لماذا يعتبر الاستقرار المالي من أهم عناصر تحقيق النمو الاقتصادي؟
أيام قليلة تفصلنا عن قمة مجموعة العشرين للعام الحالي، وهي المجموعة التي بدأت في عام 1999 بهدف مناقشة الأوضاع الاقتصادية والمالية للدول المشاركة، وظهر دورها الحقيقي في أزمة عام 2008، حيث لعبت دورًا بارزًا في العبور من الأزمة، ومن وقتها زادت أهمية المجموعة.
تضع المجموعة الاستقرار المالي في مقدمة أهدافها، ربما كان هذا هو الهدف الرئيس من قيامها في الأساس، ولكن ما الذي يعنيه الاستقرار المالي؟ وما هي العوامل المؤثرة في حدوثه؟ ولماذا يعتبر الاستقرار المالي من العناصر المهمة لتحقيق النمو الاقتصادي.
العوامل الثلاثة المؤثرة في الاستقرار المالي
يمكن تعريف الاستقرار المالي ببساطة على أنّه الحالة التي يمكن للنظام المالي من خلالها ممارسة مهامه بصورة فعّالة، ومقاومة أي صدمات اقتصادية محتملة، توجد ثلاث عوامل رئيسة تؤثر على تحقيق حالة الاستقرار المالي:
1- استقرار المؤسسات المالية: وهي الحالة التي تكون فيها المؤسسات المالية الفردية قادرة على أداء وظائفها بشكل سليم، دون الحاجة إلى أي مساعدة من المؤسسات الخارجية المختلفة.
2- استقرار الأسواق المالية: وهي الحالة التي تعني غياب الاضطرابات من المعاملات الحادثة في السوق، ولا يوجد اختلاف كبير في سعر الأصول المالية عن الأساسيات الاقتصادية مثل معدل النمو الاقتصادي ومعدل التضخم، وبالتالي يمكن للوكلاء الاقتصاديين العمل بثقة دون خوف.
3- استقرار البنية التحتية المالية: وهي الحالة التي يكون النظام المالي فيها منظّمًا بصورة فعّالة، فيمكن للأموال التحرّك بسهولة في جميع الاتّجاهات الاقتصادية المطلوبة، سواءً المدفوعات أو للتمويل أو لنقل السندات والأسهم.
يؤدي الاستقرار في هذه العوامل الثلاثة إلى تمكين المعاملات الاقتصادية، فالاستقرار في الأسواق والبنية التحتية سيسهل على المؤسسات العمل، مما يترتب عليه سلاسة في حركة النظام المالي داخل الدولة، وبالتالي يمكن الوصول إلى حالة الاستقرار المالي.
دور الاستقرار المالي في تحقيق النمو الاقتصادي
في الحقيقة تظهر القيمة الأصلية للاستقرار المالي بصورة أوضح في حالة غيابه، حيث تؤدي فترات عدم الاستقرار المالي إلى حدوث العديد من الأزمات للدول، وهو الأمر الذي ظهر في أزمة 2008 على سبيل المثال، وأصبح الجميع يهتم بتعزيز الاستقرار المالي للوصول إلى أفضل وضع.
يساعد وجود نظام مالي مستقر على زيادة القدرة في التحكم باستخدام الموارد بصورة مناسبة، والحفاظ على استقرار الأسعار، بجانب الحفاظ على مستويات التوظيف، والقضاء على أي تغيّرات يمكنها أن تؤثر على هذا الأمر، حيث يسهل عليه اتّخاذ إجراءات تصحيحية للتعامل مع الأزمات وإدارتها بصورة صحيحة، وهذا ما يجعل الاستقرار المالي يؤثر على تحقيق النمو الاقتصادي.
مهارات المستقبل (9): التفاوض طريقك للفوز في معاملاتك مع الآخرين
حيث تقوم أغلب المعاملات الاقتصادية على النظام المالي، ولا يقتصر الأمر على الدولة بمفردها، بل يشمل الدول الأخرى التي تتعامل معها، فقد يؤدي غياب الاستقرار المالي في دولة معينة إلى إحداث صعوبات في التعامل بينهما، وهذا ما يجعل مسألة الاستقرار المالي من المواضيع المتداولة بصورة واسعة في الاقتصاد اليوم.
يمكّن الاستقرار المالي الدولة كذلك من تقييم وإدارة المخاطر المالية المحتملة قبل حدوثها، وهذا يعني تحوّلها لممارسة الإدارة الاستباقية للنظم المالية، لمعرفة التهديدات المحتملة وكيفية التعامل معها والاستعداد الجيّد لها، وبالتالي العبور منها بسلام.
وفي حالة غياب الاستقرار المالي، فإنّ تكاليف الموارد تتضاعف ويصعب التحكم بها، وغالبًا تتوقف البنوك عن تمويل حتى المشاريع المربحة، ويحدث انحراف في أسعار الأصول وحدوث تضخم وانهيار في سوق الأسهم. بجانب احتمالية تأخر المدفوعات عن الوصول في وقتها، وهو ما يزيد من الأضرار على الوضع المالي.
لا يتوقف مفهوم الاستقرار المالي عند الدول، ولكنّه يمتد كذلك إلى الشركات والمؤسسات المختلفة، حيث توجد العديد من النظريات التي تستخدم لمعرفة مدى قدرة الشركات في الحفاظ على استقرارها المالي، وكيفية حساب هذا الأمر من خلال بعض المؤشرات.
تساعد هذه المؤشرات على التعرّف على حالة الخطر، أي عندما تُصبح الديون على الشركة أكبر من قيمة الأصول المملوكة لها، وبالتالي يمكن للشركات وضع خطة لإدارة هذه الأزمات. هذه النظريات مهمة جدًا، فبدونها ومع وجود العديد من العمليات التي تمارسها الشركة في أنشطتها، فقد يصعب معرفة إن كانت هناك مشكلة فعلية أو لا، وتفاجأ الشركات بالأزمة عند حدوثها.
منذ نهاية القرن الماضي، نجحت العديد من الدول في تحقيق النمو السريع في الصناعة المالية نتيجة التقدم في التحرير المالي، لكنّهم نتيجة لحالة عدم الاستقرار المالي فقدوا القدرة على تحقيق النمو الاقتصادي، وهذا ما جعل الاهتمام يتّجه نحو تحقيق الاستقرار المالي كأولوية قصوى للجميع، فبدونه سيتأثر النظام المالي سلبًا، وسيصبح النمو الاقتصادي حلمًا بعيد المنال على الجميع.
المصادر: