نتيجة تعاون بين مرسيدس وفيلم "أفاتار": سيارة خيال علمي لمنتصف القرن تربط الإنسان بالطبيعة
ضمن خطة الانتقال إلى المستقبل التي حددت لها شركة مرسيدس- بنز عام 2039، جرى التعاون مع منتجي فيلم "أفاتار" للخيال العلمي، لإخراج سيارة تجريبية تنتمي إلى منتصف القرن الحالي، أطلقت عليها الشركة اسم (AVTR) الذي يعني "سيارة التحول المتقدم". ويمكن استبدال الحروف بكلمة "أفاتار" مجازاً، لتسهيل الإشارة إلى السيارة المستقبلية.
هذه السيارة العجيبة ظهرت للمرة الأولى هذا العام، في معرض إلكترونيات المستهلك الذي أقيم في لاس فيغاس. وبعد الكشف عن السيارة تجولت بالفعل في شوارع المدينة الأميركية لاستعراض قدراتها وإثبات أن الفكرة ليست شكلاً ثابتاً فقط، وإنما نموذج عملي متحرّك.
وهي سيارة، كما توحي فكرة الفيلم، تربط الإنسان بالطبيعة في تصميم عضوي، فيه أجزاء متحركة لتعزيز الانسيابية والترابط بين الإنسان والآلة، عبر أشكال هولوغرامية ثلاثية الأبعاد يقبض عليها السائق، فتصدر صوتاً موسيقياً، وتتحول إلى عالم متكامل على شاشة عريضة أمامه.
وهي بالطبع سيارة كهربائية ذاتية القيادة. وجاءت بتصميم مستقبلي يتسع لأربعة ركاب. ويستمد لمساته من الفيلم الذي يصور صراع الرأسمالية المتوحشة، مع عالم فطري متجانس يدافع عن وجوده في كوكب آخر، في منتصف القرن الثاني والعشرين.
ولا تشير السيارة إلى أي فئة محددة من شركة مرسيدس، ولكنها تكشف استعراضا للأفكار التي تجمع بين المصممين والمهندسين، في تصور لما سوف تكون عليه سيارات المستقبل، في ارتباط بين الإنسان والآلة والطبيعة. وهي تحمل أبواباً شفافة اللون تفتح إلى أعلى وتتّسم بخفة الوزن وامتزاجها بالألوان في تصميم أخاذ.
ويقول مدير التصميم المتقدم في الشركة ستيفان كول، إن الفريق درس تصور مخرج "أفاتار" جيمس كاميرون، وأفكاره وطبقها في هذه السيارة. ويعتمد التصميم على الخطوط المنحنية والأضواء، ولا يوجد في السيارة أي خط مستقيم. وخرجت السيارة "أفاتار" بهذا الشكل، بعد تجارب مشتركة بين فريقي التصميم من الشركة وفيلم "أفاتار".
في الفيلم ظهرت مخلوقات غريبة وجنس إنساني مختلف، كلها تأقلمت مع محيطها وبيئتها، وكذلك جاء تصميم السيارة ليحاكي هذا التأقلم. وتوجد على ظهر السيارة حراشف متحركة مستوحاة من أحد مخلوقات الفيلم، وظيفتها تعزيز انسيابية السيارة. كما استُبدلت بالإطارات العادية أخرى شبه كروية بخطوط متعددة الألوان تتغير ألوانها مع تحرك السيارة.
وتتحرك عجلات السيارة الأربع في اتجاهات مستقيمة وشبه عرضية، بحيث يمكنها أن تتحرك في اتجاهات منحرفة بنسبة 30 درجة، مثل حركة سرطان البحر. وهي إطارات أكثر رفقاً بمحيطها أيضاً، بحيث يمكن أن تنطلق فوق الحشائش والأعشاب، من دون أي ضرر للطبيعة.
وفي الداخل، يعتمد التصميم على لمس الأضواء، لعرض صور وفيديو ومعلومات على شاشة عريضة ثلاثية الشكل. مع مقاعد مستوحاة من الزهور والأمواج، بكسوة جلود نباتية وأرضية خشبية من مصادر مستدامة. ويختفي المقود في هذه السيارة التي تنطلق ذاتياً إلى الوجهات المبرمجة على نظامها الإلكتروني.
وتصنع المقاعد من مواد قماشية وبلاستيكية، بعد إعادة تدويرها. وتقول الشركة إن هذه المواد تمنح السيارة دفئاً داخلياً وارتباطاً بالطبيعة. ويقول مدير التصميم الداخلي للسيارة، غوردون واغنر، إن التصميم الداخلي للسيارة يشبه الشرنقة التي تحيط بالركاب وتحميهم.
وتعمل السيارة "أفاتار" بأربعة محركات كهربائية توفر طاقة 350 كيلوواط، أي ما يعادل 469 حصاناً. وتعتمد المحركات على بطاريات عضوية قدرتها 110 كيلوواط/ساعة، توفر للسيارة مدى 700 كيلومتر، قبل الحاجة إلى إعادة شحنها. وهي بطاريات لا تحتاج إلى كيماويات وتعتمد على مادة الغرافين الكربونية التي تستخدم في ألواح الطاقة الشمسية أيضاً، ويمكن إعادة تدويرها بالكامل.
وتختلف هذه البطاريات عن بطاريات السيارات الكهربائية في الوقت الحاضر، التي تعتمد على كيماويات ومواد لا يمكن إعادة تدويرها. واكتُشفت مادة الغرافين عام 2004، وهي أقوى مادة معروفة للإنسان، وتكوينها رقيق للغاية، ويمكن طيّها مثل المطاط. وفي عام 2018 اكتشفت شركة إسبانية أن مادة الغرافين يمكن استخدامها في صنع بطاريات يمكن شحنها أسرع من بطاريات ليثيوم- ايون بنحو 12 ضعفاً. ولا توجد في الوقت الحاضر بطاريات غرافين في الأسواق. من أهم خواص بطاريات الغرافين إمكانية إعادة تدويرها أيضاً.
هذه السيارة تصور فكرة ما قد يكون عليه ركوب السيارات في منتصف القرن الحالي. ويتواصل السائق مع السيارة، عبر وضع يده على قبوة مركزية ترتفع بمجرد لمسها. ومع استمرار الارتباط بين السائق والسيارة، يبدأ اهتزاز المقعد بوتيرة نبض قلب السيارة، في إشارة لتوحّد السيارة مع سائقها. وعندما يفرد السائق أو أحد الركاب راحة يده، تظهر عليها قائمة الوظائف التي يمكن أن يختار منها بقبضته، لكي تظهر على شاشة السيارة.
وبدلاً من عزل السيارة عن الضوضاء الخارجية، فإن نظام "أفاتار" يحتوي على نظام سماعي ثلاثي الأبعاد، ينقل الأصوات الخارجية إلى داخل السيارة ويربطها بمحيطها.
ويشبه هذا الارتباط ما ظهر في الفيلم من ارتباط أفراد جنس "نافي" مع الوحوش الطائرة التي تركبها عبر ربط الشعر بين المخلوقين. واتفق رئيس شركة مرسيدس- بنز أولا كالينيوس، ومخرج فيلم "أفاتار" جيمس كاميرون، على أن المستقبل سوف يعني الاندماج بين صناعة السيارات والخيال العلمي. وتتعرف السيارة إلى سائقها، عبر دقات قلبه وأسلوب تنفسه.
وتبدو بوضوح جهود الشركة الألمانية، لخفض البصمة الكربونية لها في المستقبل بتوفير سيارات نظيفة التشغيل، ويمكن إعادة تدويرها بلا ضرر على البيئة. وهو جهد تشارك فيه شركات السيارات الأخرى بطرق مختلفة.
ومن الواضح أن تصميم "أفاتار" جاء بهدف صنع سيارة ليست لها أية أضرار على البيئة، من ناحيتي عدم حرق وقود كربوني، من ناحية، أو ترك مخلفات غير قابلة للتدوير بعد الاستهلاك، من ناحية أخرى. وتأمل شركة مرسيدس أن تصل إلى هذا الهدف بحلول عام 2039. كما تشير خطة التحول في الشركة إلى أنها تأمل بأن تحقق خفضاً في استهلاك المياه والطاقة في عمليات التصنيع بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2030.
ويقول عضو مجلس إدارة شركة مرسيدس ماركوس شيفر، إن السيارة "أفاتار" تستعرض نموذجاً ليس له أي انعكاسات سلبية على البيئة. وتدخل مرسيدس بسيارة "إي كيو سي" الكهربائية إلى الأسواق هذا العام، وهي سيارة عملية تقطع 435 ميلاً بشحنة كهربائية واحدة. ويصل سعرها إلى 68 ألف دولار، ولكنها لا تحمل أياً من الأفكار الخيالية التي يحملها "أفاتار".