صناعة البشوت.. حرفة الأجداد الصامدة التى تتوارثها الأجيال
تشتهر المملكة العربية السعودية بالعديد من المهن المُأصلة لدى أبنائها، حيث يبرع أهل المملكة في صناعة البشوت، وخاصة سكان مدينة الأحساء، فيتوارث العديد من الأسر في المدينة صناعة البشوت أبًا عن جد، ويتسابق الجميع عند شراء المشلح على اقتناء ما تُنتجه هذه الأسر، حيث تحولت صناعتها إلى أشبه بالعلامة التجارية المميزة وسط تلك المنافسة.
يتقن الأبناء أسرار مهنة صناعة البشوت من الآباء، فيتوارث الجميع «سر الصنعة» منذ الصغر، وتشارك النساء في عمليات تصنيع المشلح بداية من عملية الحياكة للخيوط للبشوت حتى خياطته وتركيب خيوط الزري الذهبية، وتتميز البشوت عن بعضها بما تحمله من زخارف دقيقة وأكثر تميزًا فيعلو سعرها عند البيع، فتلك الصناعة المميزة في الأحساء تعتبر أشهر المهن إلى جانب العديد من الحرف الكثيرة، ولكنها شهدت تطورًا كبيرًا أكثر من مثيلاتها.
ماذا عن مسمى البشت؟
البشت مُسمى فارسي يطلق على قطعة القماش التى يتم ارتداؤها فوق الثوب، وهو ما تم التعارف عليه في مدينة الأحساء منذ زمن طويل وعُرف بالبشت أو المشلح، ويعطي البشت لمرتديه وقارًا ووجاهة، حيث يعتاد المسؤولون والوجهاء والأعيان ارتداءه في المناسبات الخاصة والأعياد والمناسبات الرسمية، وتحول فيما بعد لزي رسمي يتلقده المواطنون في البروتوكولات الرسمية، وغير ذلك يرتديه العريس بحفل زواجه.
البشت الحساوي
الأحسائيون برعوا في صناعة البشوت، حيث عُرفت تلك القطعة من الملابس في الوطن العربي بـ «البشت الحساوي»، وذلك يدل على جودة صناعته في الأحساء مما ميزه عن بقية الصناعات الشبيهة سواء المحلية أو العربية أو حتى الأجنبية الخاصة بحياكة البشوت، والذي يتم حياكته بشكل يدوي وتقليدي في الأحساء ولكن ببراعة ودقة كبيرتين من غزل الخيوط وصناعة القماش ومن ثم تطريزه يدويّاً.
مهنة القلافة.. سواعد هندست وبنت وأطلقت مراكبها لتخوض غمار البحر
البشت الحساوي ينقسم إلى العديد من الأنواع والأشكال المختلفة، ولكن أكثر تلك البشوت طلبًا هو «البشت الملكي»، وهو الأكثر تداولًا، ومن ثم يأتي البشت المنديلي، ثم الطابوق والمبروم والسف والمتوسع، وتختلف تلك الأنواع بتنوع ألوان الأقمشة، ولكن الرسمية منها هي الأسود، العودي المحروق، العودي، الأبيض والأشقر أيضًا، وتختلف أيضًا سماكة القماش، ففي الصيف يُفضّل الجميع القماش الياباني الرهيف، أما في الشتاء فالبحث يكون عن الوبر.
النجفي، البدراني، الوبر، التين، السدونية، الكيلاني، والبهبان تلك هي أبرز أو أشهر أنواع البشوت التى يتم صناعتها في الأحساء، وتتراوح أسعار البشوت من 3 إلى 6 آلاف ريال سعودي، على حسب نوعية القماش وتطريزه وسعر الذهب أيضًا، ويجب على مرتادي البشوت ألا يضعوا دهان العود أو العطر بشكل عام على الزري ويُفضل عدم تعريض البشوت للشمس وقتا طويلا، كما يجب غسله بالبخار.
عرفت المملكة العربية السعودية حرفة صناعة البشوت وأصول حياكتها منذ قرون عدة، وذلك عن طريق أهل الأحساء، الذين بدوا طوال الوقت مجيدين لتلك الحرفة، هذا ما أدلى به الشيخ عبدالله بن علي الحميد، خلال حديثه عن حرفة البشوت، كونه يمتلك أكبر مصانع لخياطة وتفصيل المشالح الحساوية، مؤكدًا أن إطلاق اسم «البشت الحساوي» على المنتج يدل على جودة صناعة الأحسائيين له.
كتب التاريخ تدون ما قام به الأحسائيون من براعة وإتقان في فن خياطة وحياكة المشالح بشكل يدوي، وذلك من فترة ظهور الإسلام، وفيما بعد نشر الأحسائيون الحرفة نفسها على أوقات متفرقة من التاريخ، بالإضافة إلى قيامهم بتصدير البشوت للعديد من مناطق المملكة المتفرقة، وتصديره للعديد من الدول المجاورة بالخليج العربي.
معوقات واجهت البشوت
ارتفاع أسعار المواد الخام المستخدمة في صناعة البشوت أدى إلى انخفاض أرباح المصنعين لقرابة الـ 15%، هذا بحسب ما يقوله شاكر الشهاب، أحد صناع البشوت على مدار 27 عامًا، مؤكدًا أنه رغم المعوقات التى واجهت صناع البشوت فإن هناك اهتماما كبيرا من الناس وإقبالا على شرائه، ويمكن للتجار تعويض الخسائر بمضاعفة المبيعات في أوقات ارتفاع أسعار المواد الخام والتى تعتبر مسببًا أساسيًّا في انخفاض الأرباح.
شاكر الشهاب كشف عن طريقة عملة في صناعة البشوت، مؤكدًا أن صناعة البشوت تمر بسبع مراحل، كل مرحلة منها منفصلة عن الآخرى يقوم بها عامل خاص، ولا يمكنه عمل المرحلة الأخرى، فكل مرحلة من المراحل تُعد تخصصًا قائما بذاته، ومن ثم تأتي مرحلة التجميع وهي المرحلة الأخيرة، ويكون بعدها البشت جاهزًا للبيع.
نحن نستورد بعض المواد التى تستخدم في صناعة البشوت وهناك بعض المواد الأخرى محلية الصنع، ولعل عمل الحاسب الآلي من أبرز الأعمال المستوردة من الخارج، فتلك المهنة هي مهنة الأجداد التى طرأ عليها العديد من أعمال التطوير الكبيرة، ونحن سنورثها إلى أبنائنا، هذا ما أضافه صانع البشوت السعودي الشهاب، مؤكدًا أن الوضع حاليًا تغير كثيرًا ولا يمكن مقارنته بالصناعة في الماضي فهو الآن أفضل من جميع النواحي.