الكبك.. تاريخ من الأناقة والتميز
تاريخ الكبك طويل ومثير للإهتمام ويتداخل مع تاريخ تطور الملابس التي تتناسب مع مقاس الجسم. التحول إلى الملابس التي تناسب المقاس جعل إستخدام الأزرار ضرورة ملحة. التطور في الملابس وخصوصاً القمصان وظهور أنواع الأكمام المختلفة ولاحقاً الثورة الصناعية أدت إلى مرحلة الحاجة الى الكبك.
الملابس في العصور القديمة كان لها غاية واحدة وهي أن تكون عملية وترتبط بنمط الحياة والذي كان حياة الصيد، لاحقاً تطورت الملابس لتتناسب مع نمط الحياة القائم على الزراعة. ومع تطور المجتمعات بدأت الطبقات المختلفة في المجتمع تظهر وإصبحت الملابس وتفاصيلها ترتبط بالمكانة والمال والنفوذ.
دبابيس طية الصدر.. قطعة إكسسوار بسيطة بإمكانها إظهار شخصيتك ببراعة
البداية: الحاجة للجمال والتميز والإستعراضي
في القرن السابع عشر ومع تطور الملابس تراجعت شهرة أكمام الدانتيل التي ظهرت في عصر النهضة وبدأت تظهر أنماط جديدة عملية. في البداية إستخدام النبلاء الشرائط لربط الكمين وأناقة هذه الشرائط كانت ترتبط مباشرة بالمكانة الإجتماعية. ولكن مع نهاية القرن السابع عشر تم إستبدال الشرائط بأزار مصنوعة من المجوهرات وذلك لعدة أسباب إذ أنها كانت عملية أكثر من شرائط الدانتيل كما أنها كانت تظهر وتبرز وبالتالي توفر فرصة للإستعراض.
الأزار خلال تلك الفترة كانت عبارة عن زرين من الذهب أو الفضة، يتصلان ببعضهما البعض بسلسلة. وهذا التصميم هو بداية الكبك.
الكبك والعائلة الملكية
الكبك بشكله الأولي، الذي كان كما قلنا عبارة عن سلسلة تصل بين زرين من الفضة أو الذهب بات رمزاً إرستقراطياً مع قيام الملك تشارلز الثاني بإعتماده. الملك كان وفي كل المناسبات الرسمية يحرص على إرتداء الكبك. وبحلول القرن الثامن عشر بات الكبك جزءاً أساسياً من إكسسوارات العائلة الملكية والطبقات الإرستقراطية. وفي الواقع الكبك هو أول هدية تذكارية تصنع بمناسبة زواج أحد أفراد العائلة الملكية. فحين تزوج الملك تشارلز من كاثرين من براغانزا تم صنع كبك من الفضة رسم عليه صورة الملك وزوجته كهدية تذكارية تخلد هذا الزواج.
بحلول فترة حكم الملك جورج الثالث أصبحت هذه الأزرار أكثر زخرفة وكان النمط المعتمد هو رسم لوحات مصغرة على الجانب السفلي من قطعة من الزجاج أو الكوارتز. ولكن حتى مع الإبتعاد عن الذهب والفضة إلا أن الكبك إستمر ليكون من إكسسوارات النخبة وذلك لأن تصنيعه كان مكلفاً جداً.
الثورة الصناعية إبتكار الكبك كما نعرفه اليوم
أزرار الكم غالباً ما كانت تصمم مع أزرار مطابقة من الناحية الأمامية للقمصان خصوصاً للملابس الرسمية التي كانت تعتمد في القرنين التاسع عشر والعشرين. مع بداية العصر الفكتوري وحتى نهاية الثورة الصناعية بدأت الطبقات الوسطى في بريطانيا تعتمد الكبك ما أدخل عليه تعديلات عديدة. الطبقة الوسطى إستبدلت المجوهرات بمجوهرات مزيفة وتم إستبدال الذهب بالنحاس والفولاذ بالفضة.
في الـ ١٨٤٠ بدأت الأكمام الفرنسية أو الكم المزدوج تشتهر وتعتمد على نطاق واسع. ويمكن القول بأن رواية الكسندر دوما «الفرسان الثلاثة» التي نشرت في تلك الفترة تعتبر من المحفزات للأناقة ولشهرة الكبك خلال الفترات اللاحقة.
في روايته وصف دوما وبشكل دقيق الأكمام التي تم ثنيها الى الخلف للرجال الذي كانوا يحرسون الملك لويس الثالث عشر. وهذا الوصف ألهم المصممين الأوروبين لتعديل القميص ليصبح بكمين بفتحة واحدة .
في العام ١٨٨٢ قام جورج كريمنتز المهاجر الألماني بإبتكار الكبك كما نعرفه اليوم. كريمنتز إبتكر آلة مكنته من صنع أزرار من قطعة واحدة وكبك بتكلفة منخفضة. ومع وضع التوجه الجديد لكل ما هو عملي بالحسبان تم تصنيع الكبك بكميات كبيرة ما أخرجه من صفته الحصرية للطبقة الأرستقراطية ليكون متوفراً للجميع.
القرن العشرين.. ولادة جيل جديد من الكبك
على الرغم من أن الطبقة الوسطى المتنامية كانت تعشق أزرار الأكمام المزينة والمزخرفة خلال العصر الفكتوري ولكن الزخرفة فقدت شعبيتها خلال فترة «الآرت ديكو».ظهرت حركة الآرت ديكو للمرة الأولى في فرنسا، في أواخر القرن التاسع عشر، عندما أدرك العديد من الفنانين والمصممين البارزين، الذين لعبوا دوراً بارزاً في تطوير أسلوب الآرت نوفو، أن اعتماد الطرق التقليدية في الإنتاج أصبح غير مناسب لعالم عصري يتسم بالتحدي والميل للمكننة، وأنه قد حان الوقت للانتقال إلى نمط جديد على عتبة القرن الجديد.
الحرفيون المهارون مثل بيتر كارل فبيرجيه وصلوا الى مراحل متقدمة من إحتراف الزخرفة بنهاية القرن التاسع عشر وهذا ما مهد الطريق لإنتاجها بكميات كبيرة في القرن العشرين.
رياديون آخرون ومصممون مثل كارتييه وتيفاني بدأوا أيضاً بصناعة الكبك في القرن العشرين وكانوا متأثرين وبشدة في تصاميم بآرت ديكو والآرت نوفو والتكعيبية. الآرت نوفو هو منهج تحديث التصميم للهروب من إنتقاء الأنماط التاريخية والتي سبق وأن اشتهرت وكان الذين يعتمدون المنهج هذا يجدون الإلهام من الأشكال العضوية والهندسية، مستنبطين التصميمات المنمقة من نتيجة إتحاد الأشكال الطبيعية. أما المدرسة التكعيبية فتتخذ من الأشكال الهندسية أساساً لبناء العمل الفني إذا قامت هذه المدرسة على الأعتقاد بنظرية التبلور التعدينية التي تعدّ الهندسة أصولا للأجسام. ومع التأثر بالمدراس الثلاث هذه دخلنا مرحلة من الإبداع في التصاميم المتنوعة والمختلفة للكبك.
القرن العشرين هو الذروة في رحلة الكبك، ففي هذه الفترة قدمت مجموعة من المصنعيين والمصممين مقاربات وطرق مختلفة من أجل تصميم إكسسوار بسيط يسهل وضعه وخلعه.
في العام ١٩٢٤ قامت شركة بوير بإبتكار نظام تثبيت مكون عصا مائلة بين ساق مزدوج مثبت في القاعدة، وما زال نظام التثبيت هذا هو الأكثر إستخداماً حتى في يومنا هذا.
النمط هذا إستمر حتى الخمسينيات حيث ظهرت أنماط جديدة من الكبك والتي هي عبارة عن شريط منحني متصل بالكبك من جانب الى آخر.
بحلول السبعينيات بدأت القمصان بأزار عند الكمين تنتشر على نطاق واسع وبالتالي لم يعد هناك حاجة للكبك. ولكن في المقابل الكبك إستمر ليكون جزءاً من تصاميم الهوت كوتير وعدد كبير من الأشخاص إستمروا بإعتماده وساهموا بإبقائه حياً ونقله للأجيال القادمة.
في التسعينيات شهدنا على عودة دراماتيكية وللكبك وبات موضة لكل من ينشد الأناقة ولم يعد حكراً على الفئات الأكبر سناً بل شهدنا على إعادة إكتشاف الفئات الشابة لهذا الإكسسوار. خلال هذه الفترة شهدنا أيضاً على تنوع في التصاميم والمواد المستخدمة في الكبك خصوصاً من قبل غوتشي وبول سميث.
التسعينات، يمكن القول بأنه وفي نهايتها شهدنا على ولادة جيل جديد من الكبك. فما كان يتم إعتباره جزء من الطلات الرسمية باتت إكسسواراً معتمداً من الرجال والنساء على حد السواء للتعبير عن فراداتهم و تميزهم.
الكبك وفق المجتمعات في عصرنا الحالي
يختلف الإقبال على الكبك بإختلاف المجتمعات، ففي وقتنا الحالي الكبك محصور بالمناسبات الرسمية وللساعين خلف الاناقة الباهظة الثمن في بعض المجتمعات بينما نجده قطعة من الإكسسوارات المعتمدة على نطاق واسع جداً في مجتمعات أخرى ومن قبل جميع الفئات العمرية وفي غالبية المناسبات وليس فقط حكراً على المناسبات الرسمية.
يقال بأن الرجل عليه ألا يشتري الكبك لنفسه، بل عليه أن يتلقاه كهدية تحتفل بمناسبة خاصة وهامة. القول هذا يرتبط بعادة كانت معتمدة على نطاق واسع حين كان الكبك محصوراً بالطبقة الإرستقراطية وكان يصنع من المجوهرات. حالياً الكبك يأتي بمختلف الأشكال والألوان والمواد، من الكلاسيكية الى المعاصر والجنوني. ومع ذلك ورغم التنوع الإكسسوار هذا ما زال اللمسة الأخيرة المثالية لأي طلة كانت.