحوال في بعض الدول التي باشرت منذ اشهر نشاطاتها الاقتصادية، فإن القادة ذهبوا إلى أن هذا الانتعاش غير منتظم وغير مؤكد بدرجة مريحة لأنه يبقى خاضع لمخاطر الهبوط والانهيار، لا سيما أن هناك دولاً عدة اتجهت للحجر الصحي مجددا وهو ما يعني أن الانتعاش الاقتصادي العالمي لن يتم إلا بالسيطرة الشاملة على الفيروس، وهذا لن يحصل إلا بظهور لقاح فعال.
2- تعهد الـ G20 بالتوفير العادل للقاح في حالة ظهوره رسميا:
بما أن هناك أخباراً متداولة عن اجتهادات فردية للحصول على اللقاح عالمياً، تم التطرق في هذا الاجتماع إلى موضوع مخاطر المنافسة الدولية للحصول على اللقاح، والصراع الذي يمكن أن يحدث بين الدول العالمية في حالة ظهور لقاح فعال، ولقد أجمع الأعضاء على ضرورة توحيد الصفوف والعمل الدؤوب من أجل الخروج من هذه الجائحة وتبعاتها. شركةfizer وبشراكة أمريكية ألمانية تتحدث عن اقتراب ظهور اللقاح بعد نجاح التجارب السريرية وفعالية اللقاح بنسبة 95%، ما يعني أن السباق سيحتدم بين الدول من أجل الحصول على هذا الدواء، الأمر الذي سيجعل وصوله للدول الفقيرة أو النامية صعباً لاعتبارات عديدة اقتصادية وسياسية. خلال هذه القمة تعهد القادة بتوفير اللقاح في حالة ظهوره في الأسواق للجميع حتى تلك الدول التي تعاني من ظروف صعبة، لأن النهضة الاقتصادية تشترط السيطرة على الفيروس على الصعيد العالمي، وتوفير اللقاح للدول التي ستعاني للحصول عليه سيعود بالفائدة على الجميع، وعلى الاقتصاد العالمي ككل.
3- رصد 11 تريليون دولار لتعافي الاقتصاد العالمي:
لم يكمن العالم على استعداد لمواجهة جائحة مثل التي نعيشها الآن، فالظهور الفجائي لفيروس كورونا المستجد سبب حالة من الارتباك في الأسواق العالمية وعطّل حركة التجارة العالمية، والسبب راجع لا محالة لعدم وجود خطة توافقية ومنطقية تدار بها أزمة بهذا الحجم، لذلك انهارت الأسواق والبورصات وانخفضت الأسهم الى حدود قياسية، ما جعل التجارة والاقتصاد يعيش حالة من اللااستقرار. خلال هذه الدورة للمجموعة، تمت الموافقة على مبادرة الرياض فيما يخص إصلاح منظمة التجارة العالمية وضبطها، ووضع آليات تضمن استمرار عمل أنشطة التجارة الدولية أثناء الجوائح، لضمان تدفق السلع والخدمات ولهذا تم رصد 11 تريليون دولار لتعافي الاقتصادات العالمية من الآثار السلبية لهذه الجائحة اقتصادياً واجتماعياً، والعمل في نفس السياق على صياغة نموذج استعجالي تدار به الأزمات الكبرى التي تهدد الاقتصاد، أو على الأقل تخفض من نسبة الخطر والخسائر.
4- حماية الوظائف وخلق الفرص:
إن الانتشار الواسع لفيروس كورونا المستجد، كان له تأثير كبير على سوق العمل، حيث إن الكثيرين قد فقدوا مناصبهم المهنية بسبب توقف العمل لأسباب متعلقة بانتشار الفيروس، لذلك نرى أنه قد تم تسريح آلاف العمال من مناصبهم المالية، من جهة أخرى فإن الأطباء والممرضين وكل العاملين في قطاعات الصحة في العالم، كانوا وما زالوا ينشطون على خط النار، ويتعاملون مباشرة مع حالات مصابة فعلا بالفيروس. تعتبر هذه الفئات العمالية الأكثر تأثرا بالجائحة، وعليه فلقد عملت مجموعة العشرين خلال اجتماعها هذا على دعم وحماية حقوق هؤلاء، من خلال الحفاظ على المناصب والوظائف لأصحابها، وخلق فرص لأولئك الذين تم تسريحهم أو إيقاف مسارهم المهني، كما شددت المجموعة على دعم احتواء عمال قطاع الصحة عالميا. هذا الإجراء من شأنه أن يخفف نسب البطالة بشكل كبير وهو الأمر الذي سيعيد الاقتصادات إلى مسارها نحو تحقيق النمو.
5- الاتفاق على تعليق الديون على الدول النامية:
من بين القرارات المهمة التي ذهب إليها قادة مجموعة العشرين حسب وزير الاستثمار المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح فإن المجموعة قد تبنت مبادرة مستمرة لتخفيف الآثار السلبية لتراكم الديون وأعبائها على الدول النامية والفقيرة حتي يونيو 2021 واستمرار تعليق 40% من ديون الدول النامية حتي يونيو 2021 التي استفادت منها 47 دولة إلى جانب دعم وتمويل المنشآت الصغيرة في مختلف بلدان العالم باعتبارها مشروعات مهمة في تنشيط الاقتصاد العالمي، في خطوة نحو معالجة الآثار السلبية لأزمة كورونا، إضافة إلى الالتزام التام بدعم القطاع الخاص مالياً وإجرائيًا عبر تدابير وقرارات لتخفيف آثار هذه الأزمة على هذا القطاع. هذا القرار من شأنه أن يخفف بعض الشيء على العديد من الدول التي تعاني كثيراً بسبب تفشي هذا الفيروس، وتعليق الديون سيجعل العالم يتفرغ للسيطرة على هذا الفيروس للقضاء على الجائحة، وبالتالي حدوث انتعاش اقتصادي عالمي.
6- تبني مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون:
خلال هذه القمة، تبنى القادة مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون للحفاظ علي البيئة وكوكب الأرض وحماية الأراضي لضمان الأمن الغذائي العالمي؛ حيث يعاني ما يزيد على مليار نسمة في العالم من نقص الغذاء، فحسب الإحصائيات يموت يوميا العشرات بسبب الجوع، وهو لا يقل خطورة عن فيروس كورونا إذا ما نظرنا للوفيات التي تحصدها المجاعات سنويا لذلك تطرق القادة في هذه القمة لمسألة الأمن الغذائي لأن هناك الكثير ممن يؤثر عبهم الجوع تأثيرا مباشرا، كما تم التطرق لمعالجة التغير المناخي الذي ألحق أضراراً خطيرة بكثير من دول العالم وما زال يعرض البشرية لمخاطر جمة، فهذه المبادرة تضمن تخزين الكربون وإعادة استخدامه صناعيا في صناعات دقيقة ليتحول إلى قيمة مضافة بدلاً من الوضع الحالي المهدد للبيئة.
7- الآفاق والتطلعات الاقتصادية لاجتماع مجموعة G20 الرياض 2020:
يعتبر اجتماع مجموعة العشرين 2020 أحد أهم اجتماعات المجموعة منذ سنة 2008، وذلك بسبب الحالة الكارثية التي وصل إليها الاقتصاد العالمي بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد والذي أدى إلى انهيار الاقتصاد الدولي وزيادة نسبة البطالة، وارتفاع الديون على الدول النامية والفقيرة. لقد ناقش القادة في قمة الرياض الخطوط العريضة لضبط الجائحة ورسم مسار متفق عليه للخروج منها، وفي الحقيقة فإن النتائج وجملة القرارات التي تم التوصل اليها تصب في فائدة الاقتصاد العالمي، فالعمل على التوصل للقاح والتعهد بتوفيره للجميع سيعجل بظهور الانتعاش الاقتصادي العالمي، لأن الوقت الذي كان سيستغرقه اللقاح للوصول الى كل البيوت سيستغرق على الأقل سنتين، لأنه سيتأثر بعوامل كثيرة خاصة الاقتصادية والسياسية منها، بالإضافة إلى أن حماية الوظائف وخلق الفرص يعتبر خيارا استراتيجيا لأن البطالة ستفاقم الوضع الاقتصادي أكثر فأكثر، والحفاظ على مناصب الشغل من شأنه أن يعجل بتعافي الاقتصاد العالمي. كما أن تعليق الديون على الدول المعنية حتى يونيو 2021 سيجعل هذه الدول تعيش حالة من الاتساع في التعامل مع الموضوع. وعليه فإن التوجه العالمي في الوقت الحالي هو التحكم في مؤشر الاقتصاد وقيادته للارتفاع، من خلال اتخاذ قرارات رشيدة تفتح الطريق أمام الجميع من أجل التطور والرقي بعد عام كامل من الركود وتكبد الخسائر، يمكن أن نقول إنه قد حان الوقت للتعاون من أجل دفع عجلة التنمية العالمية، وفي الواقع كان يجب أن يجلس قادة الاقتصادات العالمية منذ الأيام الأولى للجائحة من أجل ضبط الأمور واتخاذ قرارات رشيدة تعود بالفائدة على الجميع.
قمة العشرين الرياض 2020، كانت قمة ناجحة في نظر الكثير من المتابعين لأنها عالجت موضوعات عديدة ورهانات أهمها احتواء فيروس COVID-19 و النهوض بالاقتصاد العالمي، ولم يتم خلال وقت سابق من هذا العام الحديث عن إدارة موضوعية للأزمة مثل ما تم مناقشته في هذه القمة، وهذا ما يجعلنا ندرك أهمية التعاون الاقتصادي في العالم، من أجل الحفاظ على الاقتصاد العالمي، لأنه وكما شاهدنا، فإن أكبر الدول وأقواها عسكريا واقتصاديا وبشريا، لم تستطع أن تحمي نفسها من الأخطار، و التعاون المشترك والجلوس على طاولات الحوار خلال الأوقات العصيبة يعتبر حتمية لإدارة الأزمات إدارة ناجحة وفعالة.