هل نحن أكثر سعادة أم من عاشوا في العصر الحجري؟
ربما نكون أكثر قوة من أسلافنا بفضل التطور الذي وصلنا إليه والذي جعل حياتنا أكثر راحة، لكن هل نحن أكثر سعادة؟ نادراً ما يتوقف المؤرخون للإجابة عن هذا السؤال، ولكن في نهاية المطاف، ألا يدور هذا كله حول التاريخ؟ ألا تتعلق السعادة بفهمنا وأحكامنا؟ ألم يؤثر انتشار التوحيد في العالم على مستوى السعادة العالمية؟
مع صعود الفردية وتراجع الأيديولوجيات الجماعية باتت قيمة السعادة أعلى كثيراً لدينا. ومع النمو الهائل وغير المسبوق في الإنتاج البشري فإن السعادة اكتسبت أهمية اقتصادية كبيرة.
علاقة النمو بالسعادة
لا تزال الكثير من الحكومات تركز على تحقيق النمو الاقتصادي، ولكن عندما يُسأل عما هو جيد بشأن النمو سوف تجد الجميع يتجهون دائماً نحو السعادة. وتجدر الإشارة إلى أن تحقيق النمو الاقتصادي ضرورة من أجل مساعدة الناس على العيش في سعادة، فهو يقدم لهم رعاية طبية أفضل، ومنازل أكبر، وسيارات أسرع، وآيس كريم ألذ وأطيب.
ومنذ سنوات طويلة، أجرى العلماء والباحثون الكثير من الدراسات حول كل شيء تقريباً، السياسة، الاقتصاد، الأمراض، النشاط الجنسي، الغذاء- مع ذلك نادراً ما يسألون كيف يؤثر كل ذلك على سعادة الانسان، ما ترك العديد من التساؤلات دون إجابات.
رغم أن عددا قليلا جداً من الباحثين درسوا تاريخ السعادة طويل الأجل، إلا أن الجميع تقريباً أكد أن الجنس البشري يعمل جاهداً على التوصل إلى طرق من شأنها تسهيل الحياة وجعلها أقل صعوبة، وتمثل ذلك في اختراعهم لأدوات الزراعة، والعجلة، والكتابة، الطباعة، المحركات البخارية، المضادات الحيوية، وكلما حدث تطور كلما كان الناس أكثر قدرة على السعادة، فنحن الآن أسعد من الناس في العصور الوسطى، وشعوب العصور الوسطى أكثر سعادة من الناس في العصر الحجري.
هل يوجد علاقة بين القوة والسعادة؟
هناك أشخاص يعتقدون أن السعادة ليست بهذه الأهمية، وأنه من الخطأ اعتبار الشعور الفردي بالرضا كهدف للبشرية، بينما يتفق آخرون على أن السعادة هي المرتبة الأعلى وأقصى وأفضل ما قد يصل إليه الإنسان.
حتى العصر الحديث، لم يكن هناك ارتباط واضح بين القوة والسعادة، وربما كان الفلاحون في العصور الوسطى أكثر بؤساً من أسلافهم الذين عملوا في الصيد في تجمعات. ومع مرور الوقت اعتاد البشر استغلال قوتنا الجماعية في خدمة السعادة الفردية، بالرغم من الكوارث الكبرى التي قام بها البشر مثل المذابح أو تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي، إلا أن البشر حققوا تقدماً ملموساً في التصدي للمجاعات وانتشار الأوبئة والأمراض.
من أفضل سلالات الخيول.. قصة الفرس العربية "جيني" صديقة البشر ومعشوقة الألمان
ما هي السعادة؟
يرى بعض العلماء والباحثين أن شعورنا بالسعادة لا يرتبط أبداً بالعوامل السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، ولكنه يرتبط بنظامنا الكيميائي الحيوي. ويؤكدون أن لا أحد يشعر بالسعادة لأنه حصل على ترقية أو الفوز في اليانصيب أو حتى العثور على حب حقيقي، ولكن الناس يشعرون بالسعادة بسبب الأحاسيس والمشاعر التي تجعلهم يشعرون بالنشوة، أي أن الأمر يتعلق بالهرمونات التي تتدفق عبر الدم، والإشارات الكهربائية التي تجعل بعض أجزاء الدماغ تومض، إذا صح ذلك فإن تحقيق النمو الاقتصادي والإصلاحات الاجتماعية والثورات السياسية لن تجعل عالمنا مكانا أكثر سعادة.
وفي المقابل خلص الرهبان البوذيون، منذ آلاف السنين، إلى أن السعي وراء الأحساسيس التي تجعلك تشعر بالرضا والسعادة هو أصل وسبب المعاناة، وأن السعادة تمكن في الاتجاه المعاكس؛ لأن هذه المشاعر والأحاسيس لا تتعدى كونها مجرد اهتزازات سريعة الزوال ولا معنى لها. إذا شعرت بالبهجة والهدوء منذ خمس دقائق، فربما يتلاشى هذا الشعور وتشعر بالغضب والملل، وتبدأ رحلتك المزعجة والمتعبة من أجل العثور على أشياء تمنحك سعادة مؤقتة.
شعور الشخص بالوحدة يقوض شعوره بالسعادة، ومنذ العصر الحجري كان الناس يعتمدون على بعضهم البعض للبقاء على قيد الحياة، وعاش البشر في مجتمعات متماسكة، وكانوا أصدقاء يتحركون في تجمعات، ونجوا من الرحلات الطويلة والشتاء شديد البرودة.
ومع مرور الوقت أصبحت هناك أشكال مختلفة من العلاقات الإنسانية التي تساهم في جعل الإنسان يشعر بالسعادة، ولكن التطور التكنولوجي ونمط الحياة السائد الآن أثر سلباً على مقدار الحميمية التي يشعر بها الأشخاص.