من هو ساندفورد فليمنغ مبتكر فكرة المناطق الزمنية التي غيرت العالم؟
من مِنّا لم يعانِ في مرة أو أكثر من مشكلة اختلاف التوقيت من مكان لآخر، والتي نشأت في الأساس نتيجة لدوران الأرض حول نفسها مرّة كل 24 ساعة فإذا كانت الشّمس في المملكة المتحدّة، تكون قد غربت في أستراليا، بينما تكون سماء الولايات المتحدّة حالكة الظّلمة. وبذلك قسم العالم إلى مناطق طوليّة تُسمّى بالمناطق الزّمنيّة.
حكاية اختلاف التوقيت بدأت قبل حوالي 200 عام من الآن حيث كان الأمر مختلفاً بشكل كبير فمع أن الوقت كان مهماً حينها بالطبع، وتقسيمات اليوم كانت مماثلة لحالها الآن، فالتوقيتات المحلية كانت مختلفة بشدة ومتباينة حتى في الأماكن المتقاربة من بعضها البعض، فقد حددت المدن توقيتها المحلّي وفقا للشمس، إذ كانت النقطة الأعلى التي تصل إليها الشمس في السماء دليلاً على انتصاف اليوم، فكانت كل مدينة تستخدم توقيتاً شمسيّاً يختلف دقيقة واحدة كل 18 كيلومتراً في الاتجاه الشرقي – الغربي بين المدن. وكان الوقت الأكثر تأخراً يقع في الشرق.
ولم يكن هذا النوع من التوقيت مشكلة في تلك الحقبة بالطبع، فقد كانت التنقلات تتم بالمشي أو بالعربات التي تجرّها الخيول بأفضل الحالات. وكانت الرحلات من الممكن أن تمتد لأيام حتى من مدينة إلى أخرى بحيث أن فرق التوقيت لم يكن مهماً حقاً أو ذا تأثير حقيقي.
ومع التطور اللاحق لاسيّما في وسائل المواصلات أصبحت فروق الوقت أمراً مزعجاً جدّاً وغير مناسبة لطبيعة العمل، حتى جاءت السكك الحديدية العابرة للقارات وتحوّلت القطارات لواحدة من أهم وسائل النقل حينها، التي كانت سبباً في استحداث المناطق الزمنية مما ولّد حاجة إلى إعداد جداول زمنية دقيقة لإعلام الناس بالضبط بوقت مغادرة ووصول القطارات.
السير ساندفورد فليمنغ
ويعتبر السير ساندفورد فليمنغ وهو مهندس سكك حديد كندي، ولد في أسكتلندا عام 1827، هو أول من وضع فكرة المناطق الزمنية التي طرأت له بعدما فاته ميعاد أحد القطارات في أيرلندا فاقترح في عام 1879، وخلال مؤتمر دولي لخطوط الطول، تقسيم الأرض إلى 24 منطقة زمنية، يبعد كل منها مسافة ساعة، مع توقيت عالمي لكل منطقة على حدة وقامت الفكرة الأساسية لفلمينغ على ابتكار جدول زمني مقسّم إلى 24 ساعة.
وبحلول عام 1880، أصبح هناك توقيتٌ قياسيٌّ عالميٌّ هو توقيت غرينيتش (المملكة المتحدة) وباتت جميع المناطق الزمنية تحدد توقيتها بناءً على فرق الساعات الزائدة أو المتأخرة عن "غرينتش" التي يمر بها خط الطول الرئيس، كذلك أصبحت إنجلترا نقطة الصفر بالنسبة إلى باقي المناطق الزمنية.
وترجم "فليمنغ" اقتراحه عملياً بعدما كلف شركة مصنعة في لندن ببناء ساعة جيب فريدة عرفت بـ"ساعة التوقيت الكوني" في كل منطقة من المناطق الأربع والعشرين، ما جعلها أول ساعة توقيت عالمي على الإطلاق.
وبرغم جهود فليمنغ فإن التوقيت العالمي وآليته لم يصبح مرغوبا بشكل كبير إلا على يد لويس كوتييه في عام 1931، عندما صمم توقيتاً محليّاً يشير إلى الساعة والدقائق على أداة دوارة تتحرك طوال 24 ساعة، تعمل على تحديد التوقيت المحلي بالساعة والدقيقة ليلاً ونهاراً، في كل منطقة زمنية في العالم خلال وقت واحد. وبهذه الطريقة ولد توقيت المدن العالمي وبقي "فليمنغ" الأب الروحي لهذا الابتكار الذي غير العالم، وظلت عبقريته سبباً وراء كل توقيت عالمي يظهر.