هل عالم صناعة الساعات الفاخرة مستعد لتبني البلوك تشين؟
برغم أن التقنية من ناحية «التسمية» معروفة منذ مدة ولكن إن سألتم عن مفهوم الآخرين البلوك تشين فإن قلة قليلة ستملك إجابة تتجاوز مفهوم البيتكوين. تقنية البلوك تشين أبعد بكثير من البيتكوين فهي نظام متكامل مشترك آني ومشفر وغير مركزي لمعالجة المعلومات، مفتوح أمام الجميع في السلسلة.
أي وبكل بساطة البلوك تشين توفر عنصراَ رقمياً فريداً في عالم يشير فيه المنطق التقليدي إلى أنه يمكن نسخ «الأشياء» الرقمية بسهولة ويسر.
الرموز، في لغة البلوك تشين، هي تلك العناصر التي تتكون من أجزاء معقدة ومشفرة من البيانات الرقمية المخزنة في «دفاتر» رقمية موزعة. ولكن ما الذي يعنيه هذا كله لعالم صناعة الساعات الفاخرة؟
تجاوزت إحداها النصف مليون دولار.. أغلى ساعات تم بيعها على موقع إيباي
الوعود العديدة لبلوك تشين لعالم صناعة الساعات الفاخرة
غالبية الذين يعملون في مجال البلوك تشين ما زالوا يسعون جاهدين لهدف واحد وهو بيع تقنية التتبع الخاصة بالبلوك تشين لشركات صناعة الساعات الفاخرة. لغاية الآن لم تقم أي شركة من الشركات الكبرى والمعروفة باعتماد التقنية هذه برغم أنه يمكنها أن تعود عليهم بالكثير من الفائدة.
الإطار العريض الذي يمكن لشركات صناعة الساعات الفاخرة تبني تقنية بلوك تشين من خلاله هو الأصل والنشأة . من الناحية النظرية، الساعة المنجزة والمكتملة العناصر سيتم ربطها أو ربط عناصر منها برمز بلوك تشين. ولأنه لا يمكن سوى أن يكون هناك رمز واحد فحينها سيكون هناك عنصر واحد فعلي «واقعي» يرتبط به. الساعة الأصلية التي تملك رمزاً خاصاً بها يمكنها أن تحمي نفسها من التزييف وذلك لأن الساعة الأصلية والحقيقة فقط سيتم ربطها بمعرف البلوك تشين الحقيقي.
المقاربة هذه ثورية لأن ذلك يعني أنه لم يعد هناك حاجة للخبراء لتحديد ما إن كانت الساعة أصلية أو مزيفة، والبديل سيكون آلة مسح من نوع ما تقارن رمز البلوك تشين الخاص في الساعة بالمعلومات المخزنة في أنظمة البلوك تشين.
المعرفات الفريدة المرتبطة بالساعات لا تتعلق فقط بتمييز الأصلي من المزيف إذ إنها مع نظام التتبع يمكنها أن تساعد على تقليل خسائر شركات صناعة الساعات الفاخرة، تحسين خدمة العملاء، وتقليص المعلومات الخاطئة وفي بعض النواحي تزيد من ربحية الشركات.
ولكن وبرغم كل هذه الوعود شركات صناعة الساعات الفاخرة ما تزال تتخوف من عالم البلوك تشين ولم تحاول الاستفادة منه حتى الآن.
العقبات الرئيسة أمام التنفيذ
برغم أن عدداً كبيراً من الشركات التي تعمل في مجال البلوك تشين ما تزال تحث شركات صناعة الساعات الفاخرة على تبني التكنولوجيا هذه ولكن إلى الآن الرفض هو سيد الموقف خصوصاً عن الماركات الأكثر عراقة.
العامل الأول الذي يجعل شركات صناعة الساعات الفاخرة تتريث هو التكلفة المتوقعة مقابل المكافآت والأرباح المرتبطة باستخدام البلوك تشين.
الخلل في الواقع يرتبط بآلية عرض التكنولوجيا، إذ إنه يتم تقديمها لشركات صناعة الساعات الفاخرة مع افتراض مسبق بأن هذه الشركات تحتاج وبشكل فوري وعاجل لمزيد من التتبع لمنتجاتها.
ولكن الواقع هو أن الغالبية الساحقة من شركات صناعة الساعات الفاخرة تملك نظامها الخاص في التتبع وتملك تاريخها الممتاز في مجال التصنيع بفعالية. الساعات والأجزاء الخاصة بها لا تضيع بشكل متكرر والمشاكل المرتبطة بخدمة العملاء لا تتعلق بضعف نظام التتبع بقدر ما ترتبط بخلل أو نقص باليد العاملة.
في المقابل وحين يتعلق الأمر بالساعات المزيفة، شركات صناعات الساعات الفاخرة لا تشعر بالقلق حيالها. الساعات المزيفة موجودة في الأسواق ولكن في حالات نادرة جداً يشتري زبون ما ساعة مزيفة رغم نيته شراء ساعة أصلية. الشركات تدرك بأن زبائنها الذين يسعون لشراء ساعاتها الأصلية سيذهبون إلى المصدر وبالتالي لا تشعر بحاجة لوسائل ونظم جديدة للتمييز بين الأصلي والمزيف لخدمة هؤلاء الزبائن.
أجهزة إلكترونية داخل الساعات الميكانيكية؟
عقبة أخرى تتعلق بآلية دمج تقنية البلوك تشين في الساعات وفي مصانعها. المعضلة الكبرى تتعلق بشريحة التعرف، فأين يمكن وضعها؟ وكيف يمكن التأكد بأنه لن يتم إزالتها أو تدميرها؟ وفي حال تم وضع الشريحة هذه في سوار الساعة مثلاً ما الذي يضمن بأن من يريد التزييف والإستفادة لن يقوم باستبدال الأجزاء الأخرى الأصلية بأخرى مزيفة؟ وهل هذا يعني أنه يجب وضع شريحة تعريف في كل جزء من أجزاء الساعة؟ هذه الأسئلة وأخرى عديدة تدور في الفلك نفسه ما تزال من دون إجابات.
ثم تأتي الفكرة الأساسية التي تتخوف منها الشركات العريقة التي تضع أهمية كبرى على «نقاوة» الساعة والتي تعتبر أن الأجهزة التقنية الحديثة لا تتناسب ولا مكان لها في الساعات الميكانيكية التقليدية. هل سيشعر صانعو الساعات التقليديون بأن منتجاتهم نقية بالقدر الكافي رغم أنه يخفون أجهزة الكترونية داخلها؟ وهل سيغير هذا الواقع من قيمة المنتجات ومن جوهر كل علامة تجارية؟
أسئلة قد تبدو تافهة للبعض ولكنها بالنسبة لأقدم وأعرق الشركات هامة جداً لأن مفهوم شركاتهم بتمحور حول نقاوة المنتج.
لا حوافز مادية فورية للعلامات التجارية
البلوك تشين لا يخدم الشركات المصنعة بقدر ما يخدم الزبون وبالتالي الشركات المصنعة لن تستفيد مالياً بشكل كبير.
الشركات ستنفق مبالغ ضخمة ولكن في نهاية المطاف ستجد بأنها ليست الطرف الأكثر استفادة من التقنية هذه. فكروا بالأمر من هذه الناحية، من المستفيد من القدرة الفورية على معرفة ما إن كانت الساعة مزيفة أو أصلية؟ من المستفيد من القدرة على تتبع الساعة في حال كان يتم إصلاحها؟ من المستفيد من المعلومات المتوفرة عن تفاصيل الضمان أو الخدمة أو سجل الملكية أو غيرها من المعلومات المتعلقة بالساعة؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة هي أن المستفيد هو الزبون وليس الشركة التي تصنع الساعة. ربما على الساعين لإدخال التكنولوجيا هذه إلى عالم الساعات الفاخرة التوجه الى الزبون أولاً ولاحقاً حث الشركات على اللحاق بالركب.
التوجه يمكنه أن يكون لجامعي الساعات الذين يهمهم أن يحصلوا على هذا التكنولوجيا لأنها تعود عليهم بالفائدة من كل النواحي. ولاحقاً الشركات ستجد نفسها ملزمة على اعتمادها من أجل إرضاء الزبائن وتتبع الأنماط.
مشكلة «البصمة»
البصمة بشكلها التقليدي هي الرقم المتسلسل الذي يتم حفره على الساعات، وفي بعض النسخ المعاصرة «أكواد» محفورة داخل الساعات. المشكلة مع البصمة التقليدية هي أنه يمكن إزالتها ونسخها والمشكلة نفسها تفرض نفسها عند الحديث عن بصمة البلوك تشين. فما الذي يمنع قيام البعض بنقل شريحة تعريفية من ساعة أصلية ووضعها في ساعة مقلدة؟ لغاية الآن لم تقدم شركات البلوك تشين أي حلول. في الواقع «سمعة» نظام التتبع كاملاً المرتبط بالبلوك تشين يرتبط بإيجاد حلول لهذه المشكلة وما يتفرع عنها من مشاكل أخرى.
بعض الحلول المطروحة هي أن يكون للساعة نفسها نوع من البصمة الطبيعية، بصمة خاصة بها تشبه بصمة الإنسان أو أي معرف خاص فريد من نوعه يتم قياسه من خلال جهاز ضوئي أو أي جهاز آخر ثم يربط التوقيع الفريد هذا بالبيانات الأصلية. ولكن الحل هذا غير متوفر حالياً وقد لا يكون متوفراً قبل سنوات طويلة.
وبرغم أن بعض شركات صناعات الساعات الفاخرة بدأت بالدمج بين بعض أوجه البلوك تشين وأنظمة التتبع الخاصة بها فإن الأسماء الكبرى ما تزال تضع حاجراً بينها وبين التقنية هذه. حالياً هناك الكثير من العقبات التي تحول دون تطبيق كامل وشامل ولكننا قد نشهد في المستقبل على نقلة نوعية في عالم الساعات الفاخرة ولكن في الوقت الراهن الأسماء العريقة تفضل الاحتفاظ بنقاوة منتجها وعدم الدخول في هذا العالم.
المصدر: ١