الاستيقاظ باكراً لن يجعل حياتك أفضل
الإنترنت تريدك وبكل قواها أن تستيقظ باكراً. أينما نظرت ستجد مقالات تمجد فكرة الإستيقاظ باكراً وحتى أن البعض يروج للفكرة هذه على أنها الخدعة الحياتية التي ستجعل كل شيء أفضل مما هو عليه. هناك روتين الممثل مارك والبيرغ الصباحي الذي يتضمن الإستيقاظ عند الثانية والنصف بعد منتصف الليل كي يتمكن من الذهاب الى النادي الرياضي والذي يساعده على التركيز على ما يريد تحقيقه خلال يومه. وهناك الممثلة ماليسا ماكارثي التي تستيقظ عند الرابعة والنصف فجراً كي تتمكن من مشاهدة ما تريد مشاهدته على التلفاز وتخصيص الوقت لنفسها.
ثم هناك النيويورك تايمز التي تحدثت مع ٣٠٠ شخصية ناجحة في مجالها وقدرت بان معدل إستيقاظهم لا يتجاوز السادسة والنصف بينما على الصعيد الفردي فإن التوقيت هذا يختلف بين شخص واخر إذ ان بعضهم يستيقظ قبل ذلك بساعات.
لو أخذنا يوم من حياة شخص من طائفة الذين يستيقظون باكراً فحينها سنجد بأن الشخص «أكس» يستيقظ عند الساعة الخامسة والنصف، يقوم بطقوسه الصباحية التي قد تكون الإسترخاء أو مراجعة البريد الإلكتروني أو الذهاب الى النادي الرياضي، ثم الذهاب الى العمل، القيام بكل واجباته، ثم العودة الى المنزل، والقيام بطقوسه المسائية مهما كانت هذه الطقوس ثم النوم. هنا سنعود الى الشخصيات الناجحة والمشهورة التي نطالع قصص نجاحها المرتبطة بالإستيقاظ باكراً، فموعد الذهاب الى النوم لا يتم التركيز عليه كثيراً كما أنه يختلف بشكل كبير بين شخص واخر وهو نادراً ما يكون في وقت مبكر يتناسب مع طبيعة الإستيقاظ باكراً.
عن تكلفة الفرصة
ما يتم عرضه هنا هو الحياة التي ستتبدل نحو الأفضل والنجاح المضمون في حال تم الإستيقاظ باكراً كل يوم.. وهذا العرض هو فرصة يجب إقتناصها من الناحية النظرية على الاقل. ولكن مقابل كل فرصة هناك تكلفة الفرصة والتي يتم التغاضي عنها.
لو كنت ستقرر بأنك تريد إقتناص هذه الفرصة والإستيقاظ باكراً، فإن لم تذهب الى الفراش بموعد باكر أيضاً فحينها ستكون بعد مدة من المحرومين من النوم وستكون مرهقاً ولاحقاً لا تملك القدرة على التركيز وهنا أنت تدفع «تكلفة الفرصة». أما في حال كنت تذهب الى النوم بوقت مبكر فحينها انت تدفع «تكلفة الفرصة» في مجالات اخرى من خلال تفويت الكثير من الأمور على نفسك والتي هي الممارسات التي عادة تجلب السعادة للشخص مثل ممارسة التمارين أو إمضاء الوقت مع الاصدقاء أو مشاهدة فيلم.
كيف يقييم علماء السلوك والأعصاب الإستيقاظ المبكر
روسيل فوستر عالم الأعصاب أشار في أكثر من مناسبة بانه لا يوجد دراسة علمية واحدة تشير الى أن الإستيقاظ باكراً يضاعف الإنتاجية. كما انه لا يعني بأنك ستصبح أكثر ثراءاً.. كما ان الإستيقاظ باكراً أو بوقت متأخر لا يحدد المستوى الإقتصادي ولا الإجتماعي للفرد ولا يؤثر عليه.
في الواقع في غالبية إستطلاعات التي حاولت رصد السبب الذي يجعل البشر سعداء، كان الحصول على قسط وافر من النوم من الأسباب الأولى وفي أسفل اللائحة حل التواصل والاختلاط الاجتماعي.
الطبيب مايكل بريوس والذي يعرف بطبيب النوم يجد أن مبدأ الإستيقاظ باكراً يسير بإتجاه معاكس لطبيعة البشر البيولوجية.. فالجسم مبرمج على القيام بأمور مختلفة خلال ساعات مختلفة من النهار أو الليل أو الفجر وكل شخص يملك وقتاً محدداً يكون خلاله في ذروة إنتاجيته. والخلاصة التي يشدد عليها هي أن الغالبية الساحقة من البشر غير مبرمجة للإستيقاظ عند الخامسة فجراً أو قبل ذلك.
وطبعاً تبقى النقطة البديهية التي يعرفها الجميع وهي أنه عندما نستيقظ في وقت لا يناسبنا فإننا نتلاعب بالساعة البيولوجية وبالتالي نحرم أنفسنا من النوم. وكما هو معروف الحرمان من النوم يؤدي الى التوتر والمزاج السيء كما انه يؤثر سلباً على الإنتاجية.
في إحدى الدراسات تبين بأنه بعد العمل لـ ١٧ أو ١٩ ساعة من دون راحة فإن الاداء كان مثل أو أسوأ من شخص مخمور وبشدة وأن ردات الفعل كانت أقل بـ ٥٠٪ من البشر الذي يحصلون على ما يحتاجون اليه من نوم.
أي ما لم يكن الهدف العيش «كزاهدي» سيلكون فالي والتخلي عن الصداقات وكل ما هو ممتع في الحياة وجعل الحياة كلها تتمحور حول السعي الشرس والدائم للإنتاجية المطلقة فإن نصيحة الإستيقاظ المبكر تبدو عديمة الفائدة.
الاستيقاظ مبكراً أم النوم كفاية
الكل يتلقف الإستيقاظ باكراً على انه نصيحة يجب الإلتزام بها وذلك لان الغالبية الساحقة من الذين حققوا النجاحات قاموا بذلك ولكن قلة قليلة تحاول معرفة السبب خلف الدعوة الى جعل صباحاتنا تصبح أطول من اجل كسب ساعات إضافية للعمل.
في الوقت الذي بات العامل مطالب بما يمتد أبعد مما يمكن تحقيقه في ٨ ساعات فإن الداعين للإستيقاظ باكراً لا ينصحون بالتقليل من ساعات العمل بل بإيجاد مقاربات «مبدعة» للتأقلم معها. وذلك لان الإستيقاظ باكراً لا ينفعك بشيء ولا يعود عليك بأي فائدة تذكر بل هو يخدم النظام الرأسمالي. يكتب نيكولاس لازرد في مراجعته لكتاب جوناثان كاري ٢٤/٧ : الرأسمالية ونهاية النوم « نحن اليوم متواطئين طوعاً ضد نومنا. وفيما يتعلق بالرأسمالية فنحن بالنسبة اليها لسنا اكثر من عناصر قابلة للإستبدال هدفها المحافظة على حركة الإقتصاد».
في المحصلة، كل واحد منا يعرف مجموعة من الاشخاص الذين يستيقظون صباحاً بشكل مبكر لانهم يستمتعون بذلك، وهناك الاباء والامهات الذين يملكون أطفالاً والذين عملياً لا يملكون خياراً ولكن من بين هؤلاء لا نجد اي منهم يمجد فكرة الإستيقاظ باكراً ولا يروج لها على أنها الخدعة المطلقة لحياة ناجحة وأفضل.
إن كنتم تريدون خدعة حياة تجعل حياتكم أكثر نجاحاً وتجعلكم أكثر إنتاجية من اي وقت مضى فإليكم هذه الخدعة.. إحصلوا على قسط وافر من النوم لدرجة أنكم لن تحتاجوا بعد اليوم لمنبه يقوم بإيقاظكم.