المسجد النبوي.. ثالث مسجد تشدّ إليه الرحال
يحظى المسجد النبوي أو الحرم النبوي أو مسجد النبي بأهمية كبيرة لكل المسلمين في أرجاء المعمورة فهو أحد المساجد الثلاثة التي أجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن تشدّ إليها الرحال بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى في فلسطين.
موقع وأهمية المسجد النبوي
ومن المعروف أن المسجد النبوي يقع في المدينة المنورة، وكان من أوائل الأعمال التي ابتدأ بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- بعد وصوله إلى المدينة مهاجراً إليها بعد بنائه مسجد قباء وقد أسس النبي الكريم بنيانه هجرته سنة 1 هـ الموافق 622 مع أصحابه رضوان الله عليهم.
وكان للمسجد دور كبير في الحياة السياسية والاجتماعية، فكان بمثابة مركزٍ اجتماعيٍ، ومحكمة، ومدرسة دينية حيث كان مركز الدعوة الأول والمنارة التي انطلق منها نور الإسلام.
مسجد القبلتين.. تعرف على قصة تحوُّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
وشيّد المسجد النبوي في أرض لغلامين يتيمين اسمهما "سهل وسهيل" كانت مكاناً لتجفيف التمر، إذ اختطّ الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام أرض المسجد الذي تم بناء أساسه من الحجارة بعمق ثلاثة أذرع تقريبا، وحيطانه من اللبن، وأعمدته من جذوع النخل، وسقفه من الجريد، وترك في وسطه رحبة، وجُعل له محراب.
مساحة وأبواب المسجد النبوي
وقد جعل الرسول للمسجد الذي بلغ طوله 35 مترا، وعرضه 30 مترا، وارتفاع جدرانه مترين ومساحته الكلية قرابة 1060 مترا مربعا ثلاثة أبواب، باب في مؤخرة المسجد وكان يقال له باب عاتكة أو باب الرحمة وباب جبريل وهو الذي يدخل منه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جُعل في مؤخرة المسجد مكان مظلل يعرف "بالصفّة" وهو المكان الذي كان يأوي إليه الغرباء والمساكين.
ولم يكن المسجد النبوي مفروشاً في بداية بنائه ولكنه فرش بالحصى وبعد تحويل القبلة أغلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الباب الكائن في الجدار الجنوبي جدار القبلة الحالية وفتح بدلاً منه باباً في الجدار الشمالي جدار القبلة سابقاً وترك جزءاً من المسجد في الجهة الشمالية لأهل الصفة. كما بنى النبي الكريم بجوار المسجد الحجرة التي سكنها وحجرات أزواجه المطهرات.
توسعة المسجد النبوي
وشهد المسجد النبوي العديد من أعمال التوسعة بدءا من عهد الرسول حينما عاد من غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة، ووجد صلّى الله عليه وسلّم- المسجد يضيق بالمصلين، فتمت توسعة المسجد النبوي من جهة الشرق والغرب والشمال بزيادة أربعين ذراعا في العرض وثلاثين ذراعا في الطول فأصبح شكل المسجد مربعا، حيث بلغ كل من طوله وعرضه 100 ذراع.
وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 17 هـ وسع المسجد النبوي بإضافة ثلاثة أبواب أخرى: باب النساء، وباب الرحمة، وباب السلام، وأصبحت مساحة المسجد 3575 مترا مربعا.
ثم وسعه الخليفة عثمان بن عفان عام 29 للهجرة بزيادة قدرها 496 مترا مربعا، بعدما ضاق بالمصلين، فاشترى الدور المحيطة به من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، أما الجهة الشرقية فلم يقربها لوجود حجرات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وتواصلت أعمال توسعة المسجد النبوي في عهد الدولة السعودية بدءا من المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله وصولا لعهد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وتجسّد متابعته حفظه الله للمشروعات الكبرى لتوسعة المسجد النبوي الشريف وتطوير وتحسين المناطق المجاورة وزياراته المتوالية لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدى حرص القيادة الرشيدة على تحقيق كل ما يمكّن ضيوف الرحمن من أداء نسكهم وعباداتهم بكل يسر وسهولة وراحة واطمئنان وتوفير الرعاية الشاملة لهم وتسخير الإمكانات لتوفير أفضل الخدمات لقاصدي المسجد النبوي ولأهالي مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم وزائريها.
فضل المسجد النبوي
وقد رفع الله تعالى شأن المسجد النبوي وفضله على غيره من المساجد، ومن فضائل المسجد النبوي والمدينة المنوّرة عموما أنها تضم بين ثراها آثار النبيّ وأصحابه وتحرّكاتهم، كما أن فيها قبره صلّى الله عليه وسلّم. وفيها قبر أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
كما تُضاعف أجور الصلوات والطاعات في المسجد النبوي أيضا حرّم الله تعالى المدينة المنورة على المسيح الدّجال، فلا يستطيع ولوجها في آخر الزمان كما تحلّ البركة في المدينة استجابةً لدعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
إضافة لذلك يحتضن المسجد النبوي "الروضة الشريفة" التي تقع غربي الحجرة النبوية مباشرة وتمتد إلى المنبر وتبلغ مساحة الروضة نحو 330 متراً مربعاً وتبلغ أبعادها 22 متراً من الشرق إلى الغرب و15 متراً من الشمال إلى الجنوب وتضم الروضة المحراب النبوي الذي يقع في الجزء الغربي منها يفصله عن المنبر مسافة 7 أمتار تقريباً.
معالم المسجد النبوي
ويحدّ الروضة الواقعة في المسجد النبوي من جهة الجنوب سياج من النحاس يفصلها عن زيادتي عمر وعثمان رضي الله عنهما، أما من الجهتين الشمالية والغربية فهما متصلتان ببقية أجزاء المسجد ويميّز الروضة عن باقي مساحة المسجد أعمدتها المكسوة بالرخام الأبيض الموشى بماء الذهب إلى ارتفاع مترين تقريباً.
وإلى الناحية الشرقية من الروضة الشريفة تقع حجرة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - ومن الغرب المنبر الشريف ومن الجنوب جدار المسجد الذي به محراب النبي صلى الله عليه وسلم ومن الشمال الخط المار شرقاً من نهاية بيت عائشة - رضي الله عنها - إلى المنبر غرباً.
وعلى أطرافها تضم الروضة معالم عدة منها الحجرة الشريفة التي تضمّ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ومحرابه صلى الله عليه وسلم الذي وضع في وسط جدارها القبلي ومنبره عليه الصلاة والسلام وتتخللها عدد من الأعمدة المميزة عن سائر أساطين المسجد بما كسيت به من الرخام.
فيما تضم الجهة القبلية من الروضة حاجزا نحاسيا جميلا يفصل بين مقدمة المسجد والروضة بارتفاع متر أقيم عليه مدخلان يكتنفان المحراب النبوي وتنتشر في الروضة الأساطين الحجرية التي وضعت عليها خطوط مذهبة تميزها عن غيرها من أساطين المسجد.
كما يحتضن المسجد النبوي القبة الزرقاء والبيضاء، التي سُميت بالقبة الفيحاء قبل أن تسمى بالقبة الخضراء، وقد بنيت بالخشب على رؤوس الأساطين المحيطة بالحجرة النبوية في أيام الملك قلاوون عام 678 هـ، وهي مربعة من الأسفل ومثمنة من الأعلى. وقد جُددت بعد تعرضها لحريق أكثر من مرة، وأعاد السلطان العثماني الغازي محمود بناءها.
كذلك يحوي المسجد النبوي مكتبتين، الأولى قديمة في وسط الحرم وتوجد بها مخطوطات تراثية، والثانية تقع على سطح الحرم من الجهة الغربية وتضم عددا كبيرا من الكتب والمجلدات ومكتبة رقمية. وقد ذكرت بعض المصادر أن المكتبة الأولى تأسست قبيل حريق المسجد النبوي في 13 رمضان عام 886 هـ، حيث ضاع الكثير من المصاحف والكتب التي كانت فيها.