الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: لم أطمح للمنصب.. وإذا أقدمت على شيء أصل به إلى نهايته المنطقية
إدارة وأعمال 11 نوفمبر 2019
• لا أنافس لأكون رمزاً لروسيا.. وآمل بأن يعكس عملي ما يشغل روسيا وما يقلقها وماذا يمكن أن تكون.
• في عالمنا اليوم لا يزال الصراع الرئيس والمعركة الرئيسة هي قيادة العالم.
• دروس حروب الماضي لا تزال مناسبة.. لقد قمنا وسنقوم بكل ما هو ضروري لضمان الإمكانات العالية لقواتنا المسلحة.
• روسيا ستُجبر على إنتاج واستخدام الأسلحة اللازمة للردّ على أي تهديد حقيقي ومباشر.
• بناء علاقات معنا يعني إيجاد حلول مشتركة في قضايا معقدة، دون إملاءات علينا.
• لم أطمح لهذا المنصب قط.. وعندما عرض عليّ ترددت ولا أتشبّث به علماً بأنني كنت أستطيع بسهولة.
• إذا أقدمت على شيء أحاول أن أصل إلى النهاية المنطقية، أو على الأقل إلى أفضل نتائج ممكنة.
• نستخدم كل ما لدينا من إمكانات لتحقيق قفزة اقتصادية وتقنية ولرفع القدرات التنافسية التي تحدد المستقبل.
• رفع المستوى المعيشي للإنسان ورفاهيته وأمنه وصحته هي المهمة اليوم، ومركز سياستنا.
• واجبي وهدف حياتي أن أفعل كل شيء من أجل روسيا.. حاضرها ومستقبلها ليسودها السلام والرخاء.
• لست قادماً من كوكب آخر ولديّ إثباتات وشهادات من أقاربي ومن ابنتي.
• عندما تجري الحرب وهي أسوء ما يمكن أن يحصل بين الناس فلا مفرّ من وقوع ضحايا.
• المسؤول عن قتل المدنيين في سوريا المجموعات الإرهابية الذين يستخدمون الناس رهائن.
• ولي العهد السعودي شريك موثوق يمكن أن نتفق معه ونكون واثقين بتنفيذ تلك الاتفاقات.
• نحن سعداء جداً نتيجة عملنا الجماعي مع السعودية ولدينا فرصا للتعاون العسكري والتقني.
• الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط يعود إلى استمرار الدعم المقدم للإرهابيين.
"لست قادماً من كوكب آخر، ولديّ إثباتات وشهادات من أقاربي ومن ابنتي".. هذا ما يقوله بوتين بمنتهى الجدية، محاولاً إخفاء ابتسامته، رداً على سؤال فيما إذا كان رجل فضاء قادماً من كوكب آخر غير الأرض، كما يحاول البعض أَسطرته، لدرجة نزع الصفة البشرية عنه.
رجل ذو طموحات متعددة، في مقدمتها استعادة دور روسيا الريادي في العالم، مكانة روسيا أولاً، حتى لو أدى الأمر إلى بضع حروب هنا وهناك، دون أن يمنعه هذا عن الارتقاء بمستوى معيشة مواطنيه، وتطوير الخدمات الصحة، وتأمين السكن وفرص العمل، ورفع مستوى متوسط العمر - كما أوضح بالأرقام في خطابه السنوي - وخلق الظروف المواتية للإبداع وتطوير القدرات التنافسية لاقتصاد بلادة.
يوصف بأنه أحد اشهر رؤساء العالم وأكثرهم نفوذاً، ينتمي إلى أسرة بسيطة، أحب لعبة "الجودو"، وحصل على الحزام الأسود، أحب العمل الاستخباراتي، فدرس الحقوق وكُلّف مهمات استخبارية حساسة، ثم دخل المعترك السياسي، وتمكن من الفوز بأربع ولايات رئاسية. يحب الموسيقا والرياضة، لديه شغف خاص بالحيوانات، والكلاب وقد أهداه أحد الزعماء كلباً في عيد ميلاده.
إنه صاحب ثاني أطول فترة حكم بين رؤساء بلاده، بعد الزعيم الراحل جوزيف ستالين، اختارته مجلة "الرجل"، ليتصدر غلافها، وتقدم إضاءة شاملة عن حياته العامة واهتماماته الشخصية وتعرض لأهم طروحاته وأفكاره.
قبل قدومه إلى الحياة
قبل مولد فلاديمر بوتين في 7 أكتوبر 1952، في مدينة لينينغراد، عاشت أسرته ظروفاً قاسية أثناء الحرب العالمية الثانية، ذاقت مرارة الحصار والجوع، وقد توفي شقيقه في عمر 3 سنوات. يروي بوتين كفاح الأسرة كي يبقى شقيقه على قيد الحياة، يقول "والدي كان يعطيه حصته من الطعام في المستشفى، وكانت والدتي تخبئه وتخرجه سراً من المستشفى، من أجل إطعامه. وبدأ أبي يعاني الإغماء في المستشفى بسبب الجوع. وأدرك الأطباء والممرضات السبب ومنعوها من الدخول".
ويتابع "أخذوا منها طفلها. وقد فعلوا ذلك، كما أكدوا لاحقاً، من أجل إنقاذ الأطفال من الجوع، وجمعوهم في دور الأيتام لإجلائه، من دون سؤال الأهل وأصيب الطفل بالخُنّاق وتوفي".
عودة والدته إلى الحياة
ويتابع بوتين رواية ما حدث مع والدته أثناء تلك الفترة، بينما كانت تعيش وحدها بعيدة عن زوجها، كان يرقد في المستشفى، وبعيدة عن ابنها الذي عاش في دار الأيتام، أصابها المرض وثبّت الأطباء وفاتها، ووضعوها بين الجثث تمهيداً لدفنها.
ولحسن الحظ، عاد والد بوتين من المستشفى، وحين رأى الأطباء وهم يخرجون الجثث من المبنى الذي عاش فيه مع زوجته، لاحظ أن زوجته تتنفس، فصاح: "لا تزال على قيد الحياة"! إلا أن الأطباء أصروا على أنها ستموت قريباً، ومنعوه من استرجاعها، فهجم عليهم، وأخذ زوجته، وعالجها، وعاشت.. وبعد بضع سنوات أنجبت فلاديمير، وبقيت على قيد الحياة حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي.
اما عن والده (مواليد 1911)، فيوضح بوتين بأنه شارك في الحرب العالمية الثانية، وتمكن من النجاة بأعجوبة بعد مقتل 24 من رفاقه من أصل 28 من الذين كانوا يقاتلون معاً، وأصيب في ساقة جرّاء قنبلة ألقيت عليهم، واستقرت شظاياها في ساقه بقية حياته.
اضطرت العائلة للانتقال إلى قرية (بومينوفو)، يقول بوتين "كانت فرص بقائنا على قيد الحياة قليلة جداً، والقليل من الجنود تمكنوا من النجاة من ضمنهم والدي".
شغف الطفل بالجودو
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، غادرت العائلة إلى غرفة في شقة مشتركة (كومونالكا)، كانت تتقاسمها مع عائلتين في سان بطرسبرغ، في منطقة باسكوف لين. يتذكر بوتين "منزل" العائلة، "لقد كان غرفة في مبنى مع باحة، تقع في الطابق الخامس دون وجود مصعد"، ويضيف "والداي كانا فخورين جداً بمستويات المعيشة التي حققاها في ذلك الوقت. لم يكن ذلك كثيراً بالفعل، لكنه بدا وكأنه حلم نهائي لهم".
وعمل والده حارس أمن ثم "فورمان" في أعمال النقل، بينما والدته التي توصف بأنها امرأة لطيفة ومحبوبة، فكانت تعمل في أحد المصانع، وحين بدأ فلاديمير بوتين ممارسة لعبة الجودو، التي استحوذت على اهتمامه منذ سنّ مبكرة، حاولت منعه، يقول "في كل مرة أذهب فيها إلى جلسة تدريبات، كانت تتذمر، وأعود للبيت لأخوض معركة أخرى". لكن بوتين يلفت إلى أن "الأمور تغيرت، بعد أن زار مدربه المنزل وأخبر والديه بما فعله وما أنجزه؛ تغيّر موقف الأسرة تجاه هذه الرياضة".
طالب مدرسة مشاغب
دخل بوتين الابتدائية في مدينة لنينغراد عام 1960 ودرس حتى الصف الثامن ثم التحق بالمدرسة الثانوية، حيث أنهى دراسته هناك عام 1970.
لم يكن بوتين ذلك الطالب المجدّ والملتزم بدراسته، يقول "كنت دائماً متأخراً على صفي، لذلك حتى في فصل الشتاء لم يكن لديّ وقت للارتداء بشكل صحيح" ويكشف بأنه لم يكن رائدا في مدرسته، بل يصف نفسه بـ"الطالب المشاغب".
يقول معلمه، فيرا غوريفيتش إنه شعر بأن لدى بوتين وهو في الصف الخامس إمكانات وطاقة شخصية. ويضيف "رأيت أنه كان لديه اهتمام كبير باللغة. التقطها بسهولة. كان لديه ذاكرة جيدة جداً وعقل رشيق".
وتوقع أن هناك شيئاً جيداً سيأتي لهذا الصبي، ويضيف "لذلك قررت أن أعطيه المزيد من الاهتمام، لأصرفه عن الأولاد في الشوارع".
حتى الصف السادس، لم يكن فلاديمير بوتين مهتماً جداً بالدراسة، لكنه غيّر موقفه بشكل جذري من دراسته، يقول إنه قرر أنه يحتاج إلى تحقيق شيء ما في الحياة، بدأ بالحصول على درجات جيدة ، ووجد نفسه في الرياضة، فانصرف عن الشارع، ما سمح له بالانضمام إلى منظمة Young Pioneers ، وأصبح على الفور رئيساً لفرقة رائدة في صفّه.
الطريق إلى "KGB"
حتى قبل أن ينهي الثانوية يكشف بوتين عن أحلامه "في البداية أردت أن أكون طياراً، ثم قررت أنني أريد أن أكون بحاراً، ولكن بعد ذلك أردت أن أقوم بعمل استخباراتي".
وفعلاً ذهب بوتين إلى مكتب الاستقبال العام لمديرية المخابرات السوفييتية (كي جي بي) لمعرفة كيف يصبح ضابط مخابرات. وهناك قيل له إنه أولاً، سيتعين عليه إما أن يعمل في الجيش أو في الكلية، ويفضّل أن يكون حاصلاً على شهادة في القانون.
يقول بوتين "ومنذ تلك اللحظة، بدأت بإعداد نفسي لدخول قسم القانون في جامعة ولاية لينينغراد" .
في عام 1970 دخل قسم الحقوق بجامعة ولاية لينينغراد، وحصل على شهادته عام 1975. ما أهله في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات للدراسة في مدرسة "KGB" رقم 1 في موسكو.
ولكن هذا لم يمنعه من الاهتمام بالرياضة يقول "ركزت بشكل أساسي على الدراسات، وبدأت أرى الرياضة ثانوية. لكن، بالطبع، تدربت بشكل منتظم وشاركت في مسابقات على مستوى الدولة".
التدريب ومكافحة التجسس
بعد التخرج في جامعة ولاية لينينغراد، نال بوتين ما أراد، حيث كُلّف العملَ في أجهزة أمن الدولة، يقول "لقد كان تصوري لـ"كي جي بي"، على أساس القصص المثالية التي سمعتها عن المخابرات".
تنقل في عمله بين أمانة المديرية، وقسم مكافحة التجسس، وبعد ستة أشهر، أُرسل إلى دورات تدريب موظفي العمليات.
تلقى التدريب الخاص في موسكو، وبعد نحو سنة عاد مرة أخرى إلى لينينغراد، وعمل هناك في المديرية الرئيسة الأولى - جهاز المخابرات. كان لهذه المديرية فروع في المدن الكبرى في الاتحاد السوفييتي، واستمر هناك لنحو أربع سنوات ونصف السنة.
ثم عاد مرة أخرى إلى موسكو للدراسة في معهد أندروبوف (الراية الحمراء)، حيث تدرّب على مهمته الجديدة إلى ألمانيا التي استمرت 5 سنوات (1985-1990).
مهمة غيّرت المعادلة
مهمة استخبارتية في ألمانيا
لم تكن مهمة بوتين في ألمانيا الشرقية مجرد عمل روتيني، فطالما شكل ذلك البلد أهمية خاصة للاتحاد السوفييتي، بوصفه خط مواجهة مع الغرب أثناء الحرب الباردة، ما أكسب وجوده هناك أهمية خاصة، حيث الصراع على أشدّه بين المعسكرين، خاصة في التكنولوجيا العسكرية والاتصالات.
كان في الثانية والثلاثين، حين وصل إلى الفيلا الرمادية رقم 4 في حي Angelikastrasse في مدينة درسدن الألمانية، الواقعة على تل يطل على نهر Elbe ، حيث أمضى بوتين نحو خمس سنوات (1985 -1990)، يدير عمله في مكتب الاستخبارات المحلية لمصلحة الشرطة السرية السوفييتية، ورقّي إلى رتبة عقيد، وإلى منصب كبير مساعدي رئيس الإدارة، في عام 1989.
دخول المعترك السياسي
بعد مهمته في ألمانيا عاد بوتين عام 1990 إلى مدينته لينينغراد، وعثر على وظيفة جديدة بصفة مساعد لرئيس جامعة لينينغراد العامة، ومسؤول عن العلاقات الدولية، يقول "كنت سعيداً لذلك، أعطاني الأمل لكتابة أطروحة الدكتوراه، والبقاء والعمل هناك".
وفتحت الجامعة له الأبواب، فسرعان ما أصبح مستشاراً لرئيس "مجلس مدينة لينينغراد"، ومن ثم حصل على منصب نائب رئيس "حكومة مدينة لينينغراد، التي أصبحت تعرف بـ "سانت بطرسبرغ"، ما شجعه على إرسال كتاب الاستقالة من عمله السابق مع الـ "كي جي بي".
بعد بطرسبرغ انتقل بوتين وأسرته إلى موسكو، تلبية لعرض تلقاه للانضمام إلى إدارة الرئيس بوريس يلتسن، آنذاك، لتولي منصب نائب مدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية في أغسطس 1996، هذا التاريخ الذي يراه المراقبون، البداية الفعلية لدخول بوتين المعترك السياسي.
ثم سرعان ما أصبح نائباً لمدير ديوان الرئيس الروسي، ورئيساً لإدارة الرقابة العامة في الديوان منذ مارس 1997. وفي مايو 1998 أصبح نائباً أول لمدير ديوان الرئيس الروسي.
ورغم انشغاله، فإن بوتين وجد الوقت للتقدم لرسالة الدكتوراه في الاقتصاد في معهد التعدين الدولي، سانت بطرسبرغ في أيار/ مايو 1998.
وبعد أشهر أصبح مديراً لخدمة الأمن الفيدرالية، ثم تولى في الوقت نفسه، منصب أمين مجلس الأمن في روسيا الاتحادية منذ مارس 1999.
الرئاسة قرار صعب
يتذكر بوتين ذلك اليوم جيداً، يقول "استدعاني الرئيس يلتسن إلى مكتبه، وقال إنه يريد أن يقدم لي وظيفة رئيس الوزراء (دون أن يفصح متى وكيف) وبعد أسبوعين أو ثلاثة، دعاني ثانية إلى مكتبه، وأخبرني أنه قرر التنحّي، وهذا يعني أنني يجب أن اصبح رئيساً بالنيابة".
لم يكن قراراً سهلاً، هذا ما يقوله بوتين، نظراً لأن في ذلك "حملاً ثقيلاً". لكنه يعود ليوضح في تصريح آخر، بأن ما حدث "كان يقدم لي فرصة للعمل في البلاد على أعلى مستوى، وأنه كان من الحماقة أن أقول لا".
وفعلاً تنحّى يلتسن، بعد أن اختار بوتين ليكون رئيساً لحكومة روسيا الاتحادية بالوكالة، منذ 31 ديسمبر 1999، ثم انتُخب في 26 مارس 2000 رئيساً لروسيا الاتحادية. ومما قاله في خطاب التنصيب الذي ألقاه بالمناسبة، "لدينا أهداف مشتركة، نريد لروسيا الاتحادية أن تكون حرة ومزدهرة، دولة قوية ومتحضرة، البلد الذي يعتز بمواطنيه، وأن يُحترم دولياً".
وأعيد انتخابه للرئاسة في 14 مارس 2004، واستمر في منصب رئيس روسيا الاتحادية، حتى نهاية ولايته الثانية في 2008، حيث لا يسمح الدستور الروسي سوى بولاتين رئاسيتين متعاقبتين.
هذا ما دفع بوتين إلى دعم ترشّح صديقه ديمتري ميدفيديف للرئاسة بين 2008 و2012، في حين شغل هو رئاسة الحكومة، إلى أن انتهت الولاية الرئاسية لميدفيديف، ثم عاد بوتين للترشّح للرئاسة، وانتُخب رئيساً لروسيا الاتحادية في 8 مارس، 2012، وحصل على 64.72% من الأصوات، ما عزز فرصه ليفوز في المركز الأول في قائمة مجلة "فوربس"، لأكثر الشخصيات العالمية تأثيراً أعوام 2013 و 2014 و2015 على التوالي.
في 2014 فاز فلاديمير بوتين، بوسام التميّز لأكثر الشخصيات تأثيراً في العالم، من قائمة الملوك والرؤساء وكبار السياسيين، خلال التصويت الذي دشنه المجلس الدولي لحقوق الإنسان، والتحكيم والدراسات السياسية والاستراتيجية.
وبعد نهاية ولايته الثالثة، ترشّح لولاية رئاسية جديدة، تضمن له البقاء في منصبه حتى 2024، وحصل على أكثر من 76 في المئة من الأصوات، ليبقى بذلك رئيساً لولاية رابعة ليكون بذلك صاحب ثاني أطول فترة في حكم بعد جوزيف ستالين، فهو حتى الآن قضى نحو 20 عاماً بين الرئاسة ورئاسة الوزراء.
القوة الروسية أولوية
يُنظر إلى الرئيس الروسي بوتين بوصفه الزعيم الذي تمكن من إعادة روسيا إلى المسرح الدولي، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانهياره، بما يتطلبه ذلك من عناصر قوة، بخطابه في الاحتفال بذكرى "يوم النصر"، قال بوتين "إن دروس حروب الماضي لا تزال مناسبة مرة أخرى. لقد قمنا وسنقوم بكل ما هو ضروري لضمان الإمكانات العالية لقواتنا المسلحة". وتابع أن "أولئك الذين خدموا في الجيش الروسي الحديث، يتذكرون "قسم" الجنود السوفييت الذين قاتلوا قوات ألمانيا النازية، "أموت لكنني لن أستسلم".
وأكد في رسالته السنوية أمام الجمعية الفدرالية شباط هذا العام 2019، بأنه "لا يمكن لروسيا أن تكون دولة دون سيادة، بعض الدول يمكنها.. أما روسيا، فلا. إن بناء علاقات معنا يعني إيجاد حلول مشتركة في قضايا معقدة، دون إملاءات علينا". وتابع في رسالة واضحة بأن روسيا "ستكون مجبرة على إنتاج الأسلحة اللازمة واستخدامها، للردّ على أي تهديد حقيقي ومباشر، ليس على الدولة التي يخرج منها التهديد فقط، بل للأراضي التي تُعدّ مراكز لاتخاذ قرار توجيه تهديد صاروخي لنا".
مع تأكيده العمل لتكون "روسيا عضواً قوياً وبلداً مؤثراً في الحياة الدولية، وضمان استمرار الأمن والقدرات الدفاعية للدولة". ويوضح بوتين "نستخدم كل ما لدينا من إمكانات لحل المسائل الداخلية الأكثر إلحاحاً، للتطور وتحقيق قفزة اقتصادية وتقنية، ورفع القدرات التنافسية التي تحدد المستقبل. المستوى الجديد في حياة الإنسان ورفاهيته وأمنه وصحته، هذا هو المهم اليوم، وهو مركز سياستنا، رفع المستوى المعيشي للإنسان". وقال في خطاب التنصيب الأخير "أرى أن واجبي وهدف حياتي هو أن أفعل كل شيء من أجل روسيا، من أجل حاضرها ومستقبلها ليسودها السلام والرخاء، واجبي رعاية دولتنا العظيمة من أجل خير كل أسرة روسية".
وأضاف "مع تولي هذا المنصب، ينتابني شعور هائل بالمسؤولية". وأضاف "سيكون هدف حياتي وعملي هو خدمة الشعب والوطن".
ويرى بوتين أن دور الدول في العالم المعاصر، لا تحدده الموارد الطبيعية والصناعات فقط، إنما الناس أنفسهم، وقدرة الإبداع لكل إنسان هي الأساس، فعلينا أن نحافظ على الشعب الروسي، ونحسن حياته المعيشية". داعياً إلى تنمية ديناميكية لا يقف أمامها أي حائل.
هل أنت رمز لروسيا؟
يقول بوتين "أنا لا أنافس لأكون رمزاً لروسيا، ولكن من ناحية القانون الحالي والعلم والنشيد ومؤسسة السلطة الرئاسة، فهي تعدّ رمزاً للدولة، ليس في روسيا فقط، بل في أي دولة أخرى، آمل بأن عملي يعكس ما يشغل روسيا، وما يقلقها وماذا يمكن أن تكون". مشيراً إلى "لا أقرأ كتباً لأشخاص خذلوا الوطن الأم".
روسيا تدين الاعتداءات على المنشآت النفطية السعودية
تسهم العلاقات السعودية الروسية، في إرساء السلام في الشرق الأوسط، ويذهب خبراء متابعون لتلك العلاقات، إلى القول إن تعاون البلدين يسهم، كذلك، في تعزيز الأمن والاستقرار في العالم، فهما من أكبر المؤثرين في سوق النفط العالمية، وهذا ما يجعل تقاربهما يكتسب أهميته الخاصة.
ويحرص الرئيس الروسي على تنمية العلاقات مع المملكة، فقد اتصل أخيراً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، معرباً عن إدانته الشديدة للاعتداءات التي طالت البنية التحتية الاقتصادية والمنشآت النفطية (أرامكو)، خصوصاً أنها تؤثِّر في الإمدادات النفطية للأسواق العالمية، معلناً استعداد بلاده للمشاركة مع الخبراء الدوليين، في التحقيق لمعرفة مصدر تلك الهجمات.
وردّ الرئيس الروسي على سؤال عن الطريقة التي يمكن لروسيا أن تساعد بها السعودية، بعد الهجمات التي تعرضت لها شركة "أرامكو". فقال: "عليّ هنا أن أستشهد بآيات من القرآن الكريم التي تقول: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
الأمير محمد بن سلمان شريك موثوق
وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، علاقاته الشخصية مع الأمير محمد بن سلمان، بأنها طيبة جداً، مضيفاً أنه يعدُّ الأمير السعودي شريكاً موثوقاً يفي بتعهداته دائماً.
كلام بوتين جاء في مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ" قبل سنوات. مضيفاً أن ولي العهد "مسؤول نشيط جداً. وهو شخص يعرف جيداً ما يريد تحقيقه، ويعرف كيف يحقق أهدافه. وفي الوقت نفسه أعدّه شريكاً موثوقاً، يمكن أن نتفق معه، وأن نكون واثقين بتنفيذ تلك الاتفاقات".
وامتدح بوتين، "أوبك" لالتزمها بتعهدات الإنتاج بنسبة 100%، للمرة الأولى في تاريخ هذه المنظمة، حيث نفّذت جميع الترتيبات. هذا لم يحدث من قبل في المنظمة نفسها".
وأضاف: "يجب أن أعترف أن هذا يعود إلى حد كبير إلى موقف المملكة العربية السعودية، وولي العهد، الذي كان المبادر لهذا العمل، وقد أدى إلى نتائج إيجابية".
وكانت العلاقات الاقتصادية - الاستثمارية قد نمت بين الرياض وموسكو، خلال العامين الماضيين، بشكل ملحوظ، وخاصة بعد زيارة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى روسيا الاتحادية في أكتوبر 2017، التي وصفها بوتين، بالحدث التاريخي، عادّاً أنها شرف كبير لبلاده، معبراً عن سعادته بنتائجها، مضيفاً "نحن سعداء جداً نتيجة عملنا الجماعي، كما أن لدينا فرصا للتعاون العسكري والتقني".
الإرهاب أخطر مما يبدو
يرى بوتين بأن الإرهاب أخطر مما يبدو عليه، محذراً من "أن الإرهابيين إذا قدر لهم الوصول إلى الأسلحة الكيمياوية، فهذا يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية".
ويشير إلى أن التجربة الروسية في مكافحة الإرهاب، نجحت في تطهير أراضي الدولة من العناصر الإرهابية، وهي تدرك أن الإرهاب لا يزال يمثل خطراً كبيراً على المجتمع الدولي بأكمله".
وبرأيه أن تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط يعود إلى استمرار الدعم المقدم للإرهابيين.
روسيا تخوض الحرب على الإرهاب، وهي تملك كماً هائلاً من المعلومات عن الأطراف والدول التي تدعم هذه الجماعات المتطرفة بالمال والسلاح، وتوفير الملاذ الآمن، وعقد صفقات تجارية لتحقيق أهداف سياسية في مناطق مختلفة من العالم.
طرد الإرهابيين من سوريا
"لست محامياً عن الحكومة السورية ولا عن بشار الأسد"، هذا ما يقوله الرئيس بوتين، في لقاء مع "تي آر تي"، بخصوص التدخل الروسي في سوريا. ويلفت إلى أن "الولايات المتحدة تدرج جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية، متسائلاً كيف ستُطرد من سوريا، هل بالكتابة في الجرائد؟!".
وعن مسؤولية روسيا عن قتل المدنيين في سوريا يقول بوتين "مساعدتنا لسوريا تنطلق من مبادئ الأمم المتحدة، واستجابة لطلب الحكومة السورية الشرعية، عندما تجري الحرب وهي أسوأ ما يمكن أن يحصل بين الناس، فإنه لا مفرّ من وقوع ضحايا، والمسؤول بحسب رأيي هم المجموعات الإرهابية والناس الذين يمتثلون لأفكار إرهابية، ويستخدمون الناس رهائن، هم داعش وجبهة النصرة ومثيلاتها".
حياتة الأسرية
تزوج فلاديمير بوتين عام 1983م من لودميلا ألكسندروفنا، التي التقاها وهو لا يزال طالباً، وكانت في العشرينات (مواليد 1958) تعمل مضيفة طيران وتقيم في مدينة لينينغراد، وقد أسفر هذا الزواج عن ابنتين هما ماريا، مواليد عام 1985، وكاترينا مواليد عام 1986.
ولكن بوتين انفصل عن زوجته في عام 2013، بعد زواج استمر نحو 30 سنة، ووصفت الزوجة انفصالهما بالحضاري، وقالت للتلفزيون الروسي "أنا ممتنة جداً لفلاديمير.. فهو لايزال يساندني أنا والأطفال الذين يهتمّ بهم حقاً وهم يشعرون بذلك". بينما برر بوتين الطلاق بالقول "لم نكن عمليا نرى بعضنا، كل واحد منا كانت له حياته الخاصة".
وعن علاقته بابنتيه فإن بوتين يقول في لقاء صحفي: "لم أتحدث يوماً عن عمل بنتيّ، ولا أرغب في الكشف عن ذلك لدواع أمنية، كما أن الجميع لديهم الحق في اختيار حياتهم الخاصة". ويبدي ارتياحاً لعدم رغبة ماريا وكاترينا في أن تكونا «نجمتين»، وأشار إلى أنهما لم تستمتعا يوماً بأن تكونا محط أضواء وشهرة، وتفضل كل منهما أن تعيش حياتها الخاصة، بعيداً عن عدسات المصورين.
ويضيف «تعيش ابنتاي في روسيا، ولم يحصل إطلاقاً أن تلقتا علومهما خارج البلاد. وأنا فخور بهما لمضيّهما قدماً في متابعة الدراسة والعمل على هذا النحو. وهما تتحدثان ثلاث لغات أوروبية بطلاقة»
يوم في حياتي
الرئيس الروسي يقضي جزءاً مهماً من يومه في مقر إقامته في "نوفو أوغاريوفو" التي تبعد قرابة 30 كيلومتراً عن العاصمة موسكو. وقد شُيّد هذا المسكن على نمط العمارة القوطية الحديثة ذات الطابع الإنجليزي، كما تحيط به حديقة وغابات، ويضمّ مسبحاً وقاعات رياضية، ومدرجاً خاصاً بالطائرات المروحية التي ينتقل على متنها إلى الكرملين جواً تجنباً لازدحام السير.
يستيقظ عادة في الثامنة والنصف صباحاً. وبعد تسييره للأعمال المستعجلة للدولة، يقوم مباشرة بالسباحة لمسافة كيلومتر تقريباً، أو يمارس رياضة الفروسية أو رياضة الجودو، وبعد ذلك، يتمدد في حوضين من الماء، الأول مخصّص للاسترخاء في درجة حرارة تبلغ 43 درجة مئوية، والثاني مخصّص لقياس مدى قدرة تحمله على البقاء وسط بركة من الماء، تبلغ درجة حرارتها 12 درجة مئوية.
وتحتل الموسيقا جانباً من اهتمام الرئيس الروسي، فهو يجيد العزف على البيانو، حيث عزف مقطوعة موسيقية تتغنّى بموسكو قبل نحو سنتين، بينما كان في بكين ينتظر لقاء الرئيس الصيني شي جين.
وقد شاهد المواطنون الروس رئيسهم وهو يركب الخيل في سيبيريا، ومرة وهو يلعب الجودو، وأخرى وهو يقود طائرات لمكافحة الحرائق، أو يغوص في أعماق بحيرة بايكال جنوبي روسيا.
ويشير نقاد بوتين إلى امتلاكه لمجموعة من الساعات الثمينة، وقدّر مصدر صحفي قيمه إحدى هذه الساعات التي ظهرت في يده مرات عدّة بخمسين ألف دولار.
أما الحديث والمزاعم عن حصص في شركات غاز عملاقة، وعن حسابات في دول أجنبية فلم يستطع منتقدوه ومعارضوه تقديم دليل على مزاعمهم تلك.
ويملك بوتين أربعة كلاب، وأحبّها إليه كلبة من نوع "لابرادور" ذات اللون الأسود، وطالما شوهدت معه في الساحة الروسية، وتشير مصادر صحفية إلى أنه يأخذها معه للقاء كبار الموظفين، واجتماعاته مع قادة العالم، عند زيارتهم روسيا، وقد ظهرت أثناء استقبال المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، رغم أنها تخشى الكلاب، بسبب تعرضها لعضة كلب وهي صغيرة بحسب تلك المصادر.
يقبّل يد مدرسته في الطفولة
التقى بوتين في مايو/ أيار الماضي، على هامش الاحتفالات التي تقيمها بلاده بمناسبة "يوم النصر" في الحرب العالمية الثانية، أول مدرّسة له عندما كان طفلاً، واسمها فيرا غوريفيتش تبلغ من العمر (86 عاماً)، وقد كانت تدرسه اللغة الألمانية قبل عشرات السنين.
ورحب بوتين بمدرسته السابقة بحرارة داخل القصر الرئاسي في موسكو، قبل أن يقبّل يديها ورأسها، ودار بينهما حوار قصير، ثم ودعها.
وكانت غوريفيتش، أكدت أنها تتذكر بوتين جيداً، وخلال مقابلة أجرتها العام الماضي مع الصحافة، قالت "كان يدخل الحصص، ويفتح جميع الأبواب، ثم يصرخ إنه أنا.. لقد كان متعِباً جداً، بالطبع كان مملوءاً بالطاقة".
سيدة يخجل منها
كشف بوتين في لقاء تلفزيوني، خلال رده على سؤال، فيما إذا كان يوجد شيء يخجل منه، بأنّ السؤال صعب، وأن مثل هذا الأمر يحدث لكل إنسان، روى قائلاً "في مطلع الألفية كنت أتنقّل كثيراً وكان البلد في أوضاع صعبة جداً، ووصلنا إلى أحد الأقاليم، كان في نهاية العمل، وكان الظلام قد حل، وسط منطقة موحلة، وبينما كنت أمشي باتجاه السيارة، فجأة ظهرت امرأة مسنّة وقالت شيئاً لم أفهمه، ثم ركعت وأعطتني ورقة مكتوبة، وقلت لها إنني سأقرأها، فأخذتها وسلمتها إلى معاونيّ فأضاعوها".
يتابع بوتين والغصة تبدو بصوته وعينيه "لن أنسى هذا أبداً، وحتى الآن أشعر بالخجل، فكل ما يصل إليّ، أحاول ان أتصرف بناء عليه، وأتابعه للنهاية، هناك دائماً مشكلات يصعب حلها أو لا يمكن، وقد قرأت الآلاف مثل هذه الأوراق".
لا أتشبّث بالسلطة
يوجد على الإنترنت مجموعة قصصية موجهة إلى الأطفال تحت عنوان "سوبر بوتين"، وهي تصور الرئيس بطلاً خارقاً يحارب قوى الظلام، وصديقاً للحيوانات، وقد رسمها رجل أعمال مستقل دون مقابل، وإبّان ترشّحه لولاية رابعة، أقيم معرض فني في موسكو تحت العنوان نفسه "سوبر بوتين"، قال القائمون عليه إنه يأتي تكريماً لبوتين، على جهوده لخدمة روسيا.
في المقابل يرى منتقدو بوتين أن مثل هذه الأفلام والمعارض، هي مجرد حيلة دعائية للرئيس، ويشيرون إلى كثير من المنتجات التي تباع في الأسواق وتحمل صوره، بل حتى اسمه أصبح يستخدم علامة تجارية لعدد من السلع.
يردّ بوتين على اتهامه بالترويج لنفسه قائلاً "أنا لم أطمح إلى هذا المنصب قط، وأكثر من ذلك وعندما عرض هذا الأمر عليّ عبرت عن ترددي، هل عليّ القيام بذلك؟ وأقصد الكمّ الهائل من العمل والمسؤولية تجاه مصير البلاد، إذا اقدمت على شيء ما، فأنا أحاول أن أصل إلى النهاية المنطقية، أو على الأقل إلى أفضل نتائج ممكنة، أنا لم أتشبّث بالمنصب، علماً أنني كنت أستطيع بسهولة، وأعني قدرة الأغلبية بالبرلمان على تغيير الدستور".
ويسوق الرئيس بوتين أمثلة من التاريخ المعاصر، على رؤساء تولوا السطلة لفترات متعددة في الولايات المتحدة: روزفيلت، انتُخب أربع مرات، وفي ألمانيا هلموت كول، كان في سدة السلطة لمدة 16 عاماً، لأنه حقا كان فاعلاً، والأمر لا يتعلق بعدد المرات أو سنوات السلطة...".
ويتابع "البلاد عندما تواجه ظروفاً صعبة وتخرج من الأزمة، وتقف، تكتسب عناصر الاستقرار، وهذه لها أهمية بالغةـ بما في ذلك على المستوى السياسي، ونحن عايشنا تجربة انهيار الدولة، عندما انهار الاتحاد السوفييتي، عشنا فترة صعبة في التسعينات وبدأنا بالنهوض تدريجاً؛ في العقد الماضي فقط، حين توصلنا إلى السلام الداخلي، ونرسي الآن الاستقرار، نحن نحتاج إلى فترة من التنمية المستدامة، وما أخطط له بالمستقبل، علينا ترسيخ أسس نظامنا السياسي وكذلك المؤسسات الديمقراطية وإيجاد الظروف المناسبة للتنمية التدريجية، وتنويع الاقتصاد على أساس عصري جديد وإيجاد الظروف الكفيلة برفع مستوى حياة المواطنيين.