معرض فرانكفورت للسيارات 2019: نقلة عملية للدفع الكهربائي وحصار بيئي ألماني
في معرض فرانكفورت هذا العام، سيطرت الشركات الألمانية على الأجنحة، وانسحب عدد متزايد من الشركات، وافتتحت المستشارة ميركل المعرض، وانتشرت السيارات الكهربائية العملية، بدلاً من التجريبية. ولكن على غير العادة هذا العام، حوصر المعرض بتظاهرات بيئية تدعو لمنع إنتاج السيارات البترولية، خصوصاً الأنواع الرباعية الرياضية التي سماها المتظاهرون "قاتلة البيئة"، وزاد الحديث عن تراجع أهمية معارض السيارات، إلى درجة تصريح مسؤول ألماني، بأن معرض هذا العام قد يكون الأخير، بعد 121 دورة لمعرض فرانكفورت الذي بدأ عام 1897 بعرض ثماني سيارات.
في الدورات السابقة كان الزوار يستقلون سيارات ضيافة لزيارة الأجنحة المترامية الأطراف، ولكن مساحة المعرض هذا العام تقلصت من 200 ألف إلى 168 ألف متر مربع، كما انخفض عدد الشركات العارضة من 994 شركة في الدورة السابقة، إلى 800 شركة هذا العام. وانسحبت من المعرض شركات مهمة، مثل فيات وفولفو وميتسوبيشي ونيسان وسوبارو، وشيفروليه وكاديلاك وإستون مارتن.
برنارد ماتيس، رئيس جمعية مصنعي السيارات الألمانية، بذل قصاراه، لشرح جهود الشركات في المحافظة على البيئة وقال إنها تستثمر بغزارة في وسائل نقل نظيفة ومستدامة للمستقبل. وكان ذلك رداً على جماعات البيئة التي هشّمت عدداً من السيارات الجديدة قبل المعارض بأسابيع، وطالبت بإلغاء معرض هذا العام. ودعا ماتيس المحتجين إلى حوار ولكن بلا استجابة.
ونفى ماتيس أن يكون عصر السيارات ومعارضها إلى أفول، وقال إن الصناعة تمر بمرحلة تحول جذرية نحو الطاقة النظيفة. ولكن تصريحات ماتيس لم تقنع المحتجين الذين حاصروا المعرض في أيامه الأولى، ورفعوا لافتات عليها عبارات مناهضة للصناعة التي يعدّونها ملوثة للبيئة.
من أهم النماذج الكهربائية التي ظهرت في فرانكفورت هذا العام، كانت سيارة بورشه تايكان، و"أي دي 3" من فولكسفاغن، وشاحنة كهربائية من مرسيدس. ولكن الشركات الثلاث أقبلت على الكشف الإعلامي لسياراتها الجديدة قبل المعرض، في مواقع أخرى بعيدة عن فرانكفورت.
الحضور الجماهيري
الاحتجاجات البيئية أثرت قليلاً في الحضور الجماهيري، الذي حضر خصيصاً لمشاهدة الأنواع الكهربائية الجديدة التي ظهرت للمرة الأولى عالمياً في المعرض. وانخفض عدد الحضور هذا العام بنحو 20 في المئة، عن حضور الدورة السابقة عام 2017 الذي بلغ 810 آلاف زائر. وجاء معظم هذا الحضور لإلقاء نظرة على السيارات الكهربائية المعروضة، ومع ذلك كانت النسبة الكبرى من المعروضات لسيارات بترولية أو هايبرد.
وتشير التجربة الواقعية للأسواق التي تنتشر فيها نسب أعلى من السيارات الكهربائية إلى أن الطلب يعتمد في الأغلب على حوافز حكومية سخية، حيث انخفض الطلب في الصين على السيارات الكهربائية في أغسطس/ آب الماضي، وللشهر الثاني على التوالي، بعد أن خفضت الحكومة الدعم. ونظراً لأن هوامش الربح في السيارات الكهربائية ضعيفة، لم تستطع الشركات تعويض نسبة الدعم بخفض الأسعار، ولذلك تراجع الطلب. السيناريو نفسه تكرر في النرويج والدانمرك في أوروبا.
ولا تستطيع السيارات الكهربائية أن تنافس من دون الدعم، لأنها مازالت أغلى هامشياً من السيارات البترولية، ولا توفر المزايا التي يحتاج إليها المستهلك، من حيث المدى والقدرة. كذلك لم تكتمل البنية التحتية لشبكة الشحن الكهربائي التي تضمن دوام التشغيل الكهربائي في كل المناطق الجغرافية.
ولا تتخطى السيارات الكهربائية في أوروبا، نسبة اثنين في المئة في معظم الأسواق، وهي نسبة تقتصر في الأغلب على قطاعي السيارات الصغير والمتوسط، مثل نيسان ليف وتيسلا "موديل 3" و"أي دي 3" من فولكسفاغن. وهي سيارات لا يزيد متوسط ثمنها على 35 ألف دولار.
ورغم أن حصة السوق الضئيلة والأسعار المنخفضة للسيارات الكهربائية، لا تبدو مغرية للشركات، للتنافس في هذا القطاع، فإن الشركات مضطرة للحضور فيه، لأنه يمثل لها نافذة على أسواق المستقبل. ولا تجد الشركات مناصاً من خوض هذه المنافسة، لسببين: الأول هو الحضور في القطاع، قبل توسعه المتوقع في المستقبل، والثاني: ضرورة الالتزام بمعايير البيئة الأوروبية المتشددة، وإلا تعرضت للغرامات.
ولهذا السبب أنفقت شركة فولكسفاغن 30 مليار يورو في الاستثمار، على تطوير عائلة "أي دي" الكهربائية. وكانت أهم جوانب التقدم الذي أحرزته الشركة في سيارة "أي دي 3" هو أنها زادت مداها إلى 330 كيلومتراً، قبل الحاجة إلى إعادة الشحن الكهربائي، وهو مدى يغطي أغلب الرحلات ذهاباً وإياباً، ويغني عن البحث عن محطات شحن على الطريق.
ولكن الضجة في معرض هذا العام، كانت على طراز بورشه تايكان، الذي أثار الكثير من الحوار في المعرض، كونه أفخم المتاح في القطاع حتى الآن. ولكن هذه الفخامة تأتي بثمن باهظ لا يقل عن 185.5 الف يورو لفئة تايكان إس. وقدمت شركات أخرى سيارات في القطاع المتوسط مثل "أي بيس" من جاغوار و"إي ترون" من أودي. كما ظهرت كثير من السيارات الكهربائية التجريبية، مثل اودي "إيه وان تريل" ومرسيدس "إي كيو سي".
وتعمل شركات عدة على تحسين شبكة الشحن الكهربائي في أوروبا، حيث تتعاون شركات مرسيدس وبي إم دبليو وفورد وفولكسفاغن وهيونداي، على بناء شبكة شحن كهربائي سريع اختير لها اسم "أيونتي"، وهي تضم 400 محطة شحن سريع في أرجاء أوروبا.
رغم الاستثمار المكثف في التقنيات الكهربائية والبطاريات، فإن الصناعة لا تشعر بالارتياح لاستجابة الجمهور الضعيفة حتى الآن، لشراء السيارات الكهربائية. ولا يبدو أن الاعتماد على الشعور البيئي وحده لدى الجمهور، سوف يدفع السيارات الكهربائية إلى النجاح وزيادة المبيعات. ولا يرى المستهلك أي قيمة إضافية للسيارات الكهربائية، تبرر له ثمنها المرتفع وقصورها في قطع المسافات الطويلة.
أفول معرض
لم تكن الضجة المصاحبة لمعرض فرانكفورت هذا العام، مماثلة لما كانت عليه في الدورات السابقة. فالحضور المتناقص والتظاهرات البيئية، وانسحاب نسبة كبيرة من الشركات والمستقبل الغامض الذي ينتظر الصناعة في مرحلة تحول جذرية ذات نتائج غير معروفة، كلها عوامل أسهمت في انعدام الحماس في أجنحة هذا العام.
ولم تنجح الشركات التي عرضت نماذج كهربائية، مثل بورشه تايكان وأوبل "كورسا إي" وفولكسفاغن "أي دي 3" في استعادة الإثارة بين الحضور. وأشارت الإحصاءات الرسمية بعد المعرض، إلى أن عدد الحضور لم يتخط 560 ألف زائر، متراجعاً عن رقم 810 آلاف زائر عام 2017 و932 ألف زائر في عام 2015.
ويبدو معرض فرانكفورت حالياً في مرحلة أفول. وهو ليس وحده الذي يعاني التهميش الجماهيري، حيث تشاركه في ذلك معارض أخرى، مثل باريس وديترويت. وتركز معظم شركات السيارات حالياً إنفاقها، على بثّ الكشف عن سياراتها الجديدة على الإنترنت، أو تنظيم مناسبات خاصة تقتصر عليها.
وعبر المدير التنفيذي لشركة أوبل، كارل توماس نيومان، على المعرض بتغريدة على "تويتر" قال فيها إن معرض هذا العام كان فاشلاً، و"مجرد ظل حزين لما كان عليه في الماضي". وتوقع ألا يعقد المعرض مرة أخرى عام 2021.
ويعتقد خبراء التسويق أن مندوبي مبيعات المعارض في المستقبل، سوف يجدون أن مهمتهم صارت عسيرة في بيع أجنحة معارضهم لمديري التسويق في الشركات، في ظل تصاعد الكلفة مع تراجع أعداد الحضور. ولم يجد برنارد ماتيس، رئيس رابطة صانعي السيارات الألمانية من مبررات لنجاح معرض فرانكفورت هذا العام، سوى القول إن الحضور الرقمي على الإنترنت كان كثيفاً. ويمكن للشركات تحقيق هذا الحضور الرقمي من دون الحضور الفعلي على أرض المعرض.
ويرى ماتيس أن إعادة احياء المعرض يجب أن تعتمد على تحويله إلى مناسبة ترفيه للعائلة، مثل زيارة ملاهي ديزني. كما يجب مساهمة الجمهور بتجربة سيارات جديدة في مواقع تكون مناسبة لهذه المناسبات، غير المواقع التي توجد فيها المعارض حالياً.
ومن المتوقع ان يتقرر مصير معرض فرانكفورت في ربيع عام 2020، ومن بين المقترحات نقل مقره إلى العاصمة الألمانية برلين التي تعدّ مركزاً مهماً للتقنيات الجديدة. من الاحتمالات الأخرى إلغاء المعرض بالمرة، وترك مهمة إيجاد البديل للشركات أنفسها.
وبدأت بالفعل مؤشرات التغيير بالتحول إلى ما يشبه مهرجان غودوود للسرعة في بريطانيا، حيث أعلنت إيطاليا أنها بصدد إقامة مهرجان مماثل على مضمار مونزا، بالقرب من ميلانو. وتقول مصادر إيطالية إن مهرجان ميلانو سوف يقام بداية من العام المقبل، وسوف يبدأ بعرض متحرك للسيارات المشاركة يمر من وسط المدينة. ولن تزيد تذكرة الدخول إلى المهرجان الإيطالي على 20 يورو يومياً، وهي أقل من كلفة تذكرة غودوود لنهاية الأسبوع التي تبلغ 70 جنيهاً إسترلينيا (87.5 دولار).