قمة الانفراد والتميّز لكبار الأثرياء: سيارات سوبر تصنع فردياً لمن يطلبها
حينما يكون التميز في الندرة، فإن الدرجة الأعلى من الانفرادية، تأتي عندما يمتلك الرجل سيارة نسيج وحدها، تصنعها الشركة خصيصاً له ولا تصنع غيرها. وهذا بالضبط ما تتوجه إليه شركات القطاع الفاخر حالياً، وتجني من ورائه الملايين. فلم تعد سيارات المجموعات الخاصة ذات الأعداد المحدودة تكفي لإشباع رغبات التميز لدى النخبة العليا من المشترين.
وزادت في الآونة الأخيرة، أعداد الزبائن من الأثرياء الذين يطلبون سيارات خاصة بهم. وهم فئة يتمتعون بالثقة بقدراتهم المالية، والشجاعة في تطويع الشركات لتلبية طلباتهم الخاصة، وليس إجراء تعديلات على السيارات الفاخرة من أقسام الخدمات الخاصة فقط.
ولفئات كبيرة من الأثرياء، يكفي شراء أحدث طراز من شركات فاخرة، مثل رولزرويس، أو بنتلي، وإجراء تعديلات من أقسام "بيسبوك" أو مولينر. وتقول شركة رولزرويس إن نسبة 95 في المئة من مبيعاتها، ونسبة 99 في المئة في الشرق الأوسط، تأتي بطلبات خاصة لتعديلات وتجهيزات خاصة. كما تصل هذه النسبة إلى 70 في المئة في سيارات بنتلي، وتزيد على ذلك، في سيارات بنتايغا الرباعية الرياضية التي تباع في الشرق الأوسط.
وفي نهاية العام الماضي، أعلنت شركة لامبورغيني، أنها صنعت سيارة فريدة، بالتعاون مع زبون لها لم تعلن عن اسمه. وأطلقت الشركة على السيارة الفريدة اسم "إس سي 18 ألستون" ولم تعلن رسمياً عن قيمتها. ولكن أحد مديري الشركة، أشار إلى أن القيمة تقع بين مليون و13 مليون دولار.
وقالت مصادر من الشركة إن التوجه لصنع سيارات فريدة وخاصة لكبار العملاء، أصبح من المشاريع المفضلة لدى الشركات. وهي سيارات باهظة الكلف، ولكنها تتوافق مع معايير السلامة للاستخدام على الطرق العامة، وينتمي معظمها إلى القطاع السوبر.
ويعتمد الأمر في معظم الأحوال على العميل. فبعضهم يعطي إرشادات عامة للشركة عما يطلبه ويترك لها التفاصيل، وبعضهم الآخر، مثلما كان الحال في طراز لامبورغيني "إس سي 18 ألستون"، يجلس مع المصممين، ويشارك عملياً في تصميم ملامح السيارة. كما يختار لها المحرك الملائم الذي كان في حالة سيارة لامبورغيني بقدرة 770 حصاناً، ومكون من 12 أسطوانة.
من أحدث السيارات المنفردة التى ظهرت عملياً في معرض جنيف الأخير، كانت من بوغاتي وأطلقت عليها اسم "لا فواتير نوار" أي السيارة السوداء. وبيعت السيارة بثمن باهظ إلى مشترٍ لم يعلن عن اسمه، وإن كان من المرجّح ان يكون أحد مديري مجموعة فولكسفاغن التي تنتمي إليها بوغاتي.
واذا كان طراز "إس سي ألستون"، هو الأول من نوعه لشركة لامبورغيني، فإن جذور الفكرة نفسها تعود إلى سنوات عدة، حينما كان ستيفن فينكلمان رئيساً للشركة. فقد جمع فريق التصميم في عام 2008، وطلب إليهم تصميمات لسيارة فريدة، بغضّ النظر عن الكلفة. وكانت النتيجة في النهاية هي السيارة "ريبينتون" التي اختبرت بها الشركة آفاق سوق السيارات النادرة التي يدفع فيها المشتري ملايين الدولارات، من أجل الحصول على ما يريده. وانتهى الأمر بالشركة إلى صناعة 21 نسخة من هذا الطراز الفريد، مازالت تزيد في قيمتها عاماً بعد عام.
واستفادت لامبورغيني من التجربة في جوانب عدة، حيث اكتشفت أن الطلب على السيارة الفريدة فاق التوقعات، ولم تجد الشركة صعوبة في بيع كل إنتاجها فوراً. كما اكتشفت الشركة أن هناك سوقاً نشطة على هذه السيارات التي تباع بأسعار باهظة، ونتج عن ذلك توجه الشركة تحت قيادة مديرها السابق فينكلمان، إلى انتاج مجموعات السيارات النادرة، مثل "فينينو" التي يقدر ثمنها بـ 4.5 مليون دولار. كما كشفت عن طرازها "سينتيناريو" الأعلى قوة. وبيع طراز "سينتيناريو" بمبلغ مليوني دولار، بينما بلغت قيمة طراز "ريبينتون" كوبيه ثلاثة ملايين دولار، وصنعت الشركة نسخة رودستر بثمن 3.2 مليون دولار.
وتطور الأمر، بعد ذلك، من صنع سيارات سوبر نادرة ثم تسويقها بين كبار الزبائن، إلى تنفيذ طلبات مباشرة من هؤلاء الزبائن بصنع سيارات خاصة بهم، لا تبيع منها الشركة سوى نسخة واحدة فقط. وطبق فينكلمان الفكرة نفسها، عندما انتقل إلى قيادة شركة بوغاتي، وصنع السيارة السوداء بنسخة فريدة واحدة.
وتعاملت شركات القطاع الفاخر، مع هذا القطاع بطرق مختلفة. فأسست شركة فيراري قطاع المشروعات الخاصة لتلبية طلبات كبار الزبائن، في سيارات منفردة أو صنع مجموعات محدودة بمواصفات سوبر. وأخرجت الشركة فئات منفردة لمصلحة كبار زبائنها، مثل "سوبر أميركا 45" و"بي 540 سوبرفاست أبيرتا".
وفيما تتيح لامبورغيني فرصة لزبائنها، لاستعراض بعض أفكارهم في السيارات الفريدة، فإن شركة مثل رولزرويس، لا تحيد كثيراً عن تصميماتها الأصلية، حتى في النسخ الفردية التي يبقى بعضها سرياً تماماً. أما بوغاتي فهي لا تشارك الزبائن في أفكارها، وتصنع سياراتها الفريدة في سرية تامة، ثم تبحث لها عن الزبائن.
ويقول خبير مراقب لهذا القطاع من السوق، اسمه تيم إريكهارت، إن الشركات التي تصر على تصميماتها الأصلية تعرف أن بعض الأثرياء يفتقرون إلى الذوق السليم، خصوصاً فيما يتعلق بألوان السيارات. وترفض شركات مثل فيراري ورولزرويس الإساءة إلى تاريخها وتراثها، من أجل بيع سيارة قميئة اللون لثري يطلبها هكذا.
وتشير شركة رولزرويس، إلى أن بناء العربات الفردية ليس جديداً، وإنما له تراث يمتد مئات السنين، منذ أيام بناء العربات الملكية التي تجرها الخيول. وهي عربات تبني خصيصاً، وفق تصميمات متفق عليها ولأشخاص معينين. وتشمل مواصفات العربة المخصصة لملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، مقعداً لها ذا موقع أعلى قليلاً من المقعد المخصص لزوجها الامير فيليب.
كما كانت العربات المخصصة للصيد تختلف في مواصفاتها عن عربات الاستعراض. وخلال القرن العشرين استمرت شركة رولزرويس في بناء السيارات الليموزين الفردية. وكانت آخر سيارة منفردة صنعتها الشركة عام 2017 اسمها "سويبت تيل" بقيمة 13 مليون دولار، عرضتها في مهرجان فيلا ديستي الإيطالي، وتسلمها مشتريها من المهرجان، وقادها بنفسه عبر أوروبا.
ويرى كبير مصممي رولزرويس أليكس إينيس، أن الصناعة تمر الآن عبر مرحلة طلب متزايد على السيارات الفردية التي لا تماثلها سيارات أخرى. وتعمل شركة رولزرويس على تلبية هذا الطلب داخلياً وبأعداد صغيرة.
ويقول الخبيراريكهارت إن هذا القطاع الفردي سوف ينمو في المستقبل، مع نمو عدد الأثرياء في العالم، خصوصاً في قارة آسيا، ورغبتهم في امتلاك سيارات فريدة من نوعها. وفي العام الماضي انضمّ 31 مليارديراً جديداً إلى قائمة أكبر أثرياء العالم.
من ناحية أخرى، تجد الشركات منجماً ذهبياً في تصنيع هذه السيارات الفردية، حيث هوامش الأرباح فيها تبلغ ثمانية أضعاف أرباح سيارات المجموعات الخاصة. وتبني الشركات سياراتها الفردية على "شاسيهات" سياراتها العادية، ولا تتحمل كلفة تطوير الطراز الخاص. فضلاً عن ذلك، فإن الثمن الباهظ التي تبيع به سياراتها الخاصة، يجعل جاذبية هذا القطاع لا تقاوم. وأكبر مثال على ذلك بيع لامبورغيني لسيارة "ريبينتون" بثمانية أضعاف السيارة التي استعارت منها الشاسيه.
وتلتزم الكثير من الشركات بقواعد معينة في تصنيع سياراتها الخاصة، حتى لو تطلب الأمر رفض بعض طلبات العملاء. ويشبه ماكس إينيس، كبير مصممي رولزرويس الموقف بمن يذهب إلى مطعم، يحمل نجوم ميشلان، ويطلب وجبة خاصة من قائمة الطعام. مثل هذا الزبون لا يدخل إلى المطبخ، ويتولي توجيه الطباخين أوإضافة التوابل التي تروق له.
فالشركات تعمل بتوكيل من العميل الملتزم بشراء السيارة، حتى لو لم يكن قد شاهدها على الطبيعة، لأنه يثق بخبرة الشركة وسمعتها.
وأضاف أن الشركة تتولى السيطرة الكاملة في تصنيع السيارات الفردية، بالتشاور مع العميل، وهو أسلوب قد لا تلتزم به بقية الشركات. وأكد أن الشركة لا تصنع من السيارات الفردية إلا أقل من عشر سيارات سنوياً.
ويبدو القطاع الذي كانت تنفرد به رولزرويس، تقبل عليه الآن الكثير من شركات القطاع الرياضي والسوبر. وفي الآونة الأخيرة، كشفت شركات، مثل إستون مارتن وماكلارين، عن فئات خاصة بملايين الدولارات، مثل "فالكيري" و"في 12 فولانت" من إستون مارتن، و"بي 1 جي تي آر" من مكلارين.
وعن أغرب الطلبات الخاصة من عملاء الشركة، قال كبير مصممي شركة بنتلي، ستيفان سيلاف، أن ثرية طلبت في اجتماع خاص، طلاء السيارة بلون طلاء الأظافر المفضل لديها.
ولما طلب منها المصمم ان يأخذ زجاجة الطلاء، لكي يمزج الطلاء المطابق لها، رفضت، لأنها الزجاجة الوحيدة التي تستعملها، وطلبت طلاء أحد أظافره باللون المفضل لديها. واضطر المصمم إلى العودة إلى الاستوديو، بظفر مطلي باللون الذي طلبته العميلة لسيارتها الجديدة في اليوم السابق.