هل سمعتم من قبل عن «الحكمة العلمية»؟ ما هي؟ وكيف تجعل حياتكم أفضل؟
قضى الفلاسفة اليونانيون القدماء الكثير من الوقت في التفكير في طبيعة الأمور المختلفة، لاسيما طبيعة الفضيلة، انظر مثلاً إلى سقراط الذي اعتقد أن هدف الإنسان هو الوصول إلى الحكمة. وفقًا لسقراط وطالبه أفلاطون الوصول إلى الحكمة يساعد الإنسان على فهم الفضائل، وبمجرد أن يصل المرء إلى الحكمة ويفهم الفضائل فإنه سيتحلى بها بشكل طبيعي، على سبيل المثال بمجرد أن يفهم الإنسان الطبيعة الحقيقية للعدالة فإنه سيكون عادلاً بشكل طبيعي.
أما أرسطو فرأى أن الاجتهاد لأداء الفضائل يخلق داخل الإنسان رغبة لفعل ما هو صواب، ويخلق الرغبة لجني الحكمة العلمية، ورأى أن الطريقة القديمة في التعامل مع الحكمة العلمية واعتبار التفكير المجرد أفضل وسيلة للحصول عليها ليست ملائمة، ووجد أن الحياة الفاضلة تتطلب نوعًا مُختلفًا من التفكير، نوعًا أكثر تحديدًا وعمليًا من الحكمة المجردة.
الحكمة العلمية والتطرف
يعتقد أرسطو أنه كي تصبح شخصًا فاضلاً فأنت في حاجة إلى الحكمة العلمية، ولكن لماذا نحتاج إلى الحكمة العلمية؟ بعد كل شيء فإن الفضيلة أمر جيد في حد ذاته أليس كذلك؟ يجيب الفيلسوف على هذا السؤال موضحًا أن كل فضيلة قد تتحول بسهولة إلى شيء سيئ أو خاطئ إذا لم نطبقها بشكل سليم، يمكن أن يتحول الادخار والتوفير إلى البخل وكذلك قد يتحول الاعتماد على الذات إلى عند شديد.
بالنسبة لأرسطو، فإنه كي تصبح رجلاً فاضلاً عليك تجنب التطرف من خلال التوسط والتفكير العقلاني والمنطقي، على أن تكون متوزانًا دائمًا، على سبيل المثال الإنسان الشجاع يخلق توازنا بين الجبن والتهور، والشخص المُخلص الذي يتسم بالولاء يخلق توازنا بين التمرد والطاعة العمياء.
ما أهمية الحكمة العلمية؟
حتى داخل المؤسسات والمنظمات التي تضع قوانين وقواعد صارمة تحدد شكل وطبيعة التعاملات المختلفة، فإنك تجد نفسك مُضطرًا لاتخاذ قرار مُعين، والتفكير في الشيء الصحيح الذي يجب عليك القيام به، وبمجرد مغادرة منزلك لن يخبرك أحد بما يجب أن تفعله في حياتك، ولم يرسم لك أحد أفضل مسار تتبعه كي تتخذ القرارات التي تجعل أمورك تسير على نحو سلس، المسؤولية بأكملها تقع على عاتقك، وبالتالي فإن قدرتك على اتخاذ القرارات بالاعتماد على الحكمة العقلية ستجعل حياتك أفضل كثيرًا، لأنك ستغدو أكثر قدرة على اتخاذ قرارات أفضل تنقلك إلى أماكن أفضل.
يعتقد أرسطو أن كل شيء له هدف مُعين أو غرض نهائي، وتحقيق هذا الهدف يقودك إلى التميز والاختلاف، ودائمًا ما كان الهدف النهائي للبشر هو السعادة وعيش حياة مُستقرة رغدة، والطريق إلى السعادة مُمهد بالقرارات التي تتخذ بحكمة، كلما كانت قراراتك أفضل كلما أحرزت تقدمًا أكبر، وزادت إمكاناتك، باختصار الحكمة العلمية هي الطريق إلى السعادة والتميز.
المكونات الرئيسية للحكمة العلمية
تحدث أرسطو في أحد كتبه عن المهارات والصفات التي يحتاجها الشخص كي يمتلك قدرا كبيرا من الحكمة العملية، وفقًا لأرسطو فإن الحكمة العملية تتطلب بعض الأمور والتي من بينها:
معرفة الهدف الرئيسي من وراء كل شيء: في حين أن لكل شخص هدفا عاما يسعى إلى تحقيقه، إلا أن لكل مرء شيئا فريدا يأمل في الوصول إليه وهو ما يميزه عن غير من بني البشر، وهو ما يحفزهم على التعلم وإثراء عقولهم والوصول إلى أقصى طاقتهم وقدراتهم.
الإدراك: حسب أرسطو فإن الحكمة العملية تتطلب معرفة كيفية التصرف في المواقف المُعينة، وتحتاج إلى إدراك وفهم الظروف المختلفة والتي تساعدنا على التفكير والمضي قدمًا، ومعرفة وفهم الحقائق وكيفية شعور الآخرين حيال ما يحدث.
الفكر المستنير: يظن كثيرون أن الحكمة العلمية بالنسبة لأرسطو هي عبارة عن حكمة نسبية لا يوجد فيها خير مُطلق أو شر مُطلق، إلا أن أرسطو يعتقد أن الحقيقة المطلقة أمر ضروري كي يكون الشخص حكيمًا، يتطلب فهم هذه الحقائق المُطلقة عقلاً مُستنيرًا والتأمل في الفضيلة والرذيلة، وفهم طبيعة كل منهم.
الخبرة: يؤكد أرسطو أن الحكمة العلمية مجموعة من التفاصيل، والتي تُعرف ونصل إليها بعد التجارب، لذلك يعجز الشباب عديمي الخبرة عن الوصول إلى الحكمة العلمية، ويحتاجون إلى فترة طويلة كي يصبحوا حكماء، ما يعني أنك كلما تعلمت أكثر من تجاربك كلما اقتربت من الحكمة.
التصرفات: يرى أرسطو أن التفكير والمداولات والمناقشات ليس لهم أي أهمية إذا لم نتصرف ونتخذ إجراء مُعين، يقول أرسطو إن الحكمة العملية مرتبطة بالعمل، فلا يكفي معرفة ما هو الشيء الحكيم الذي يتعين عليك القيام به، ولكن عليك أن تعرف ما هي الإجراءات التي يجب عليك القيام بها كذلك.
كيف تعزز الحكمة العلمية لديك؟
يوجد العديد من الأمور التي تساعدك على تعزيز الحكمة العلمية لديك، على سبيل المثال تعلم مهارات التفكير النقدي، وإعادة تعريف أهدافك وقيمة الحقيقية، وتقوية مهاراتك العقلية، والتأكد من أنك دائمًا تدرك الظروف والملابسات للمواقف المختلفة قبل اتخاذ أي قرار، لاسيما إذا كان قرارًا مُهمًا.
ولا تنسَ الخبرة فهي من أهم الأمور التي تساعك على تعزيز الحكمة العلمية، على سبيل المثال قد تشعر بالانزعاج لأنك درست فرعا مُعينا في الجامعة ولكنك الآن تعمل في وظيفة لا تمت له بأي صلة، حسنًا من حقك أن تستاء ولكن في الوقت نفسه لا تبالغ في مقدار انزعاجك، لأن أي خيار تقوم به في الحياة يعطيك خبرة حياتية، ويساعدك على اتخاذ أفضل في المرة القادمة، لذا لا تخف كثيرًا من ارتكاب أخطاء، ولا تفكر كثيرًا قبل اتخاذ قرار مُعين، لأنك بمجرد أن تبدأ في فعل شيء ما فإنك سوف تقرر ما هي الأشياء التي ترغب في تغييرها وستتمكن من تحديد الأمور التي تحتاج إليها، تذكر أنه ما دمت تتعلم من التجربة فإنك تزيد من مقدار الحكمة العلمية لديك.