كل ما تريد معرفته عن «التتن».. وقصص عن علاقته بـ«عظام الإبل»
التتن أو التبغ، وهي جميعها مسميات لما يقوم الانسان بإدخاله إلي رئتيه لتدخينة، ولربما الآن في القرن الحادي والعشرين بات الأمر اسهل من ذي قبل، فبات انتشار التدخين على مستوى العالم أكثر بكثير، ولعل تحريم التتن قديما في المملكة العربية السعودية، كان يقلل من عمليات التدخين بين السعوديين، عما هو الآن.
تجاوز سعره 15500 دولار.. شاهد جهاز تحضير القهوة الأغلى في العالم (فيديو)
حيث لا یعلم الكثیر أن علمیات نقل التتن (السجائر) إلى مناطق المملكة كانت من المحرمات والجرائم الكبرى في منتصف القرن المیلادي الماضي، فلم یكن سائق السیارة في أذهان العامة وهو القادر على تحریك هذه الكتلة الضخمة والمعقدة من الحدید إلا كائن أسطوري مختلف لا سیما عندما یتحدثون مغامرات الكر والفر مع دوریات رجال خفر السواحل في طلعات تهریب "التتن."
ونشرت صحیفة "الریاض" قصة المطاردات الدمویة بین المهربین ورجال حرس الحدود، وذلك عندما یضطر المهرب إلى السیر لیلاً من دبادب الصمان شرقاً بلا أضواء مخترقاً الدهناء ونفود الثویرات یتلمس طریقه عبر النجوم ومذاري الأشجار حتى یتقي عیون الراصدین المتیقظة والتي إن تمكنت منه أحالته إلى السجن مع مصادرة السیارة وحمولتها. وقتها كان عرض جماعات تهریب التتن مغریاً جداً ومكافأة السائق في الغالب هي نفس السیارة المستخدمة مجرد أن یوصلها بكامل حمولتها من إحدى دول الحدود إلى المكان المتفق علیه.
واستمر الوضع هكذا إلى أن توقف التهریب مع بدایة تطبیق نظام التعرفة الجمركیة على الدخان أواخر الثمانیانت الهجریة لتبقى حكایات المهربین ومغامراتهم التي كانت تضخمها أحیانا عقول البسطاء والمراهقین حتى جعلت منهم ما یشبه أبطال أفلام المطاردات السینمائیة یغذونها بمساجلات شعریة حدثت آنذاك بین بعض المهربین ورجال خفر السواحل مع بدایة دخول خدمة جیل من السیارات الأمیركیة في قطاع خفر السواحل یسمونها "العنتر ناش" التي سخر منها المهربون وشككوا في قدرتها على مجاراة "عطیة الله" و"الفرت" كما كانت تسمى سیارات "نصف النقل".
يأتي هذا فيما روى ياسين القطان، المسن السعودي، قصته المثيرة مع بيع التتن، تلك المهنة التي أصبحت مهددة بالانقراض، ورغم أنه تخلص مؤخراً من إدمانها، لكنه ما زال منتجاً شهيراً لعشاقها.
ووفقاً لـ"العربية"، كان بيع التتن مهنة "عم ياسين" محرمة في الماضي، و يتم تهريب أوراقها عبر الحدود، وهو يقوم بطي وريقات التتن (الدخان) بيده منذ 65 عاماً.
يقول العم القطان، بائع التتن الشهير في الأحساء، إنه ليس راغبا في التوسع بتجارته هذه، فهو يعشق هذه المهنة التي يتسلى بها، ويخرج منها بقوت يومه، وأصبح عند "زبائنه"، منافساً حقيقياً لشركات عالمية.
وأوضح أنه يركب دراجته يومياً متجهاً نحو دكانه المتواضع وسط الأحساء في سوق القيصرية، ليقوم بإنتاج العشرات من أوراق التتن، لكن السؤال لماذا تلقى الرواج والاهتمام؟.
وتابع العم القطان: "لي زبائني من كافة أنحاء المملكة، ويقبلون على ما أقوم بإنتاجه من نكهات مميزة".
تاريخ دخان تتن
وفي تقرير نشرته صحيفة الرياض السعودية، تحت عنوان : "تاريخ الدخان.. من «الهنود الحمر» إلى جيل «خرمان سيجارة»!، جاء فيه بداية تداول الدخان بين المواطنين، والأمراض التى تسبب فيها التدخين.
وحسب التقرير، مازالت المنظمات والهيئات الصحية، وكذلك الجمعيات الخيرية والإنسانية المحلية منها والدولية، تبث وتذيع وتنشر أبحاثها العلمية المؤكدة عن علاقة ظاهرة "شرب الدخان" بأمراض السرطان والأوعية الدموية، إضافةً إلى نشر قوائمها المهولة والمرعبة حول أعداد الوفيات اليومية والسنوية جراء ما تخلفه "السيجارة" و"الأرجيلة" من أمراض فتاكة أقل ما يقال عنها أنها الموت البطيء للجسم السليم.
شجرة التتن
ومصطلح "التتن" مصطلح تركي ينطقه الأتراك "توتون"، انتقل إلى الجزيرة العربية كغيره جراء التواصل بين الشعوب، لا سيما في البلاد الإسلامية التي عرفت "التبغ" بعد أن أخذه البرتغاليون المهاجرون إلى أمريكا الشمالية من سكان أمريكا الأصليين "الهنود الحمر"، الذين بدورهم نقلوه إلى أوروبا، حيث نقل السفير الفرنسي "جان نيكوت" الذي ينسب إليه لفظ "النيكوتين" نبات التبغ إلى بلاده، بعد أن أهداه أحد حراس السجون في "لشبونه" بالبرتغال حزمة من التبغ، الذي وصفه له بأنه علاج للعديد من الأمراض -كما توهم ذلك-، وبدوره انتقل التبغ من فرنسا إلى إنجلترا ومنه إلى أوروبا ثم إلى تركيا والعالم العربي.
ما هو التتن؟
وذكر مؤرخون أن اكتشاف "التبغ" جاء مع اكتشاف "كريستوفر كولمبوس" لأمريكا، حيث أهداه السكان الأصليون التبغ وبعد فترة جلبه البحّارة معهم وهم عائدون إلى أوروبا، منذ ذلك الوقت بدأ التبغ في الانتشار في أوروبا، وفي عام 1600م أصبح التبغ شهيرا للغاية، ثم في عام 1610م لاحظ السير "فرانسيس باكون" أن الإقلاع عن هذه العادة السلبية صعب للغاية، وفي عام 1760م أنشأ "بيير لوريارد" شركة في نيويورك لتصنيع التبغ والسيجار وما شابهه، وبعدها بقرابة قرن أي في عام 1847م بدأ "فيليب موريس" في بيع السجائر التركية التي تلف باليد، كما بدأت السجائر في الانتشار عندما أحضرها الجنود العائدون إلى إنجلترا معهم من الجنود الروس والأتراك، حتى جاء عام 1902م، الذي أسس فيه الإنجليزي "فيليب موريس" مجموعة محلات في نيويورك لبيع سجائره، وفي عام 1913م بدأت إحدى الشركات بيع نوع من السجائر يدعى كاميل -الجمل-، ثم تفجر استخدام السجائر بكثافة خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وفي خلال فترة الحرب العالمية الثانية تزايدت مبيعات السجائر بشكل كبير وأصبحت بالنسبة للجنود مثل الطعام، كما أرسلت شركات التبغ ملايين السجائر المجانية للجنود، وعندما عادوا إلى أوطانهم أصبحت لدى هذه الشركات قاعدة كبيرة من المدخنين، وفي عام 1954م أنتجت إحدى الشركات ماركة ونستون ذات فلتر، وبعدها بعامين ظهر منتج ماركة (salem) الذي ليس له من اسمه نصيب.
نجد عرفت «التتن» عن طريق تجارة العراق والخليج وأهل البادية أدخلوا التبغ في «عظام الإبل»!
تحذيرات صحية من تتن دخان
وظلت فترة الستينيات تشهد ظهور العديد من التحذيرات الصحية من السجائر، وقد توقفت إعلانات السجائر التليفزيونية في إنجلترا في عام 1965م، وبعدها بعام وضعت التحذيرات الصحية على علب السجائر، ثم ظهر في عام 1968م نوع من السجائر لكنه فشل تماماً، إلى أن جاءت سنة 1980م حيث عدّت الجهات الرسمية التدخين خطأ، وأصبح الكثير من الأماكن العامة تمنع التدخين، وعام 1982م ظهر تقرير عن أن التدخين السلبي يسبب سرطان الرئة، كما مُنع التدخين في الأماكن العامة وأماكن العمل، وقبلها بسنة أي عام 1987م منع التدخين في رحلات الطيران الأقل من ساعتين، إلى أن منع التدخين في رحلات الطيران عموماً عام 1990م.
ورأى علماء الإسلام في بداية انتشار التدخين أنه من المكروهات، لكن سرعان ما صرحوا بتحريمه حينها علموا بمضاره وخطورته على الإنسان، بل حرمه مجمع الفقه الإسلامي تحريماً قاطعاً، وطالب بمكافحته حفاظاً على أرواح البشر الذين تثبت الدراسات الحديثة خطورة التدخين الجنس البشري.
انتشار الوعي
وكان الملك الإنجليزي "جيمس الأول" معارضاً شرساً للتدخين، وألّف كتابا ضد التدخين تحت عنوان "إدانة التبغ"، وبحلول منتصف القرن السابع عشر، تعرفت كافة الحضارات على تدخين التبغ، وقد تم اصطلاح كلمة "التدخين " في الإنجليزية في أواخر القرن الثامن عشر، وقبل ذلك كان يطلق على تلك العملية شرب الدخان.
وفي عام 1881م قام أحد الحرفيين، "جيمس بونساك"، بإنتاج ماكينة للإسراع من إنتاج السجائر مادة إلى ما يسمى حروب الأفيون، وكذلك كان "هتلر" يدين التدخين بضراوة، كما تم اغتيال قادته من جنود الحملات المعروفين بمعاداتهم للتدخين بعد الحرب العالمية الثانية، وشحنت الولايات المتحدة حينها التبغ مجاناً إلى ألمانيا كجزء من خطة "مارشال".
وفي بداية القرن العشرين وضع أحدهم كتاباً سماه "الغليون والحبيب"، أو ديوان شعر المدخنين، وقد ربط بعض الأدباء ظاهرة التدخين بحياة العزوبية، ومنذ الحرب العالمية الثانية، أصبح ظهور التدخين على الشاشة أقل تكراراً؛ نظراً لانتشار الوعي بالمخاطر الصحية الواضحة للتدخين، ومع اكتساب الحركة المناهضة للتدخين مزيداً من الاحترام والتأثير.
أصبح هناك محاولات جادة لمنع ظهور التدخين على الشاشة لتجنب التشجيع عليه أو ربطه بأشياء إيجابية لاسيما في أفلام الأسرة، واليوم أصبح التدخين على الشاشات شائعاً بين الشخصيات المجسدة، التي تظهر في صورة الأشخاص المعادية للمجتمع أو حتى المجرمين.
عظام الإبل
وأثبت الروايات والمخطوطات والأبيات الشعرية والقصائد، أن ظاهرة التدخين عرفت في بلادنا ومجتمعنا منذ أكثر من أربعة قرون، ولا أدل على ذلك إلاّ رسالة "عليان الضبيني" وهو أحد قادة الإمام "سعود بن عبد العزيز" في عام 1225ه إلى "يوسف باشا كنج" -والي دمشق والشام-، وجاء في الرسالة: "والذي نحن عليه، كل من أرضى الله بأعماله، وبانت شواهده بالبر، نحشمه ولا نستغيث به، وزيادة الخطايا الظاهرة مثل شرب الخمر، واللواط، والنساء الخارجات، وسب الدين، والحلف بغير الله، وشرب التوتون والأركيله، ولعب المنقلة والورق، والحديث بالقهاوي، وضرب الطار، ولعب الأشعار..." إلى آخر الرسالة، وقد استجاب يوسف كنج -رحمه الله- وأصدر أوامره ب"ألاّ أحد يشرب خارج بيته دخان ولا تنباك".
ويذكر أن "التنباك" وصل إلى حاضرة نجد على وجه الخصوص عن طريق التجارة في الخليج والعراق وبلاد فارس، لا سيما وأن بلادهم كانت طريقاً للعابرة إلى غرب الجزيرة العربية وإقليم الحجاز أو اليمن، أما بادية نجد فقد عرفوها أكثر عن طريق المستشرقين والرحالة، أو عن طريق مخالطتهم لأهالي المدن، وكان البدو يستخدمون عظام الإبل كسيجار يحشونها بالتبغ ويدخنون كما هو التدخين الآن، حتى إن أحد شعرائهم يصف حاله مع القهوة وشرب الدخان فيقول:
لولا شراب العظم يومني أملاه
أكويه بالجمرة ويكوي جروحي
مع دلة صفرا على النار مركاة
أبصر بصبتها على كيف روحي
أو كما قال أحدهم:
ياما حلا الفنجال والعظم ولعان
ومعطش يغذي خوى الراس عني
انتشار الآفة
وكان "الغليون" و"الشيشة" معروفين في ذلك الزمان أي قبل أكثر من قرنين ونصف القرن، وكان "إبراهيم باشا" أثناء حملته على الجزيرة العربية قد خصص لـ "التتن" خازن خاص تتوفر لديه الكمية الكافية من التبغ والمجامر أو الغليون بأعداد كافية له ولحملته، وقد وقفنا على إحداها في الأحافير التي تجريها حالياً الهيئة العامة للسياحة والآثار مع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وربما أظهرت هذه الحفريات أكثر من "غليون" تحت هذه الأحافير في حي "طريف" و"البجيري" وسط الدرعية القديمة، ولك أن تتصور بقاء الجنود الأتراك وآثارهم من "القبوس" و"القنابل" و"السلاسل"، وحتى "المجامر" و"الغليون"، الذي خصص له الباشا أكثر من "ذلول" لحمل أكياس التبغ.
كما أن احد أشهر الرسومات ل "محمد علي باشا" كانت تلك التي يطل من شرفة قصر القلعة بالقاهرة وبجانبه "الأرجيلة"، وما هذا إلاّ دليل على رواج آفة التدخين في ذلك الوقت الذي وافق في أوروبا تداعيات الثورة الفرنسية وعصر "نابليون" الذي ازدهرت فيه ثقافة وأدب المقاهي، وقد دلّلت منقولات الشعر انتشار هذه الآفة في وسط الجزيرة العربية أثناء هذه الأحداث، حيث قال الشاعر النجدي المشهور "حميدان الشويعر" يهجو أبناء المدن الذين انتشرت بينهم ظاهرة شرب الدخان بالغليون والشيشة أو الأرجيلة، التي يسمونها "البربورة" نظراً لما تحدثه من صوت حيث يقول: يا عيال الندم يا ربايا الخدم.
فوائد التتن
أشار بعض العلماء إلى فوائد بسيطة للتتن منها أن الكميات البسيطة منه تقي من تجلط الدم، كذلك فإن التتن يلعب دورا في صناعة المبيدات الحشرية.