غار ثور.. شاهد عيان يروي قصة حماية الرسول من كفار قريش أثناء الهجرة
كثيرة هي المواقع التاريخية الموجودة في مكة المكرمة، والتي كانت شاهداً على مواقف كثيرة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومن أبرز وأشهر تلك الأماكن غار ثور، الذي اختبأ فيه الرسول الكريم وصاحبه أبوبكر الصديق، مدة ثلاثة أيام هربا من كفار مكة في رحلة الهجرة النبوية مكملين مسيرتهما نحو المدينة.
موقع غار ثور
ويقع غار ثور في جبل ثور في مكة المكرمة غربي المملكة العربية السعودية، الذي يبلغ ارتفاعه 748م عن سطح البحر، وهو يبعد أربعة كيلومترات في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام.
ولمن لا يعرفه، فغار ثورٍ في الحقيقة يُعدّ صخرةً مجوّفةً، يقدّر ارتفاعها بمترٍ وربع، وإنّ للغار فتحتين، واحدةٌ في الشرق، والأخرى في الغرب، والفتحة الغربية هي الفتحة التي دخل منها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وجبل الثور هو جبل مستدير الشكل نسبياً له عشر قمم مدببة ترتفع من قاعدته، وارتفاعه نحو ميل وفي أعلاه غار ثور والبحر يُرى من أعلى هذا الجبل.
ويقع الجبل في سهل وادي المفجر «شرقا» وبطحاء قريش «غربا»، ويفصله عن باقي جبال مكة فج هو المفجر والطريق الدائري القادم من الطائف والمشاعر المقدسة إلى جدة، وإلى اليمين يحفه من الشمال الغربي ويسمى الحي حوله بحي الهجرة.
ويشتهر جبل ثور في كتب الجغرافيا الإسلامية بجبل أكحل، وسُمي باسم ثور بن عبد مناف، لأنه ولد عنده، فقيل جبل ثور، ويسمى أيضاً أطحل. ويقال أيضاً إنه سُمي بهذا الاسم؛ لأنه يشبه ثوراً مستقبلاً الجنوب.
أهمية غار ثور
ويحتل غار ثور مكانة كبيرة في قلوب المسلمين نظرا إلى أنه آوى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- مع صاحبه أبي بكر الصديق في طريق الهجرة إلى المدينة المنورة، وبقيا فيه إلى أن هدأت قريش في البحث عنهما.
وأثناء بحث قريشٍ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه أبا بكرٍ وجدت باب غار ثور ولم يكن يفصل بينهم شيء، إلا أن الله ردها بفضله وقدرته، حيث نسج العنكبوت بيته على باب الغار، وبنى الحمام أيضاً عشه على بابه، ويقول أبو بكر رضي الله عنه: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال له النبي: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
وخلال مكوثهما في غار ثور، أمر أبو بكر الصديق ابنه عبد الله أن يوصل لأبيه وللنبي ما يتناقله الناس من الكلام عليهما، وأمر أيضاً عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه في النهار، ويأتي إلى الرسول وأبا بكر في آخر النهار، وأمر أبا بكر ابنته أسماء بإيصال الطعام له ولنبي الله صلّى الله عليه وسلّم.
مسجد القبلتين.. تعرف على قصة تحوُّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
غار ثور في القرآن والسنة
وللتأكد من خلّوه من أي خطر، دخل أبو بكر الصديق غار ثور قبل دخول الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليتفقد غار ثور ولكنه لُدغ مما جعله يبكي من ألم اللدغة، فنزلت دمعته على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، حيث كان أبو بكر نائماً في حجر الرسول، الذي دعا له وبصق على مكان اللدغ، فشُفي أبو بكر.
وقد ورد ذكر حادثة غار ثورٍ في قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
غار ثور مزار للحجاج والمعتمرين
وبات غار ثورٍ حالياً مزاراً للحجّاج والمعتمرين الذين يزدحمون لزيارته لأنه محطة حطّ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم خلال هجرته من مكة المكرمة متجهاً إلى المدينة المنورة مستغلّين أيام وجودهم في مكة المكرمة ويبدأ الحجاج بالتوافد إليه عادة بعد صلاة الفجر تقريباً، ويستغرق الصعود إلى قمة الغار ثلاثين دقيقة تقريباً، تختلف باختلاف قدرة الحاج وصحته.
وقد خُصص مركز خاص للتوجيه والإرشاد بأهمية ومكانة غار ثور توزع فيه الكتيبات والمطويات التوعوية والتثقيفية بعدّة لغات في موسم الحج، وشهر رمضان المبارك الذي تشهد فيهما مكة المكرمة كثافة كبيرة من الوفود والزوار.