ما هي الاستراتيجية الرقمية؟ الأمر يعتمد على من تسأل
البعض يشبه الاستراتيجية الرقمية بقصة الرجلين الكفيفين والفيل.. فالأول لمس جسم الفيل واستنتج أنه حائط، أما الآخر فتلمس خرطومه واستنتج أنه شجرة، وهكذا هو الحال مع الاستراتيجية الرقمية، ففي عالم الأعمال المعاصر كل فئة تملتك «وجهة نظرها» حول ما هي عليه الاستراتيجية الرقمية ومكوناتها والغاية منها.
مدير التسويق يرى الاستراتيجية الرقمية من منظور مواقع التواصل وقنوات الإنترنت. شخص يعمل في قسم الـ«آي تي» يراها وفق مفهوم الحوسبة السحابية. والمدير التنفيذي سيعتبرها تحليلا للبيانات، وآخر في قسم المبيعات تمثل له المنتجات التي تباع أونلاين، وآخر في قسم المالية سيعتبرها العائدات.
كيف تحول هذا الرجل من أغنى رجال البرازيل إلى سجين وديونه مليار دولار؟
إليكم الواقع كما هو
في استطلاع للرأي أُجري مؤخرا تبين أن عملية الانتقال الرقمية رغم كل الضجيج الإعلامي ما تزال في بداياتها. فأكثر من ٧٠٠ صانع قرار في مؤسسات مختلفة والذين هم بشكل أو بآخر مسؤولون عن المبادرات الرقمية لمؤسساتهم أكدوا أنهم ما زالوا في المراحل الأولى لتطبيق هذه الاستراتيجة وقد بلغت نسبتهم ٧٥٪.
ومن الـ ٢٤٪ من الذين لا يملكون استراتيجية محددة، فإن الغالبية منهم ورغم أنهم يدركون أهمية الاستراتيجية الرقمية، إلا أنهم لم يقوموا حتى بالبدء بتقييم المشروع وذلك بنسبة ٤٩٪.
المسؤولون في هذه الشركات يؤكدون أن شركاتهم متأخرة وعليها اللحاق بالركب التقني، و٥٥٪ منهم قدروا أنهم خلال عام وإن لم يتمكنوا من الانتقال إلى العالم الرقمي فسيبدأون بلمس تأثير الخسائر المادية، بينما ٥٩٪ اعتبروا أن الخسائر بدأت بالفعل وأنهم حتى ولو تمكنوا من اللحاق فلن يتمكنوا من التعويض عن الخسائر.
شركات لا تعتبر الاستراتيجية الرقمية أولوية
في الاستطلاع تبين أن شركة من أصل ٤ لا تلاحق العصر الرقمي كما يجب. وتبين أنه ورغم أن ٩٦٪ منهم أكدوا أن عملية الانتقال الرقمي مهمة ولكن ٤٨٪ منهم لم يصنفوا الاستراتيجية الرقمية كأولوية. والمثير هو أن هؤلاء اعترفوا بأن شركاتهم في حالة من الإنكار للتأثير الكبير لتخلفهم عن اللحاق بالركب. ولكن الأهم والأكثر إثارة للاهتمام من كل ما ذكر هو أنه تبين بعد تحليل الإجابات بأن كل شركة تظن بأن الشركة المنافسة انتقلت الى العالم الرقمي، رغم أنها لم تقم بذلك. أي أن الجميع يخيل اليه بأن الآخر يملك استراتيجيته الرقمية التي يطبقها، بينما الواقع هو أن لا أحد يملكها بشكل كامل.
ما هي فعلا الاستراتيجية الرقمية؟
هي كل وجهات النظر التي تحدثنا عنها أعلاه. هي مضمون الموقع، والتجارة الإلكترونية، ومواقع التواصل والتسويق عبر البريد الإلكتروني وعبر الهاتف، وهي الانتقال من القنوات إلى المضمون. وفي الواقع الشركات بشكل أو بآخر حققت جزءا منها حتى ولو لم تكن تملك استراتيجية بعد. المواقع الإلكترونية موجودة منذ عقود، والغالبية الساحقة من الشركات تملك مواقعها. مواقع التواصل وحضور الشركات عليها أيضا واقع ملموس.. وبالتالي الغالبية الساحقة أتمت جزءا من عملية الانتقال ومنذ سنوات طويلة.
خلال الفترة الأخيرة دخلت عناصر جديدة، منها الحوسبة السحابية التي هي جزء كبير وأساسي من المعادلة الرقمية ولكن هذه التقنية متوفرة منذ ٥ سنوات والشركات بغالبيتها الساحقة تعتمد عليها. ما يعني خطوة إضافية جديدة على طريق الاستراتيجية الرقمية.
العناصر الأكثر أهمية من المعادلة برزت خلال السنوات الثلاث الماضية وهي تحليل الداتا، وبناء التفكير التحليلي في جميع مستويات الأعمال. الشركات بدأت تتعلم استخدام الداتا المتوفرة من حولها من خلال مواقعها أو مواقع التواصل وتحليلها ثم الاستفادة من النتائج ليصير لاحقاً الى وضع خوارزميات أكثر تفاعلاً وتجاوباً مع حاجات الزبائن.
بعض هذه «الاجزاء» مكلف ويتطلب مهارات خاصة. ولكنها ضرورية لأنها تمثل الخطوات التي لم تقدم عليها الشركات بعد من أجل الإنتقال إلى العصر الرقمي.
فأين يجب الاستثمار وإلى أين يجب أن تذهب الأموال؟
في الاستطلاع وعندما تم سؤال عدد من المديرين التنفيذين عن المجالات التي يجب الاستثمار فيها كانت الإجابات كالتالي:
-تجربة العملاء ( ٥٧٪).
-بناء وإدارة «الممتلكات» الرقمية كجزء من مقاربة متكاملة ( ٤٦٪).
- تطوير العمليات لتفعيل التلاؤم مع المواقع/ الهاتف/ مواقع التواصل (٤٥٪).
-إستخدام الهواتف من اجل دعم الجهود التنفيذية/ مبادرات تحفيز تفاعل الزبائن/ العثور على فرص جديدة ( ٤٢٪).
-بناء تطبيقات تدعم انخراط الزبائن مع النموذج التقني الخاص بالشركة أو أي مبادرة تقنية اخرى قد تخرج بها لاحقا (٤٠٪).
إنشاء أدوات قياس رقمية لمتابعة ما يحصل بدقة ( ٤٠٪).
ولكن، هل هذه الخطوات تعلهم أقرب إلى تنفيذ الاستراتيجيات الرقمية؟ الإجابة هي إلى حد ما، لأن ما تم ذكره أعلاه مجرد خطوات على طريق طويل. معضلة الاستراتيجيات الرقمية هي أنه لا يوجد طريقة واحدة هي «الصحيحة» بل هي رحلة تدريجية، قائمة على التجربة والخطأ وعثور الشركة على نمط يناسبها.
أي شخص يبلغكم بأنه يملك استراتيجية رقمية جاهزة ويريد أن يطبقها من أجل تطور الشركة وزيادة أرباحها هو شخص يعدكم بالوهم.
المصدر: ١