«بتطوير الذات أم بالجينات».. كيف يصنع رواد الأعمال نجاحاتهم ؟!
تحولت السياسات الحكومية في منطقة الشرق الأوسط، ومن قبلها أوروبا وأمريكا، للاهتمام بريادة الاعمال ودعم تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولعل الاسباب التى تؤدي إلي صناعة رواد أعمال ناجحين، هي الشق الأكثر جدلا، ومجالا للبحث، حول الأسباب التى تدقع هؤلاء إلي النجاح، مع النظر إلي الأمثلة الأكثر نجاحا في المنطقة.
وفي تقرير نشه موقع "أجريك" المهتم بتطوير الذات والشخصيات الناجحة، أكد إّنه هناك نجاحًا لرجال أعمال موهوبين يمهدون الطريق لغيرهم من الأشخاص مثل: محمد بيطار مؤسس (Just Falafel) في الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى ذلك يضم فرع البحرين لمنظمة رواد الأعمال 37 عضوًا تنتج شركاتهم أكثر من 200 مليون دولار أمريكي سنويًا من خلال مشاريعهم التجارية.
إنفوجراف| لكل موظف شخصيته من العبقري إلى النرجسي.. ما هي آليات التعامل معهم؟
ولكن ما السر وراء نجاح رواد الأعمال في نشاطهم التجاري؟
تساءَل علماء النفس الاجتماعي والاقتصاديون جميعًا فيما إذا كان رجال الأعمال يولدون، وهم يحملون هذه الجينات، أم أنّهم يتعلمون، وتُبلورهم الحياة ليتخذوا هذا الاتجاه ويحققون ذلك النجاح!!! بعبارة أخرى إذا كنت مهيئًا لتصبح رائد أعمال بسبب الجينات التي تحملها، أو إذا كان ذلك يأتي من بيئتك و تكيّفك مع محيطك أو غير ذلك من العوامل الخارجية، والمؤثرات التي تكتسبها من البيئة.
بالنسبة إلى معظم أصحاب المشاريع فإنّه من المريح أن نفكر أنّ رجال الأعمال مصنوعون. ذلك، يبعث على الأمل لأنّه حتى لو كنت تفتقر إلى الحمض النووي الصحيح. لذلك، فإنّ ما يكفي من الممارسة و الخبرة و التكيّف يمكن أن يساعدك على أن تكون ناجحًا، لكن الأبحاث تشير إلى عكس ذلك: اتضح أنّ معدلات ريادة الأعمال و خاصةً معدلات نجاح الأنشطة التجارية تتأثر بجينات الشخص أكثر من نشأته، ودرجة رعايته التي يتلقاها في حياته، بالنسبة إلى غالبية الرائدين في الأعمال هناك شك حول ذلك.
إلى ماذا توصلت الأبحاث؟
هناك العديد من الدراسات التي تحاول الإجابة على هذا السؤال، حيث عرضت كل جانب من هذا السؤال في مناقشة الفطرة (الجينات) مقابل التنشئة (الاكتساب من البيئة) للنظر إلى العوامل وراء ريادة الأعمال، وكانت الدراسات الأكثر فعاليةً تلك التي أُجريت على التوائم؛ لأنّهم يحملون نفس الحمض النووي، ولكنهم قد ينشئون في بيئات مختلفة وقد تختلف نسب اكتسابهم من المحيط، وبالتالي يختلف تطورهم. هناك تمييز هام وهو أنّ التوائم الحقيقية (المتطابقة) تشترك بنسبة 100% بنفس الجينات الوراثية، بينما التوائم المختلفة (غير المتطابقة) تشترك بنسبة 50% من الحمض النووي.
إنّ مسألة ما إذا كان السلوك البشري مدفوعًا بالقوى البيولوجية، أو نتاج تعلمنا و بيئتنا كانت مناقشةً شعبيةً في المؤتمرات العلمية لسنوات عديدة، التقدم العلمي الهائل قد حسّن بشكل كبير مستوى فهمنا للجواب عن هذا السؤال، ولتتبع التقدم في هذا النقاش سنقوم بتقسيم المناقشة إلى ثلاث حالات رئيسية:
الحالة الأولى: الفطرة مقابل التنشئة
أصول الفطرة مقابل التنشئة هو تاريخ نقاش منذ آلاف السنين و عبر العديد من الثقافات، و يأتي مصطلح “الفطرة – التنشئة” من كتاب السيد فرانسيس غالتون الصادر عام 1874 بعنوان: “الرجال الإنكليزيون في العلوم: طبيعتهم ونشأتهم” الذي قال فيه أنّ الذكاء، والصفات الشخصية تأتي من عوامل وراثية (كان ذلك قبل العلم الحديث لعلم الوراثة)، حيث كانت معتقداته معارضةً واضحةً للعلم المكتسب، كما كان يراه الفيلسوف جون لوك المعروف جيدًا بنظريته أنّ الأطفال يولدون كلوحة بيضاء، ثم تبدأ صفاتهم بالتطور و التنامي من خلال الخبرة و العلم.
في القرن العشرين استمر هذا النقاش، بالنسبة لمعظم سنوات القرن العشرين كانت المدرستان (الفطرة و التنشئة) مهيمنتين، وعندما يتعلق الأمر بسلوك الإنسان و تكوين الشخصية التي تبدأ بالتبلور في العمر المبكر لا يمكن تجاهل أهمية مبادئ التعلم في تشكيل السلوك، والتحليل النفسي الذي يتطور لاحقًا خلال مسيرة الحياة، كما أفكار سيغموند فرويد الذي ركّز على الطرق التي يتم فيها توجيه الأفعال العدوانية اللاواعية من خلال آليات دفاع مختلفة.
على الرغم من أنّ هذين المنظورين كانا في كثير من الأحيان في معارضة شرسة لبعضهما البعض، فقد اتفق الجانبان على أنّ البيئة و التجارب الفريدة للشخص (أي الرعاية) كانت القوى الساندة للشخصية في التنمية والتطوير النفسي.
الحالة الثانية: الفطرة والتنشئة
منذ عام 1970 تقريبًا إلى نهاية القرن العشرين حدث تحول ملحوظ على المعرفة المباشرة من الدماغ، وحدثت أبحاث معمّقة في علم الوراثة، ويدأت تتجه الكفّة نحو زيادة تقدير الفطرة باعتبار أنّ لها تأثيرًا حاسمًا على أفكار الشخص، والمشاعر، و السلوك.
تم إطلاق مشروع الجينوم البشري في عام 1990، وتم تسميته "عقد الدماغ" وثم انفجرت أبحاث علم الأعصاب، وظهرت العديد من الأدوية النفسية الجديدة التي أصبحت اليوم أكثر شيوعًا من أي وقت مضى.
الأبحاث التي لها صلة بالفطرة أصبحت أكثر شيوعًا مثل: دراسة التوائم التي مكّنت العلماء من الحساب المباشر لدرجة كل من المتغيرات التالية (الذكاء، الطول، مستوى القلق، وما إلى ذلك) التي تتأثر بالعوامل الجينية مقابل العوامل البيئية، وبالقيام بهذه التجارب كانت النتيجة متكررةً عندما يتعلق الأمر بالمتغيرات السلوكية أنّ كلًا من التأثيرات الجينية و البيئية كانت مهمةً، وأغلب النتائج أعطت نسبةً متقاربةً 50/50 من حيث الحجم.
هذه الأنواع من الدراسات جنبًا إلى جنب مع غيرها جعل من الصعب على نحو متزايد تحديد السيادة الساحقة لأي من الفطرة والتنشئة؛ لاعتبار أحدها المحرك الرئيسي للصفات السلوكية و الريادية.
الحالة الثالثة: الفطرة هي التنشئة (والعكس بالعكس)
معظم العلماء اليوم الذين يدرسون بعناية قاعدة البحوث المتوسعة وجدوا أنّه حان الوقت لمعرفة أنّ الطبيعة و التنشئة متشابكتان معًا، حيث أنّ الجينات لها تأثير على البيئات التي نعيشها، وفي الوقت نفسه يمكن لبيئة الشخص و خبرته أن يغيرا بشكل مباشر مستوى معين من الجينات، وهذا بدوره يغير كلًا من التركيب البدني و النشاط الدماغي.
بالنظر إلى هذا المفهوم الحديث فإنّ مسألة الفطرة مقابل التنشئة تتوقف على نواحٍ كثيرة. فعلى سبيل المثال، بالنظر إلى المسار التنموي لصبي يبلغ من العمر 10 سنوات تم تقديمه إلى أخصائي في الصحة النفسية نظرًا لمستويات السلوك العدواني العالية التي يعاني منها، قد يكون ورث ميلًا مزاجيًا لكونه عدواني، وبصفته طفل صغير فإنّ هذا الميل إلى أن يصبح مزعجًا و غاضبًا سيثير في كثير من الأحيان استجابات سلبية أكثر لدى الآخرين مثل: الآباء والأمهات الذين قد يكافحون لضبط أنفسهم و السيطرة على غضبهم. هذه التفاعلات تؤثر على عمله في المدرسة وعلى صداقاته من خلال آليات جينية، كل هذه التجارب تحثّ دماغ الطفل على النمو بشكل مختلف، تقدير هذه العوامل الوراثية و البيئية المتفاعلة تعطينا العديد من الأماكن للتدخل، ووقف هذا النمو و تغيير اتجاه نمو دماغ هذا الطفل. ليس فقط الأدوية و العلاجات البيولوجية يمكن أن تساعد إنما أيضًا هناك أشياء مثل: العلاج النفسي السلوكي، التوجيه و الرعاية من الأبوين، الممارسات الذهنية، وعادات الطعام الجيدة.
في النهاية عندما يسأل أهالي الأطفال الذين يعانون مثل هذه الحالات عما إذا كانت صراعات أطفالهم سلوكية أو نفسية بيولوجية؟ فإنّ أفضل جواب يمكن إعطائِه لهم هو “نعم الاثنين معًا”.
البروفسور سكوت شين، وهو أستاذ في ريادة الأعمال في جامعة Case Western Reserve و مؤلف الكتاب الجديد “القادة المولودون: كيف تؤثر جيناتك على حياتك العملية” يقول: “إذا سألت الناس عما إذا كانوا يعتقدون أنّ هناك رياديين مولودين سيقول معظم الناس نعم، هناك اعتقاد واسع النطاق بأنّ بعض العناصر الأساسية و الفطرية للريادة، ونريد أن نعرف إذا كان هنالك شيء من الحقيقة في ذلك”.
شين، وعدد من الباحثين درسوا معدلات الريادة على مئات الأزواج من التوائم الحقيقية الذين يملكون نفس الجينات 100، والتوائم غير الحقيقيين الذين يملكون 50 من نفس الجينات، وقد وجدوا أنّ المعدلات الأعلى من الميول الريادية كانت لدى التوائم الحقيقية، وحددوا أنّ ما يقارب 30 – 40% من النزعة لتكون رياديًا فطريًا، وليس تعليميًا.
“كنا نتوقع أن يكون هناك مكون وراثي للريدة في الأعمال”، قال شين: “ولكننا فُوجئنا أن نجد أنّ حجم هذا المكون الجيني كان كبيرًا جدًا”.
لم يكن ذلك مفاجئًا لديف بروتيجان مدير العمليات في شركة أتلانتا للتبريد الذي يقول أنّه من عائلة ريادية، و يتذكر بروتيجان كيف كان يساعد جدته في تنظيم كتب شركة النشر الصغيرة التي كانت تملكها مع جده، وكانت تمضي عطلات نهاية الأسبوع و العطلة الصيفية، وهي تجهز للعمل مع والده الذي شارك في تأسيس شركة أتلانتا للتبريد عام 1969، و بعد تخرجه من الجامعة حول تركيزه إلى شركة والده التي توسعت لتصل إلى جزر فيرجن الأمريكية.
يقول بروتيجان أنّه من السهل تحديد الصفات المشتركة التي جعلت منه ومن والده ناجحين في الأعمال التجارية، كلاهما كانا يتمتعان بالعمل الشاق و الصبر، ولكن ما يصعب تحديده فيما إذا كانت تلك الخصائص قد وُرثت أو تُعلِّمت.
“يمكنني القول بأنّها وراثية؛ لأنّني أستطيع أن أتذكر كيف كنت أجلس على كرسي البار عندما كنت صغيرًا، وأبدأ بالتكلم والدردشة مع الناس، بينما كان والدي يقوم بالتصليحات في المطعم، لم يكن لدي مشكلة في التحدث أمام الناس، أو إشراك أشخاص لا أعرفهم في الحديث، ولكن هل ذلك حقًا وراثي 100%، لا أعتقد ذلك لأنّني أتساءَل هل كنت حصلت على هذه السمة فيما لو تُركت وحيدًا في المنزل ألعب ألعاب الفيديو”.
من خلال الدراسات المعمقة في علم الوراثة الجزئي تم الحصول على أربع صفات أساسية في مجال ريادة الأعمال، كل منها يزيد من احتمال أن تصبح رجل أعمال ناجح:
احتمال بدء الأعمال التجارية: يمكن للجينات أن تؤثر على احتمال بدء نشاط تجاري.
القدرة على استغلال فرص جديدة: قدرتك على اقتناص فرص العمل هي أيضًا موروثة.
الميل للعمل لحسابك الشخصي الخاص: بدء الأعمال الخاصة بك من المحتمل أن يكون موروثًا.
الانفتاح: على الرغم من أنّ الانفتاح في حد ذاته لا يكفي لتحفيز ريادة الأعمال، لكنها تساعدك على الانخراط في مجتمع أوسع.
وجهة نظر أخرى:
أن يكون لديك احتمال وراثي أقل لبدء الأعمال التجارية لا يعني بأنّه لا يمكنك بدء الأعمال التجارية، أو أنّ الأعمال لن تكون ناجحةً، في الواقع مع خبرة جيدة و ممارسة قد تكون أكثر نجاحًا من شخص مهيأ وراثيًا لبدء الأعمال التجارية، وخاصةً إذا كان هذا الشخص لا يملك الكثير من الخبرة في العالم الحقيقي كما لديك أنت.
الجينات الموروثة قد تؤدي إلى بعض التأثيرات الفيزيولوجية، والتي يمكن أن تمثل السمات المشتركة بين الرجال الرائدين في الأعمال، مثل الانفتاح على تجارب جديدة، مثلًا الأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة من الدوبامين الكيميائي في أدمغتهم يكونون أكثر رغبةً في البحث عن أنشطة جديدة مثل: البدء بالأعمال التجارية، ولكن العوامل الوراثية تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل البيئية، يقول شين أنّه من شبه المستحيل فصل الفطرة عن التنشئة، على سبيل المثال: ليس من الواضح فيما إذا كان الطفل الذي يولد و لديه حبال صوتية جميلة و ينتهي به المطاف كونه مغني محترف بسبب موهبته الموسيقية الفطرية، أو لأنّ تلك الموهبة طُورت من خلال دروس صوتية وحصل الطفل على منح فنية، و غيرها من الفرص التي جعلت مهنته أكثر نجاحًا.
دراسة أخرى من كلية ستانفورد للدراسات العليا في إدارة الأعمال البروفسور Kathryn Shaw درست بيانات 2.8 مليون من الشركات الصغيرة لتحديد معدلات النجاح على أساس الخبرة السابقة، و كما قد تتوقع كانت معدلات النجاح أعلى بشكل كبير لرجال الأعمال الذين لديهم خبرةً سابقةً في إدارة الأعمال التجارية.
ما يميز رواد الأعمال هو المثابرة و القدرة على الصمود و الفضول للمعرفة، وتعلم المهارات واكتشاف الفرص.
يولد رواد الأعمال بسمات أساسية معينة، ولكن من الصحيح أيضًا أنّ أولئك الذين يطمحون إلى امتلاك أعمالهم الخاصة يمكن أن يفعلوا ذلك من خلال اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة، يمكنهم أن يتعلموا وهم يحولون أفكارهم على الفور إلى واقع ملموس.
إنّ العامل الحقيقي للنجاح هو كمّ الخبرة الذي تحصل عليه في ريادة الأعمال بغض النظر عن ميلك لبدء نشاط تجاري.
السؤالين المميزين الذين يمكن أن نسألهم:
1- هل رواد الأعمال يولدون أم يُصنعون؟
وفقًا للأبحاث غالبًا ما يولدون بالنسبة لبدء نشاط تجاري.
2- هل أصحاب المشاريع الناجحة يُولدون أم يُصنعون؟
وفقًا للأبحاث معظم أصحاب المشاريع الناجحة تصنعهم الحياة، فيما إذا تجاهلنا احتمال بدء نشاط تجاري.
الأهم في كل ذلك، بغض النظر عن جيناتك الموروثة، فرصك لجعل أعمالك الخاصة ناجحةً ليست محدودةً حتى أقل الأشخاص المحتملين للريادة وراثيًا يمكن أن يصبحوا ناجحين إذا عملوا على إعطاء وقت كافي لتحسين مهاراتهم، واكتساب الخبرة و تحسين ذاتهم و الحصول على أفكار جديدة أفضل.