بالتواضع والاعتدال.. أهلا بك في عالم السعداء
نعيش الآن في عصر بات كل شيء متوفرا فيه ومتاحا، يمكننا أن نأكل الكمية التي نريدها، كما أننا نقوم بغسل مراحضينا بماء الشرب النظيف، ونطير من مدينة إلى أخرى وكأننا ذاهبون إلى التسوق، ونرتدي ملابس باهظة الثمن، ونسكن في منازل أو شقق أكبر حجماً، وهكذا، وبعيداً عن ذلك، وفي عالم مختلف يوجد أشخاص آخرون أقل ثراءً يعانون من أجل عيش حياة مُريحة، ما يجعل البعض يتبرعون بجزء من أموالهم لمساعدة غيرهم على عيش حياة أفضل، وفي أغلب الأحيان تكون أفعالهم تلك ناتجة عن رغبتهم في إرضاء أنفسهم، وتهدئة ضمائرهم.
إذا كان لكل الكائنات الحق في العيش على الأرض في مساواة وفقاً للقانون الكوني، فلا يحق لأحد أبداً أن يأخذ أكثر من حاجته، وإلا فإن ذلك من شأنه التأثير سلباً على حياة الآخرين وإلحاق أضرار كبيرة بهم.
غالباً ما تكون الدعوات لتخفيض مُعدّل الاستهلاك الشخصي دون أي تأثير، لاسيما وأن الناس يطرحون على أنفسهم الكثير من الأسئلة والتي من بينها "لماذا يجب عليّ أنا بالتحديد تقليل مُعدّل استهلاكي للمياه؟ إذا قمت بتقليل الاستهلاك للمياه الذي أستخدمه في الاستحمام، فهل يُفيد هذا الأفارقة الذين يعانون من الجفاف؟ أم يساعدهم عندما أتوقف عن تنظيف مرحاضي؟ لماذا يجب عليّ توفير الطاقة؟ إذا لم أكن أنا استخدمها، فبالتأكيد سيفعل ذلك شخص آخر.
علينا الاعتراف أنه دون أدنى شك، فإن الأسئلة المطروحة أعلاه تبدو منطقية إلى درجة كبيرة، ولكن إذا فكرت ملياً في عواقب استهلاكك المبالغ فيه للموارد البيئية فسوف تتوقف عن الإسراف والتبذير فيها، وسوف ترى المشهد كاملاً.
من المستفيد من التواضع؟
غالباً ما نعتقد أن تصرفنا بطريقة متواضعة له تأثير مباشر على البشر الآخرين وليس الطبيعة ككل، ولكن يجدر الإشارة إلى أن البشر ليسوا سوى جزء صغير من الطبيعة.
عندما تقوم بتقليل استهلاكك للماء أو الطاقة أو الطعام فإن ذلك سيكون له عواقب مباشرة على الطبيعة، وليس علينا أن نفهم الآن العواقب الدقيقة لذلك الأمر. ومع ذلك، من المهم للغاية أن نُدرك أن تواضعنا وعينا الذاتي لهما الكثير من الآثار المباشرة وغير المباشرة على كل ما يحيط بنا.
التواضع والانسجام مع العالم
من أهم أهداف البشر أن يكونوا قادرين على العيش بفرح ووئام دائم مع أنفسهم ومع كل ما يحيط بهم، بشر، وماء، وهواء وأرض وحيوانات. ولكن كيف يمكن العيش في وئام مع كل ما يحيط بنا ونحن نسيء معاملتهم ونسرق منهم؟ من يحب العيش مع أشخاص أنانيين لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية فقط؟
بمجرد أن نبدأ في استخدام ما يفوق حاجتنا من موارد فإننا نُهدر الكثير من خيرات الأرض، ومع مرور الوقت فإننا سوف نفقد هذه الموارد ولن نستطيع استرجاعها أبداً. على سبيل المثال إذا أهدرنا الماء أو الطعام أو الزيت أو الغاز فإننا نؤذي منطقتنا، كما أننا في هذه الحالة نؤذي الآخرين والطبيعة بشكل مباشر.
ورغم أن الهدف الحقيقي والأسمى للبشر هو التناغم مع الطبيعة إلا أننا لا نقوم بالأمور التي تساعدنا على تحقيق ذلك. كيف إذا نتناغم مع كل ما يحيط بنا إذا كنّا نتعامل بغرور وتكبر مع كل ما يحيط بنا، ونشعر بأننا مكانتنا أكبر من البعض، وكأن الموارد والمصادر الطبيعية ملك لنا دون غيرنا، ونعطي لأنفسنا حق التصرف فيها بحرية شديدة.
تأكد من أنك لن تستطيع العيش في وئام مع شخص أو مع شيء تعامله بازدراء.
وبالنظر إلى ما ذكرناه، فسوف تشعر أنه من الأفضل أن تتوقف عن إهدار المياه في أمور لا تحتاج فيها إلى هذه الكميات الكبيرة جداً، ولا يوجد أي فائدة من العيش في فيلا ضخمة حتى تحظى بمكانة كبيرة، وسوف تتوقف عن تعذيب الحيوانات والقضاء على فصائل نادرة منها لأن هذا يشعرك بالسعادة والمتعة.
التواضع والسعادة
التواضع والاعتدال من الفضائل التي تجعلنا أشخاصا أفضل وتخلصنا من عيوبنا ومن خطايانا. إذا أظهرنا الاحترام لبيئتنا، ولجميع الكائنات الأخرى وبالتالي للطبيعة ككل، فإننا سوف نعيش في عالم أكثر هدوءاً واستقراراً، كما أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع من خلالها التناغم مع أنفسنا ومع كل ما يحيط بنا.
ومن هذا المنظور، لا يبدو العيش في تواضع واعتدال مليئاً بالحرمان والقيود، ولكنه على العكس يطور الشخصية ويساعد على اكتساب المزيد من الصفات التي تجعلنا أشخاصا أسوياء أفضل، ما يجعلنا نؤكد أن التواضع شيء لا غنى عنه للشعور بالسعادة والفرح وتعزيز الثقة بالنفس.