مآذن المسجد النبوي.. حضارة إسلاميّة خالدة ورمز من العمارة الإسلامية
لطالما يشعر الزائر إلى المدينة المنورة براً وجواً بالفخر والاعتزاز وهو يشاهد مآذن الحرم النبوي العشر التي تعد معلماً معمارياً إسلامياً يهتدى بها إلى " إلى عصر صدر الإسلام؛ حيث الرسول الكريم وأصحابه مرورا بالحراك الإسلامي الذي أحدثه خلفاء الدولتين الأموية والعباسية، وتمر الثواني سريعاً مستعرضاً مشهد اهتمام العثمانيين بالحرمين الشريفين، وأخيراً العناية الفائقة التي أولاها حكام الدول السعودية الثلاث.
برعاية ولي العهد.. مبنى بأحدث المواصفات لشركة معدات الطائرات
يجذب الزائر للمدينة المنورة منظر مآذن المسجد النبوي العشر التي تعد معلماً معمارياً إسلامياً يهتدي بها إلى مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لحظة وصوله إلى المدينة المنورة، إذ يمكن مشاهدتها من جميع الجهات شامخة بطولها مشنفة آذان المسلمين بصوت الحق خمس مرات في اليوم
وُعرفت بداية المآذن في المسجد النبوي في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حينما رفع الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه أول أذان في طيبة في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 1400 عام هجري ومن عند اسطوانة قريبة من بيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها، واستمر الأذان بعدها على هذه الحال حتى جاء عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وتشير إلى أن مآذن المسجد النبوي كانت أربع مآذن في كل من أركان المسجد النبوي الأربعة في بادئ الأمر، وكانت إحدى تلك المآذن الأربع تطل على بيت مروان بن الحكم، وكان ينزل بها أمراء بني أمية، وكانت كاشفة للمنزل فأُمر بإزالتها فأزيلت فأصبح للمسجد النبوي ثلاث مآذن؛ وظلت هذه المآذن حتى نهاية العهد العباسي، أما في عهد المماليك وتحديداً في عهد السلطان "أشرف قيتباي" تم بناء مئذنة "باب الرحمة" التي استمر وجودها حتى التوسعة السعودية الأولى واستقر المسجد النبوي بعد العمارة المجيدية بخمس مآذن؛ وهي: المئذنة الرئيسة، ومئذنة باب السلام، ومئذنة باب الرحمة، والمئذنة المجيدية، والمئذنة السليمانية.
ومر المسجد النبوي بعدة تحسينات على مر التاريخ، لكنه في عهد الدولة السعودية شهد توسعات ضخمة على مختلف الصعد، ليستقطب أعداد المصلين الذين باتت تتزايد أعدادهم عاماً بعد عام، إذ أجرى الملك عبد العزيز آل سعود ما بين أعوام 1370 - 1375هـ تحسينات أولى، أبقى خلالها على مئذنتي الجهة الجنوبية للمسجد النبوي، وأزيلت الثلاث الأخر حيث شيّد الملك عبد العزيز عوضا عنها مئذنتين جديدتين في ركني الجهة الشمالية يبلغ ارتفاع الواحدة منهما سبعين مترًا، وتتكون كل مئذنة من أربعة طوابق الأول مربع الشكل يستمر أعلى سطح المسجد وينتهي بمقرنصات تحمل شرفة مربعة والثاني مثمن الشكل زين بعقود وتنتهي بشكل مثلثات وفي أعلاه مقرنصات تعلوها شرفة، والثالث مستدير حلي بدالات ملونة وينتهي بمقرنصات تحمل في أعلاها شرفة دائرية والرابع مستدير أيضا له أعمدة تحمل عقودا تنتهي بمثلثات في أعلاها مقرنصات وفوقها شرفة.
لماذا التقى الأمير محمد بن سلمان رئيس اتحاد الفيفا ؟
واستمرت توسعات المسجد النبوي خلال الأعوام من 1406هـ إلى 1414هـ، وأضيفت ست مآذن أخرى على ارتفاع 104 أمتار لتصبح عشر مآذن، وصممت بحيث تتناسق مع مآذن التوسعة السعودية الأولى، وتصطف أربع منها في الجهة الشمالية والخامسة عند الزاوية الجنوبية الشرقية من مبنى التوسعة والسادسة في الزاوية الجنوبية الغربية منها أيضاً.
وتتكون كل مئذنة من خمسة طوابق، الأول مربع الشكل والثاني مثمن الشكل قطره 5.50م مغطى بالحجر الصناعي الملون وعلى كل ضلع ثلاثة أعمدة من المرمر الأبيض فوقها عقود تنتهي بشكل مثلثات وبين الأعمدة نوافذ خشبية تنتهي بمقرنصات تحمل شرفة مثمنة والثالث مستدير قطره 5 أمتار، وارتفاعه 18متراً، صُبغ بلون رصاصي داكن وحلي بدالات بارزة مموجة شكلت 12 حزاماً ينتهي بمقرنصات تحمل شرفة مستديرة والرابع دائري الشكل قطره 4.50 م، وارتفاعه 15 متراً عليه ثمانية أقواس تستند إلى أعمدة رخامية بيضاء تعلوه مقرنصات تحمل شرفة دائرية والخامس يبدأ بشكل أسطواني مضلع وينتهي بتاج مشرشف يحمل الجزء العلوي المخروطي الشكل يتلوه قبة بصلية تحمل هلالا برونزيا ارتفاعه 6.70 متر، ووزنه 4.5 طن مطلي بذهب عياره 14 قيراطاً.
وتواصلت التوسعات السعودية، إذ شهدت المدينة المنورة أواخر عام 1434هـ، أكبر توسعة في تاريخ المسجد النبوي الشريف، إذ ارتفعت طاقته الاستيعابية لتصل إلى مليوني مصل مع نهاية أعمال المشروع، ويعد هذا المشروع الأكبر في تاريخ المسجد النبوي الشريف، والحدث الإسلامي الأبرز في مختلف أنحاء المعمورة.
وواصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مسيرة العطاء في خدمة الحرمين الشريفين، إذ أكد أهمية الحرص على متابعة العمل في مشروع التوسعة الكبرى للمسجد النبوي والمشروعات المرتبطة بها، التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، وكذلك خدمة أهالي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوارها بمتابعة من ولي العهد، وإشراف مباشر من الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة.
وتعد مآذن المسجد النبوي الشريف حضارةً إسلاميّة خالدة، وأحد رموز فن العمارة الإسلامية التي تتصعد في السماء شموخاً وروحانية حيث بات منظر المآذن العشر علامةً فارقة بين آلاف الصور التي ترمز للأشياء، ودلالة راسخة لاستمرار النور المبين الذي يشع بين جنبات قبور النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحجرة النبوية و"البقيع"، ورسائل صادقة حول شرف الخدمة يشاهدها الزوار ويتناقلها الركب للعالم.