الكل يعرف إسم الكتاب ولكن ماذاعن محتواه ؟ فلنتعرف على مقدمة إبن خلدون
مقدمة إبن خلدون.. إسم كتاب يعرفه الجميع وغالباً ما بات يستخدم كجزء من لغة التخاطب حين يطيل أحدهم بمقدمته قبل دخوله في الموضوع فيتم وصف ما يقوم به بأنه أشبه بمقدمة إبن خلدون.
بطبيعة الحال التوصيف هذا دقيق لأن عادة المقدمة تكون عبارة عن بضع فقرات أو بضع صفحات ولكنها نادراً ما تكون كتاباً بحد ذاته.. ولكن إبن خلدون قام بذلك.
شاهد| حاولوا سحب السيارة العالقة في الرمال.. فحدثت المفاجأة !
من هو إبن خلدون؟
هو عبد الرحمان أبو زيد ولي الدين ولد في تونس وعاش في أسرة علم وأدب شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة ونزحوا من الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري.
إشتهر بإبن خلدون نسبة إلى أول من دخل الأندلس من أجداده مع جيش الفاتحين وهو خالد بن عثمان إذ كان أهل الأندلس يضيفون الواو والنون الى الإسم تعظيماً لأصحابها. المرحلة الأساسية في حياة إبن خلدون هي مرحلة العمل السياسي التي تولى خلالها مناصب سياسية وديوانية عديدة ليعود بعد ذلك يتفرغ للكتابة والعمل العلمي.
لماذا كتب مقدمة على شكل كتاب؟
الكتاب هذا تم تأليفه عام ١٣٧٧ ميلادية وهو مقدمة لكتاب أخر ضخم بدوره يحمل إسم طويل وهو «كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» والذي نعرفه بإسم «كتاب العبر».
هناك إختلافات في الرأي حول سبب إستفاضته في المقدمة، فالبعض يقول أنه أراد أن يصنف نفسه كمؤرخ والبعض الآخر يقول بأنه وحين بدأ بدراسة التراث العربي الإسلامي، خاصة كتب التاريخ وجد نفسه لا يتفق مع التصورات الشائعة سواء لناحية الموضوع أو المنهج. وبالنسبة لإبن خلدون فهم التاريخ بتلك الطريقة هو الذي أدى الى إنحطاط التأليف التاريخي وبداية أزمة علم التاريخ العربي.. وهذا ما دفعه الى تحليل هذه الأزمة وتحديد أسبابها والطرق الكفيلة بحلها في مقدمته قبل أن يتطرق الى موضوعه الأساسي.
ما الذي تتضمنه المقدمة؟
تتألف من ٦ أبواب، الباب الأول يتحدث عن العمران البشري والثاني عن العمران البدوي وذكر القبائل والأمم الوحشية. أما الباب الثالث فخصص للدول والخلافة والملك وذكر المراتب السلطانية، وفي الباب الرابع تحدث عن العمران الحضري والبلدان والأمصار أما الباب الخامس فهو للصنائع والمعاش والكسب ووجوهه والباب السادس للعلوم وإكتسابها وتعلمها.
إبن خلدون وجد نفسه مدفوعاً بتدهور الحضارة الإسلامية وقد قال في مقدمته «وأما لهذا العهد، وهو آخر المائة الثامنة (الهجرية)، فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة... هذا إلى ما نزل بالعمران شرقاً وغرباً في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجارف الذي تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل وطوى كثيراً من محاسن العمران ومحاها. وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها، فقلص من ظلالها، وفل من حدها، وأوهن من سلطانها، وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال أحوالها».
أما المشرق فكان له نصيبه من التراجع والتدهور فيذكر في المقدمة ««وكأني بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب، لكن على نسبته ومقدار عمرانه. كأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة. والله وارث الأرض ومن عليها».
المقدمة تتحدث عن هذه المراحل بإسهاب، من مختلف النواحي فيتطرق الى الناحية السياسية التي كان مرحلة الهزيمة والتراجع ثم يتطرق الى الواقع الإجتماعي المعاش والقائم على القبلية خصوصاً في المغرب العربي بحيث كان هذه القابل تتقاتل وتتحالف وتبسط سيطرتها على مناطق كاملة.
الأوضاع هذه جعلت الإهتمام بالحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية شبه معدوم وهذا ما يذكره في المقدمة حين يقول «إن سند تعليم العلم لهذا العهد كاد أن ينقطع عن أهل المغرب بإحتلال عمرانه وتناقض الدول فيه، أما أهل الأندلس قد ذهب رسم التعليم من بينهم وقد ذهبت عنايتهم بالعلوم».
وبما أن ابن خلدون عاشر كل الأصناف والأجناس وإختبر حياة القصور والمناصب وإختلط بالقبائل وبكل فئات المجتمع فإنه إستند وبشكل كبير الى تجربته في الكتابة وهذا ما جعله يبتعد عن التأريخ ويقترب الى ما يشبه المذكرات في إطار ما يعرف اليوم بعلم الإجتماع.
التاريخ له نصيبه أيضاً فهو وفي محاولة منه لفهم حاضره لجأ الى كتب التاريخ لمعرفة الماضي ولكنه وجد أن التاريخ في عصره لم يعد دقيقاً وباتت الخرافات تمتزج بالوقائع وتشوه الأحداث والمسار فيقول « إن فحول المؤرخين في الإسلام قد إستوعبوا أخبار اليوم وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها وخالطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها وإبتدعوها وزخارف من الروايا المضعفة لفقوها ووصفوها وإقتفى تلك الآثار ممن بعدهم واتبعوها أدوها الينا كما سمعوها».
ثم يتحدث عن المراحل التي مر بها التأليف التاريخي في الإسلام من الطبري والمسعودي وصولاً الى مرحلة الانحطاط حيث «الاكتفاء باسماء الملوك».
يقدم إبن خلدون الأسباب والحلول والتي يتداخل فيها السياسي بالإجتماعي بالتعصب لفئة والتحيز لقوم. ويتطرق الى العمران والمغالطات التاريخية لكثير مما ذكر في الكتب.يتطرق أيضاً الى العقلانية والفلسفة التي إنتقدها ورفضها إذ قال «وذلك أن قوماً من عقلاء النوع الانساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي تدرك ذواته وأحوالها بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية، وأن تصبح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل، وهؤلاء يسمون فلاسفة، جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة ».
مقدمة ابن خلدون تستحق القراءة من دون شك، فهي عابرة للأزمان والعصور. ففيها تحدث عن كل شيء من تاريخ ودين ومفاسد التمدن وعيوب العرب ويمكن تحميلها هنا