دراسة أمريكية تحذر من منتج لعلاج السرطان يغذى الخلايا السرطانية
كشفت دراسة جديدة أجرِيت في الولايات المتحدة أن شذوذاً وراثياً لدى بعض الرجال المصابين بسرطان البروستات قد يؤثر على استجاباتهم لعقاقير شائعة الاستخدام في علاج هذا المرض. ورأى الباحثون المشاركون في الدراسة، التي نُشرت حديثاً في مجلة "كلينكال إنڤستيغيشن" الطبية المختصة بالبحوث السريرية، أن النتائج التي حصلوا عليها قد تقدّم معلومات مهمة لتحديد المرضى الذين يحتمل أن يُصبحوا أفضل حالاً عند علاجهم باستخدام عقار مختلف.
وجد الباحثون أن العقار "أبيراتيرون"، وهو عقار شائع لعلاج سرطان البروستات، يُنتِج مستويات عالية من منتج ثانوي شبيه بالتستوستيرون عندما يتناوله الرجال المصابون بحالات متقدمة من المرض ولديهم تغيّر وراثي معيّن.
وكان الأخصائي الدكتور نعمة شريفي، الباحث الرئيس في الدراسة والذي يعمل في معهد ليرنر للأبحاث التابع لمستشفى كليفلاند كلينك، اكتشف سابقاً أن الرجال المصابين بسرطان البروستات العدواني والذين لديهم تغيّر معيّن في المورّثة HSD3B1 يحققون نتائج علاجية أدنى بكثير من النتائج التي يحققها المرضى الذين ليس لديهم ذلك التغيّر الوراثي. وتقوم المورّثة HSD3B1 بترميز إنزيم يسمح للخلايا السرطانية بالتغذية على الأندروجين (هرمون الذكورة) الكظري. ويتسم هذا الإنزيم بفرط النشاط لدى المرضى الذين يعانون تغيّراً في المورثة HSD3B1(1245C).
ووجد الدكتور شريفي وفريقه في قسم علم الأحياء السرطاني، بمن فيهم المؤلف الأول للدراسة الباحث الدكتور محمد اليماني، أن أجساد الرجال الذين يعانون هذا الشذوذ الوراثي تستقلب عقار الأبيراتيرون بطريقة مختلفة عن نظرائهم ممن ليس لديهم هذا التغيّر الوراثي.
وأعرب الدكتور شريفي عن أمله في أن تؤدي هذه النتائج إلى "تحسين قدرتنا على علاج سرطان البروستات بناء على تركيبة جينية محددة لكل فئة من المرضى"، وقال: "ثمّة حاجة إلى مزيد من الدراسات، ولكن لدينا أدلة قوية على أن حالة المورّثة HSD3B1 تؤثر على أيض (استقلاب) الأبيراتيرون، وربما فعاليته، وإذا تأكد لنا هذا الأمر، نأمل في التمكّن من تحديد عقار بديل فعال قد يكون أكثر تأثيراً في الرجال الذين يعانون هذا الشذوذ الوراثي".
ويمنع العلاج التقليدي لسرطان البروستات المتقدم، والذي يسمى "العلاج بالحرمان من الأندروجين"، إمداد الخلايا بالأندروجينات التي تتغذى عليها وتستخدمها في النمو والانتشار. وبالرغم من نجاح طريقة العلاج هذه في مرحلة مبكرة من الإصابة بالمرض، تبدأ الخلايا السرطانية لاحقاً في إظهار مقاومة لهذه الطريقة ما يسمح للمرض بالتقدّم إلى مرحلة مميتة تسمى "سرطان البروستات المقاوم للإخصاء"، تلجأ الخلايا السرطانية فيها إلى مصدر بديل للأندروجينات هو الغدد الكظرية. ويقوم عقار الأبيراتيرون بمنع هذه الأندروجينات الكظرية عن الخلايا السرطانية.
وقام الباحثون خلال هذه الدراسة بفحص مشتقات جزيئية صغيرة من الأبيراتيرون في عدة مجموعات من الرجال الذين تقدّم بهم المرض إلى المرحلة المقاومة للإخصاء، فوجدوا لدى المرضى المصابين بالتغيّر الوراثي منهم مستويات عالية من مُستقلَب يسمى 5α-abiraterone. ويخدع هذا المستقلَب مستقبلات الأندروجين بتحفيز مسارات نموّ خطرة للسرطان. ومن اللافت أن هذا المنتج الثانوي الناجم عن استقلاب الأبيراتيرون، المصمّم في الأصل لمنع الأندروجينات، قد يتصرف مثل الأندروجين ويسبب نمو خلايا سرطان البروستات. وسيكون التحقيق في تأثير الأبيراتيرون على النتائج السريرية لمرضى سرطان البروستات المقاوم للإخصاء، خطوة مهمة في المرحلة القادمة.
من جانبه، اعتبر الدكتور إيريك كلاين رئيس معهد غليكمان للمسالك البولية والكلى التابع لمستشفى كليفلاند كلينك، أن هذه الدراسة "تعزّز فهم الأثر التخريبي الذي تُحدثه التغيّرات الوراثية في المورّثة HSD3B1، وتبشّر باتباع نهج طبي دقيق في علاج الرجال المصابين بسرطان البروستات المتقدم".
وتلقّت هذه الدراسة دعماً جزئياً بمِنَح قدمها المعهد الوطني للسرطان التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية ومؤسسة سرطان البروستات. ووصف الدكتور هوارد سولي نائب الرئيس التنفيذي وكبير مسؤولي العلوم في هذه المؤسسة غير الربحية، الدراسة بأنها تساعد على تحديد "مسار مقاومة جديد" لعقار الأبيراتيرون شائع الاستخدام في علاج المرضى المصابين بسرطان البروستات المتقدم، معرباً عن شكر مؤسسة سرطان البروستات للدكتور شريفي وفخرها بتقديم الدعم لمساعيه المستمرة في الأبحاث الرامية إلى تعزيز علاج المصابين بسرطان البروستات المتقدم وقال: "نأمل في أن تساعد النتائج التي توصّل إليها الدكتور شريفي وفريقه في اختيار علاجات منهجية مختلفة للمرضى الحاملين لتغيّرات وراثية معينة في المورثة HSD3B1، من أجل إطالة أمد الاستجابة السريرية".
ويحمل الدكتور شريفي درجة الأستاذية في مقعد عائلة كندريك الخاص بأبحاث سرطان البروستات في كليفلاند كلينك ويشارك في إدارة مركز كليفلاند كلينك للتميز في أبحاث سرطان البروستات، كما يحظى بتعيينات مشتركة في معهد غليكمان للمسالك البولية والكلى ومعهد تاوسيغ للسرطان. وحصل الدكتور شريفي في العام 2017 على جائزة "أفضل عشرة إنجازات سريرية" من منتدى الأبحاث السريرية لاكتشافاته السابقة المتعلقة بالمورّثة HSD3B1.