كيف تصبح ظاهرة المجتمع الشائخ تهديداً حقيقياً لاقتصادات الدول؟
لطالما شكلت العلاقة بين التنمية الاقتصادية والنمو السكاني موضوعًا متكررًا للتحليل الاقتصادي، وذلك عندما قال الاقتصادي توماس مالثوس بأن النمو السكاني من شأنه أن يخفض من مستوى المعيشة على المدى الطويل، وقام بوضع نظريةٍ بسيطةٍ تنص على أنه: ”بما أن كمية الموارد الموجودة على الأرض ثابتةً، فإن النمو السكاني سيقلل في نهاية المطاف كمية الموارد التي يمكن لكل فرد أن يستهلكها، مما يؤدي إلى خلق مشاكل في المجتمع، مثل: المرض، والمجاعة، والحرب”.
ومن هذا المنطلق اعتبر نمو عدد السكان وتكوين وتوزيعهم العمري التهديد الحقيقي للتنمية الاقتصادية، إذ يشكل التوزيع العمري لسكان أي دولة عنصرًا هامًا ومحدِّدًا لطبيعة اقتصادها، يدعم أو يعوق النمو الاقتصادي حيث أن هناك ارتباطًا عكسيًا مستمرًا بين زيادة نسبة التعداد في سن التقاعد أو ارتفاع نسب الإعالة وبين نسبة نمو الاقتصاد.
وفيما يزداد متوسط عمر السكان في العالم المتقدم خاصة، نتيجة لتناقص معدلات المواليد، ويتزايد متوسط الأعمار. وتحظى أوروبا واليابان حاليًّا بأعلى نسبة من الناس الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا، يزداد أيضا انخفاض معدل المواليد لاسيما في معظم البلدان المتقدمة، وفي عدد متزايد من الدول الآسيوية، ودول أمريكا اللاتينية، وهو ما يُعَدُّ دون المستوى اللازم لاستقرار السكان على المدى الطويل ويتسبب ذلك في شيخوخة السكان، وتَنَاقُصه ويؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
مديرون تنفيذيون يكشفون عادات سيئة يريدون التخلي عنها هذا العام
وهناك العديد من النماذج الدولية التي استفادت أو تضررت من "مجتمع شائخ" أو "شاب" أو "يافع"، فمثلا اليابان تعاني من تأثير استمرار تصاعد نسبة كبار السن من إجمالي السكان في على معدلات النمو الاقتصادي حيث تصل نسبة اليابانيين فوق 65 عاماً إلى 28% من إجمالي السكان حاليًا، بينما ستصل النسبة نفسها إلى 35% عام 2065 لتصبح عامل تهديد حقيقي.
وكذلك الحال بالنسبة إلى ارتفاع "نسب الإعالة" بسبب زيادة نسبة الأطفال في السكان أيضًا له آثاره السلبية على الاقتصاد وهو ما يبرز في دولة مثل إثيوبيا التي تحقق معدلات نمو قياسية خلال السنوات الأخيرة (5-7% في المتوسط) غير أن المؤشرات الأساسية لا تشهد تحسنًا ملحوظًا.
وفي المقابل شهدت الولايات المتحدة، بين العقود الأربعة من عام 1980-2020 نسبة مواليد أعلى فيما كانت نسبة من هم فوق الـ60 في أدنى معدلاتها بين عامي 1990-2000 وهو العقد الذي شهد تحقيق واشنطن لأعلى نسب النمو خلال الأربعة عقود المذكورة.
ويرى خبراء أن مواجهة ظاهرة المجتمع الشائخ، تتمثل في إدماج "الفئات المهمشة" بدرجة أكبر في الاقتصاد رفع سن التقاعد وتنظيم عدد المواليد وتمكين بعض الفئات من العمل مثل الغجر في بعض دول أوروبا، والأقليات العرقية في دول أخرى، فمن شأن ذلك الحد من الآثار السلبية لاختلال الهرم الديمغرافي بدرجة ما.
وأشاروا إلى أنه من الممكن في بعض الحالات تحويل العبء إلى ميزة، من خلال توفير وظائف ملائمة المتقاعدين، والتوسع في المجالات التي تخدمهم وعلى رأسها الرعاية الصحية، بما يتسبب في توسع للاقتصاد في هذا الجانب ويحد من التراجع بسبب المجتمع الشائخ.